السيسي إلى ليبيا رغم إعلان إثيوبيا بدء “الملء”.. إهدار مكانة مصر أم استراتيجية النعامة؟

- ‎فيتقارير

على طريقة القرموطي في مواجهة الاستعمار الأمريكي للعراق، بدت شخصية السيسي الهشة، والتي أثبتت المواقف التاريخية واللحظة الراهنة، التي تحيق فيها المخاطر على مستقبل وحاضر وماضي مصر، بإعلان إثيوبيا بدء ملء سد النهضة، بعد ورود تقارير بالأقمار الصناعية العالمية، تفيد ببدء ملء السد منذ مايو الماضي، وتجريب قوة مبانيه الخرسانية، وفق رويترز وأسوشيتدبرس، ورغم ذلك يواصل السيسي هروبه من المواجهة إلى الحدود الغربية، مستضيفا بعض القبائل الليبية التي حركتها مخابراته الحربية لكي يظهر السيسي بأنه مطلوب ليبيا للتدخل لإنقاذهم… على خلاف الواقع، وللقانون، إذ أعلنت الحكومة الليبية المعترف بها دوليا أن أي تدخل مصر بليبيا يعد استعمارا ستواجهه، وأيضا تأييد الأمم المتحدة وأمريكا والعديد من القوى الدولية بأنه لا يحق للمصر التقدم خطوة واحدة على التراب الليبي.

ولكن وبحسب الخبراء والمتابعين، فإن السيسي، وكما يقول الإعلامي أحمد منصور، في  حقيقته شخص هش ومهلهل ومفكك وخبيث ومريض لكن الذى صنع استبداده هو حماقة المثقفين وجهل العامة وخنوع الشعب وعصابات اللصوص التى تحكم لكن الحقيقة الدامغة هى أنه مثله مثل غيره من سفهاء الحكام والطغاة سيأخذ دورته فى الحكم ثم ينزع الله ملكه ثم يتبوأ مقعده فى مزبلة التاريخ"…

ولعل الأهم من شخصية السيسي في تلك المرحلة هو تحرر الشعب من قيود العسكر والتعبير عن رفضهم لمغامراته للإلهاء السياسي عن كوارث نقص المياه وضياع حقوق مصر، بل والأهم هو مقاطعة إعلام العسكر الذي سبق وأن بشر المصريين بأنه "خلاص السيسي حلها"، وجادل السيسي عن خيانته قائلا "مضيعتكومش قبل كدا ولا هاضيعكوا..اطمئنوا في موضوع المية"!!! وهو ما ثبت كذبه، ويجب على الشعب خلعه والثورة عليه بل ومحاكمته بتهم الخيانة للمصريين.

كيف سترد مصر؟

ويبقى السؤال الأهم في تلك المرحلة: كيف سترد مصر على فشل مفاوضات سد النهضة وبدء حجز المياه من دون اتفاق؟ وجاء الإعلان عن ملء خزان سد النهضة الإثيوبي بعد يوم من إعلان انتهاء الجولة الأخيرة من المفاوضات المستمرة منذ نحو عشر سنوات بين مصر وإثيوبيا والسودان حول قواعد الملء الأول والتشغيل السنوي للمشروع الأضخم على نهر النيل من دون الوصول إلى اتفاق.

وبلغة العاجزين، أعلنت وزارة الخارجية الانقلابية أن القاهرة "طلبت إيضاحاً رسمياً عاجلاً من الحكومة الإثيوبية بشأن مدى صحة هذا الأمر"، مؤكدة أن مصر تواصل متابعة تطورات ما تتم إثارته في الإعلام حول بدء إثيوبيا ملء خزان سد النهضة، وهو ما اعتبره مراقبون رداً "هادئاً" لا يعكس ما ستتجه إليه أكبر دول حوض نهر النيل من خيارات متعددة لحماية أمنها القومي والمائي مما سبق أن عدّته "تهديداً وجودياً" خلال خطابها إلى مجلس الأمن بشأن الأزمة قبل أسابيع.

وأثارت صور للأقمار الصناعية لتجمعات كبيرة للمياه خلف السد، وأنباء نقلتها وسائل الإعلام الإثيوبية المحلية يوم الأربعاء حول بدء الملء رسمياً، ردود فعل غاضبة على مواقع التواصل الاجتماعي في كل من مصر والسودان، فيما أكدت مصادر حكومية أن الملف عاد من جديد إلى وزارة الخارجية بحكومة الانقلاب بعد أسبوعين من رئاسة وزير الموارد المائية والري محمد عبدالعاطي لوفد مصر بالمفاوضات التي تمت تحت رعاية أفريقية وانتهت "كما بدأت بغير توافق"، حيث من المقرر إعلان خطوات مصر اللاحقة من خلال وزارة الخارجية التي سوف تتولى من جانبها مواصلة تحركات مصر الدبلوماسية، بغض النظر عن إقدام إثيوبيا على أي خطوة أحادية من شأنها مخالفة التزاماتها بموجب إعلان المبادئ الموقع عام 2015 وغيرها من الاتفاقيات والأسس التعاقدية وقواعد القانون الدولي التي تحفظ لمصر حقوقها المائية، جنباً إلى جنب مع احتفاظ مصر بحق اللجوء إلى كافة "الخيارات" الممكنة للتعامل مع الأزمة.

