السيسي يفتح الباب أمام بيع مصر عبر الديون و”السيادي”.. عودة الخديوي

- ‎فيتقارير

عقب ساعات من إقرار مجلس نواب الانقلاب تعديلات على قانون الصندوق السيادي، بما يفتح المجال واسعًا أمام السيسي للتلاعب بأصول مصر وبيعها ورهن بعضها للأجانب، وفي مقدمتهم الإمارات وبريطانيا وأمريكا وأصحاب الديون، أعلن الصندوق عن فتح باب البيع للأصول على المفتوح، مبررا قراره بتزايد الديون على مصر وفوائدها.

ووافق مجلس نواب العسكر على تعديل مقدم من حكومة الانقلاب على قانون إنشاء صندوق مصر السيادي رقم 177 لسنة 2018، وإحالته إلى مجلس الدولة لمراجعته تمهيدا لإقراره نهائيا، والذي يهدف إلى إعفاء المعاملات البينية للصندوق، والكيانات المملوكة له، من جميع الضرائب والرسوم.

وأجاز تعديل القانون الاستعانة بأحد بيوت الخبرة الدولية، لتقييم الأصول المملوكة للصندوق في الأحوال التي تقتضي ذلك، مشترطا عدم رفع الدعاوى ببطلان العقود التي يبرمها الصندوق، أو التصرفات التي يتخذها لتحقيق أهدافه، أو الإجراءات التي اتخذت استنادا إلى تلك العقود أو التصرفات، إلا من أطراف التعاقد من دون غيرهم، وذلك بغرض تحصينها من الملاحقة القضائية.

كما أجاز للسيسي نقل ملكية الأصول المستغلة المملوكة للدولة أو غير المستغلة إلى الصندوق، محددا طرق وآليات تقييم أصول الصندوق، والذي يتكون رأس ماله المرخص به من مائتي مليار جنيه، ورأس ماله المصدر من خمسة مليارات، وهو ما يفتح الباب تلقائيا لخصخصة وبيع الآلاف من الكيانات الحكومية.

عودة الاحتلال!

وكما فعل الخديوي إسماعيل في القرن التاسع عشر، حين توسع في الاستدانة من أوروبا لافتتاح مشاريع قناة السويس، وغيرها من مشاريع الترفيه والتي شابها الفساد، سار السيسي على نفس المنهاج، مستدينا من "طوب الأرض" لإظهار نفسه كصاحب إنجازات كبرى، وتوالت المشاريع الفنكوشية التي يستخدمها في الترويج لحكمه الاستبدادي، كالعاصمة الإدارية وتفريعة قناة السويس الخاسرة، ومدن العلمين الجديدة والجلالة والقصور الرئاسية.

وكما توقع متابعون، فإن مشروع الانقلاب العسكري جاء لسلب مصر ونهبها لصالح الأجانب، فقد أعلن المدير التنفيذي لصندوق مصر السيادي، أيمن سليمان، أن حكومة الانقلاب تسعى للتخلص من بعض ديونها ببيع أصول في الدولة لمستثمرين أجانب بالشراكة مع الصندوق، مبررا ذلك بأن مصر استثمرت ما يزيد على 100 مليار دولار في مشروعات البنية الأساسية بأعباء تمويلية "قروض"، مثل مشروعات محطات "سيمنز للطاقة"، وهو ما يتيح للاقتصاد إعادة تدوير رؤوس الأموال ببيع بعض الأصول.

وقال سليمان، في مؤتمر صحفي عبر تقنية "فيديو كونفرانس" أمس الثلاثاء، إن "فتح الباب للمستثمرين لشراء بعض أصول الدولة، سيكون من خلال تحالفات مع صندوق مصر السيادي بعد نقل الأصول إلى الصندوق"، مستطردا أنه "في حال إتمام المعاملات الاستثمارية على تلك الأصول، سترفع عن كاهل الاقتصاد القومي بعض الديون المدرجة في ميزانية الدولة".

وعلى طريقة علي بابا، قال إن "المستثمرين سيشترون رؤوس أموال تلك المشاريع، وسيضخون الأموال للدولة المصرية حتى يمكن تدويرها في مشاريع أخرى ذات أولوية"، متناسيا أن للأجانب ديونا، أي أنهم لن يضخوا أموالا جديدة بل سيأخذون أصولا مليارية تقدر بملاليم، كما يفعل تاجر البندقية المفلس السيسي وعصابته، التي سرقت وتسولت الديون والقروض من كل حدب وصوب، ثم سيسدونها من أصول الدولة المصرية، من مبان حكومية ومقار بوسط البلد، أو مشروعات إنتاجية.

هروب المستثمرين

وعلى عكس واقع السوق الاستثمارية في مصر التي شهدت هروب نحو 21 مليار دولار خلال الفترة الأخيرة، ادعى "سليمان" أن المستثمرين الأجانب لا تزال لديهم "نفس الشهية" للاستثمار في مشروعات البنية الأساسية في مصر، لعوامل عدة أبرزها تخفيض البنوك المركزية حول العالم سعر الفائدة، على الرغم من التداعيات السلبية الناتجة عن تفشي فيروس كورونا.

