تنظر حاليًا محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة، الدعوى التى تطالب فيها الحكومة المصرية باتخاذ إجراءات التقاضي الدولى ضد تركيا؛ لمطالبتها برد الأموال التي تحصّلت عليها دون وجه حق تحت مسمى الجزية، التي كانت تسددها مصر للدولة العثمانية إبان الحكم العثماني لمصر، والتي استمرت الدولة المصرية تدفعها لتركيا حتى بعد انتهاء الخلافة العثمانية ووقوع مصر تحت الاحتلال البريطاني.
وذكرت الدعوى أنّ مصر ظلت تدفع الجزية 40 عامًا دون وجه حق، واكتُشف هذا الخطأ في ستينيات القرن الماضي، وسبق وطالبت الخارجية المصرية تركيا برد تلك الأموال، لكن المطالبة توقفت دون سبب معروف.
وطالبت الدعوى الحكومة المصرية بالتحفظ على الأموال التركية الموجودة في مصر، والحجز على ما تبقى من الوديعة التركية في البنك المركزي، وعدم ردها وفاء لجزء من الحقوق المصرية لدى تركيا.
كما طلبت الدعوى بصفة مستعجلة وقف القرار السلبي لرئيس الوزراء ووزير الخارجية، بالامتناع عن مطالبة تركيا برد الأموال التي تحصلت عليها من مصر تحت مسمى الجزية، مع ما يترتب على ذلك من آثار أخصها إصدار قرار بالتحفظ على الأموال المملوكة لدولة تركيا في مصر، وعدم تسليم ما تبقى من الوديعة التركية والتحفظ عليها، وبصفة موضوعية إلغاء القرار المطعون فيه مع إلزام جهة الإدارة بالمصروفات.
استربتيز سياسي
الدعوى بحسب قانونيين هي "استربتيز سياسي" من قبل نظام العسكر، إذ يريد السيسي مناوشة تركيا ومقايضتها على حقوقها المالية المتعلقة بقيمة ملياري دولار وديعة من المفترض أن تسددها مصر قريبا، ويسعى السيسي متنصلًا من الاتفاقات الدولية التي قد تعرض مصر للحجز على أموالها وممتلكاتها بالخارج إن لم تسدد أموال الوديعة.
أمَّا أموال الجزية التي ترتهن إدارة السيسي على استردادها فعليها اللجوء للقضاء الدولي؛ لأن الأمر متعلق بعلاقات دولية وأنماط حكم كانت سائدة في فترة زمنية معينة، وحتى لو حكم القضاء الإداري المصري بأحقية مصر، فمن غير المنطقي لأي دولة أن تلتزم بحكم قضائي متعلق بأموالها يصدر في دولة أخرى.
ولعلَّ ما يثير الاستغراب هو تركيز مصر على مناوشة تركيا وقطر والدول الرافضة للانقلابات العسكرية، وتترك أموالها المنهوبة في بريطانيا وقت الاحتلال، والتي تقدر بالمليارات.
وتشير وقائع التاريخ إلى أن مصر أقرضت بريطانيا ما قيمته 3 ملايين جنيه إسترليني أثناء الحرب العالمية الأولى، وهو ما يزيد على 30 مليار دولار في وقتنا هذا، مع الوضع في الاعتبار فوائد القرض لمدة تزيد على 100 عام.
وذلك وفق وثيقة كشف عنها الباحث المصري الدكتور أشرف صبري، استشاري طب الأعماق، وذلك أثناء قيامه ببحثه العلمي حول المراكب الإنجليزية الغارقة بالإسكندرية منذ أيام الحرب.
وهو ما أكدته دار الوثائق المصرية وفق وثيقة تدين بريطانيا في لجنة “ملنر”، وزير المستعمرات البريطانية وقتها، كما أشار إلى ذلك الزعيم سعد زعلول في مذكراته.
كما كشفت الدراسات التاريخية، بمناسبة الاحتفال بمرور مائة عام على الحرب العالمية الأولى التي اندلعت في عام 1914 وأثناء الاحتلال، أن الدين البريطاني لمصر لم يكن دينا مباشرا، بل قيمة خدمات عسكرية قدمتها مصر لبريطانيا، بالإضافة إلى تعويضات لأهالي وأحفاد مئات الجنود والضباط المصريين الذين قتلوا أثناء الحرب مع إنجلترا، وأن من حقهم معاش الشهيد بالتوارث حتي الآن.
وفي عام 1920 أصدر اللورد ملنر وثائق بصفته الوزير الأكبر للمحميات البريطانية وقتها، ومعه عضو البرلمان البريطاني، وممثل وزارة الخارجية البريطانية، بأن الحكومة البريطانية أقرت بمديونتها لمصر بما يعادل 3 ملايين جنيه إسترليني نظير خدمات مصر لإنجلترا في الحرب وقتها، وتم ترجمة هذه الوثائق في 21 فبراير 1921.
تيران وصنافير وأم الرشراش
كما تفضح عملية التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير ما يردده السيسي وإعلامه بخوفه على مقدرات مصر وأملاكها الحالية والسابقة، حيث سبق وحكمت أعلى سلطة قضائية إدارية بمصر، محكمة القضاء الإداري العليا، بمصرية الجزيرتين، ولكن السيسي أصرّ على التنازل عنهما للسعودية، بالمخالفة للعقل والمنطق وتقارير المخابرات نفسها والأجهزة العسكرية، إلا أن الخائن أصر على خيانته، بل سجن كل من يقول بمصريتها.
أما أم الرشراش فهي أراض مصرية ما زالت إسرائيل تحتلها، وتطلق عليها إيلات، ورغم اكتشاف آثار مصرية بها الشهر الماضي تؤكد مصريتها، يبلع السيسي لسانه من أجل عيون الصهاينة، الذين باتوا أصدقاءه الحميميين، من أجل إنهاء وتصفية القضية الفلسطينية.
ولا أدل على تفريط السيسي في حقوق مصر ومقدراتها، من اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص، الذي منح آبار نفط مصر وغازها لإسرائيل وقبرص، ومنح إسرائيل أفضلية وأولوية لتمرير أنبوب نفط لتصدير النفط والغاز إلى أوروبا بعيدا عن الأراضي المصرية، التي كانت مصرية قبل مجيء السيسي، وكانت ضمن المياه الاقتصادية لمصر نكاية في تركيا.
كما اعترضت وزارة الخارجية المصرية، وتحديدا الإدارة القانونية، على الاتفاقية مع قبرص، التي حرمت مصر من ضعف مساحة دلتا النيل من حدودها البحرية، وهو ما يريد السيسي تكراره حاليا مع اليونان، أى أن الإدارة القانونية بالخارجية المصرية وخبراء هيئة المساحة وإدارة المساحة بالقوات المسلحة يعترضون على إعادة تطبيق الخيانة السيساوية في حدود مصر مع اليونان.