ورغم تيقن الجميع بأن الموقف الراهن هو مجرد حالة انسداد للمسار التفاوضي والدبلوماسي، مع فشل المفاوضات في الوصول إلى اتفاق خلال مهلة الأسبوعين التي أعلنتها القمة الأفريقية المُصغرة في أواخر يونيو الماضي، وعزم إثيوبيا على بدء ملء خزان سد النهضة بصورة أحادية، الا ان السيسي الخانع "النعامة" مستمر في المسار الدبلوماسي في المحافل الدولية ومجلس الأمن طلبا لمنع إثيوبيا من اتخاذ أي خطوة أحادية من شأنها تهديد الأمن والسلم إقليمياً ودولياً، ولكن بيد غيره..
ولعل الإصرار على المضي في المسار الدبلوماسي فقط، يؤكد خيانته وأنه مجرد ستار لتطبيق رؤى صهيونية ودولية لتسعير المياه وبيعها وضمان وصولها للكيان الصهيوني، بعد مرحلة قاسية من شد الأطراف المصرية، في العمق الاستراتيجي لمصر. 

سر جرأة إثيوبيا

ولعل تيقن إثيوبيا من هشاشة النظام العسكري المصري المرفوض عند قطاع كبير من المصريين، هو ما أعطاها الصلاحية لكي ترفض التوقيع على أي اتفاق خلال الجولات الثلاث الأخيرة بمشاركة الولايات المتحدة ثم بوساطة السودان وأخيراً برعاية الاتحاد الإفريقي، وهو ما يعني مخالفة صريحة لاتفاق إعلان المبادئ، وعزمها على بدء ملء السد بتصرف أحادي أياً كان تأثير ذلك في حصة مصر من مياه النيل.

ولعل ما يؤكد خيانة السيسي للمصريين توقيع اتفاق المبادئ، رغم تاكيدات جميع الخبراء بأن بناء سد أكبر من المطلوب لتوليد الكهرباء هو هدفه حجب مياه النيل عن مصر والتنصل من التزاماتهم بموجب الاتفاقيات الدولية والحقوق التاريخية المكتسبة في مياه النيل التي نص عليها إعلان المبادئ عام 2015، وهو نهج مخالف للقانون الدولي..ورغم ذلك وقع "النعامة".

وتوقع مراقبون أن تلجأ مصر إلى إعلان خطوات محددة كرد على "التعنت" الإثيوبي في ظل "صمتها" حالياً عن التعليق بشأن فشل المفاوضات، وقال أيمن شبانة أستاذ العلوم السياسية بمعهد الدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة في تصريحات للاندبندنت "إن الخيارات المتاحة الآن أمام مصر هي اللجوء إلى مجلس الأمن لإخطاره مجدداً بتطورات الموقف، وتنبيهه وفقاً للمادة 35 من ميثاق الأمم المتحدة إلى خطورة الوضع على الأمن والسلم الدوليين، و"على مجلس الأمن هنا أن يطالب إثيوبيا بوقف الملء فوراً، ومن دون انتظار، وأن يتأكد من ذلك، وبوسعه أيضاً الحصول على فتوى من محكمة العدل الدولية حول مدى خرق إثيوبيا للقانون الدولي وبخاصة اتفاق 1902 وإعلان المبادئ 2015، هذه الفتوى لها حجية سياسية وليست لها حجية قانونية، ويمكن الاستناد إليها في حال اللجوء إلى الخيار الأخير وهو البديل العسكري، فالجيش المصري لا يمكن أن يقف مكتوف الأيدي أمام هذا التهديد الذي يمس مصلحة مصيرية، فمصر تعتمد بشكل كلي على مياه النيل، ولا يمكن لأي دولة بحجم مصر أن تتحمل هذا التهديد، أو أن تبقى كافة أوجه الحياة وخطط التنمية فيها معتمدة على قرار إثيوبي بمنح المياه وهي عصب الحياة أو منعها".

ضربات إثيوبية
وطوال السنوات السبع الماضية، تواصل إثيوبيا إهانة مصر والسيسي ونظامه، دون أن تحسم مصر موقفها رغم تنصل إثيوبيا من التزامتها ، فإثيوبيا خالفت إعلان المبادئ، وأطاحت به منذ تصميمها على عدم توقيع أي اتفاق ملزم بعد 5 سنوات من توقيع الإعلان الداعي إلى الوصول إلى اتفاق، وكذا إعلانها عدم الاعتراف بالاتفاقيات السابقة، كما أنها خالفته من حيث الواقع ، إذ إن الدول دخلت إعلان المبادئ من منطلق الشك في السلوك الإثيوبي، إذ أكد الإعلان كلمة الثقة وحسن النية التي تكررت 11 مرة في الاتفاق، ما يعني اعتراف الاتفاق بالمراوغة الإثيوبية والشك في سلوكها ونواياها،بجانب الاتهامات الرسمية لإثيوبيا وهي موثقة في تقرير اللجنة الدولية بعد عام 2011، فهناك اتهام بعدم مراعاة أمان السد والآثار الاقتصادية والبيئية، وبناء السد بهدف حرمان الآخرين من حقوقهم أكثر من نيل مصلحة وطنية وهي توليد الكهرباء كما يزعمون.

وأمام كل تلك الاستهانة الإثيوبية بموقع ومكانة مصر التي قزمها السيسي وعساكره، فإن النظام العسكري القائم عليه الرحيل وترك مهام إدارة مصر لشعبها يختار من يقدر على تحقيق مصلحته، وحماية مياهه لا المغامرة بجيشه في ليبيا ولحساب صعاليك الإمارات والخليج الذين جربهم العرب وقتلوا الشعب اليمني وورطوا دولا عربية عديدة في المستنقع اليمني ثم انسحبوا وتركوا حلفاءهم السعوديين بالورطة، بعد أن نالوا مكاسبهم من احتلال أراضي الجنوب اليمني وجزر سقطري وموانئ اليمن.