وأضاف سليمان أن "الصندوق السيادي بصدد إطلاق أربعة صناديق فرعية خلال الفترة المقبلة، الأول في الخدمات الصحية، والثاني في البنية الأساسية، والثالث في التصنيع الغذائي والزراعة، والرابع في الخدمات المالية والتكنولوجية المالية، فضلاً عن التحضير لثلاثة صناديق فرعية أخرى".

وزعم قائلاً: إن "صندوق الرعاية الصحية أسس بالتعاون مع شركة إدارة الاستثمارات (كونكورد إنترناشيونال إنفستمنت) بحصة أقلية، وهي شركة رائدة في إدارة صناديق الاستثمار وثروات الأفراد والعائلات والهيئات، بينما ستكون النسبة الأكبر لمستثمري القطاع الخاص، والمستثمرين الاستراتيجيين بهذا المجال"، لافتاً إلى أن المرحلة الأولى لإدارة أصول الدولة المستغلة وغير المستغلة التي ستجرى إحالتها إلى الصندوق، ستراوح بين 50 و60 مليار جنيه خلال أول 12 شهراً.

وأفاد سليمان بأن الأصول التي ستؤول إلى الصندوق معظمها ناتجة عن تشابكات مالية، وديون بين الجهات الحكومية، إذ يجرى الاكتتاب العيني بالأصل في رأسمال الصندوق، نظير مقاصة مع هذه الجهات، مبينا أن "الاكتتاب بحصة في إدارة طرح بنك القاهرة في البورصة لا يزال ضمن اهتمام الصندوق السيادي، والذي يتطلع إلى إصدار قرار مجلس إدارة البنك بهذا الشأن، وإعادة عملية الطرح مرة أخرى".

وواصل بقوله: "الصندوق بدأ تلقي العروض من قبل المستثمرين للدخول في شراكات مع الشركات المملوكة لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع لوزارة الدفاع، من أجل تهيئتها وترويجها للمشاركة مع المستثمرين من القطاع الخاص، علاوة على توقيع مجموعة من مذكرات عدم الإفصاح بشكل يمكن المستثمرين المحتملين من تقييم الأصول".

 

بيع يا مرسي!

وبكل أريحية وعلى عكس المزاعم التي أطلقها العسكر في 2012 و2013 ضد الرئيس الشرعي محمد مرسي، بأنه سيبيع قناة السويس لقطر وسيرهن المنطقة الاقتصادية لتركيا، فقد جاءت الحقيقة على لسان رئيس الصندوق السيادي، بأن "استغلال المنطقة الاقتصادية لقناة السويس هو أحد أهداف الصندوق بالتعاون مع القائمين عليها، بغرض الوصول بها إلى منطقة لوجستية عالمية".

وختم بالقول إن "الصندوق السيادي يعمل على الدخول في شراكات مع الصناديق الاستثمارية في دول الإمارات وبريطانيا والولايات المتحدة، فضلاً عن توقيع شراكات مع شركات استثمارية متنوعة، وشروعه في بناء شراكات مع مالكي الأصول الممثلة في الوزارات الحكومية بالعديد من القطاعات الاقتصادية الواعدة، من أجل خلق عوائد طويلة الأجل للصندوق عبر اختيار الشريك الأمثل"، على حد تعبيره.

وأطلق صندوق مصر السيادي منصة استثمارية مع دولة الإمارات العربية المتحدة، ممثلة في شركة أبوظبي التنموية القابضة، بقيمة 20 مليار دولار للاستثمار المشترك في مجموعة متنوعة من القطاعات والمجالات، ومن أبرزها الصناعات التحويلية، والطاقة التقليدية والمتجددة، والتكنولوجيا، والأغذية، والعقارات، والسياحة، والرعاية الصحية، والخدمات اللوجستية، والخدمات المالية، والبنية التحتية.

الخديوي السيسي

ولفهم عقلية المنقلب الذي جاء لبيع مصر للمستعمرين من العرب والأجانب، وعلى الرغم من تحذيرات الخبراء وقوى المعارضة بالتوقف عن الاستدانة، والبحث عن بدائل للتمويل للمشروعات، كإدخال اقتصاد الجيش في منظومة الاقتصاد المصري، ووقف المشروعات الفنكوشية الكبرى التي تبتلع أموال مصر، أعلن البنك المركزي المصري في 6 مايو الماضي عن ارتفاع حجم الديون الخارجية المستحقة على مصر إلى نحو 112.67 مليار دولار بنهاية ديسمبر من عام 2019، مقابل 96.61 مليار دولار بنهاية ديسمبر من عام 2018، محققة ارتفاعا نسبته 16.6 في المائة، وقدره 16.1 مليار دولار على أساس سنوي.

وبذلك يقفز الدين الخارجي في مصر بنسبة تصل إلى 145 في المائة، منذ استيلاء السيسي على الحكم في منتصف عام 2014، إذ لم تكن الديون الخارجية (آنذاك) تتجاوز 46 مليار دولار، نتيجة توسعه في الاقتراض من الخارج لتمويل مشروعات غير ذات جدوى اقتصادية، على غرار "تفريعة" قناة السويس، والعاصمة الإدارية الجديدة.