رابعة.. ومازال الذبح مستمرًا منذ سبع سنوات حتى الآن

- ‎فيتقارير

لم يوجد فرعون قط من غير هامان، وقارون، وسحرة، وجنود، وشعب مستخف مطيع طاعة القطيع.. تغيّرت حياة المصريين بشكل كبير بعد مذبحة رابعة قبل سبع سنوات، والتي راح ضحيتها الآلاف بين شهيد وجريح.

فقد عمد السفاح عبد الفتاح السيسي إلى تأسيس أرض البطش والخوف، وتمادت أجهزته في التوسع في عمليات القتل خارج القانون، واضطهاد كل من يخالفه، ليس فقط على صعيد القضايا السياسية وإنما أيضاً على صعيد القضايا الاقتصادية والاجتماعية. كما تحولت مصر على مدى السنوات الماضية إلى سجن كبير، يطارد فيه المصريون وتنتهك حقوقهم يومياً فيما يعزز النظام سطوته وقمعه غير آبه بأي غضب شعبي.

قبل سبع سنوات استنزف الموت الجماعي المجاني مئات من المصريين المعارضين للانقلاب العسكري، كان كل ذنبهم أنهم أيدوا شرعية الرئيس المنتخب وقتئذ الشهيد محمد مرسي فكان جزاؤهم القتل خلال فض اعتصامهم بميداني رابعة العدوية والنهضة الواقعين في شرق القاهرة وغربها يوم 14 أغسطس 2013.

وحتى الآن، ومع ما مرت به البلاد من أحداث خلال السنوات العجاف، لا أحد يعرف على وجه الدقة عدد شهداء المذبحة، فضلا عن أن القتلة لم يخضعوا لأي محاسبة، بل إن الوضع كان معكوسا! وكانت أرقام متباينة صدرت عن جهات رسمية وحقوقية تخص عدد ضحايا المذبحة، فبينما أكد المجلس القومي لحقوق الإنسان -منظمة حقوقية تابعة للعسكر- أن العدد بلغ 632 قتيلا، ترى منظمات حقوقية محلية ودولية أن الرقم تخطى الألف، أما جماعة الإخوان المسلمين فقالت إن عدد الضحايا تجاوز ألفي ضحية، إلى جانب آلاف المصابين.

والأكثر إدهاشا من عدم معرفة أعداد الضحايا أو محاسبة القاتل هو ما جرى من معاقبة الضحية، ففي يوليو 2018، أصدرت محكمة حكما بالإعدام على 75 معارضا للانقلاب في القضية المعروفة إعلاميا بـ"فض اعتصام رابعة"، إلى جانب سبع قضايا أخرى ينظر فيها القضاء تخص اتهامات القتل العمد وتدمير ممتلكات عامة ومقاومة سلطات العسكر.

ورغم ضبابية المعلومات وغياب العدالة، تبقى حقيقة واضحة تخص المذبحة كونها إحدى أكبر عمليات القتل الجماعي في تاريخ مصر الحديث، وواحدة من كبرى وقائع قتل المتظاهرين في العالم في يوم واحد، وفق ما ذكرت تقارير حقوقية دولية.

رغم قسوة هذه المشاهد ووحشيتها، بات غياب العدالة والإفلات من العقاب طوال هذه السنوات أكثر قسوة على ذوي الضحايا من هذه المشاهد، لكن الأكثر قسوة ووحشية وفقًا لذوي الضحايا هو استمرار نزيف الدماء المصرية البريئة بالتصفيات الجسدية والقتل خارج القانون تارة أو القتل بالإهمال الطبي في السجون والمعتقلات تارة أخرى.

على سبيل المثال، الرئيس الشهيد محمد مرسي الذي اُرتكبت مذبحة رابعة للتنكيل بأنصار ثورة 25 يناير والمطالبين بشرعيته فقد حياته قبل حلول هذه الذكرى نتيجة الإهمال الطبي والظروف القاسية وفقًا لمراقبين وسياسيين ومنظمات حقوقية تطالب بتحقيق دولي في ظروف وفاته، عدا العشرات من المعتقلين الذين لا ألقاب ولا وصف يسبق أسماءهم الشريفة.

ليس الأخير

لم ينتهِ القتل بانتهاء مجزرة رابعة وغسل الأسفلت والأرصفة من دماء الشهداء، فقبل استشهاده بعد سبعة أعوام من مجزرة رابعة وأمام القضاء، شكا القيادي في جماعة الإخوان المسلمين الدكتور عصام العريان من افتقاده للعلاج الذي يحتاجه، وتحدث عن وفاة العديد من المعتقلين نتيجة غياب الرعاية الطبية في السجون، قبل أن يأتي الدور عليه ويفارق الحياة اليوم ويضاف إلى المئات من ضحايا الإهمال الطبي في السجون المصرية.

وتحدث الشهيد "العريان" إلى القاضي عن نفسه كنموذج لحالات إهمال الرعاية الصحية، موضحا أنه أصيب داخل السجن بفيروس "سي"، وطلب السماح بعلاجه في معهد الكبد، لكن مسؤولا في السجن أبلغه أن الأمن الوطني رفض إرساله إلى المستشفى.

عصام العريان الذي كان يعمل طبيبا وشغل منصب نائب رئيس حزب الحرية والعدالة -الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين- كان من بين الآلاف الذين اعتقلهم عصابة العسكر عقب انقلاب يوليو 2013، ليظل في السجن 7 سنوات تقريبا حتى وفاته قبل يومين.

وقد أثارت وفاة العريان، السياسي والطبيب، تعاطفا واسعا على مواقع التواصل، حتى من جانب بعض المختلفين سياسيا وفكريا مع جماعة الإخوان المسلمين حيث عددوا مناقب الفقيد، وأبدوا أسفهم على انتهاء حياته في السجن.

تقول صاحبة حساب "أنين المظلومين" في تغريدة :"وأبت ذكرى رابعة أن تمرعلينا دون مزيدٍ من ألم فأخذت معها د عصام العريان؛ ليلتحقَ بمن سبقهُ من إخوانه وأبى القاعُ المزدحمُ بالوسَاخاتِ؛ إلّاأن يُخرج لنا بعضاً من قاذوراتهِ طاعنينَ وشامتين فسلامُ اللهِ على كل حُرٍّ نبيل ولعنةُ اللهِ على كل من شاركَ في دمائهم، وكل دماءٍ بريئةٍ سالت بغير حق".

المجزرة مستمرة

قالت منظمة هيومن رايتس مونيتور إنها رصدت خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2020 "إزهاق" أرواح 100 شخص خارج القانون في مصر، ودعت العالم إلى التضامن مع المعتقلين المصريين في ظل المخاوف من تفشي كورونا بينهم.

وأحصت المنظمة وفاة 29 من المعتقلين في سجون الانقلاب المختلفة وأقسام ومراكز الشرطة ومراكز تدريب الداخلية، من بينهم 3 حالات قتل نتيجة للتعذيب، و17 نتيجة للإهمال الطبي المتعمد، و9 حالات قتل بالإعدام.

كما رصدت 71 حالة قتل برصاص الجيش والداخلية، من بينهم 61 حالة قتل في شمال سيناء، ليصبح عدد من قُتلوا خارج إطار القانون خلال تلك الفترة هو 100 شخص.

ويبلغ عدد سجون الانقلاب حاليا 66 سجنا، وذلك بعد بناء 26 سجنا جديدا خلال عهد السفيه السيسي، بالإضافة إلى وجود 320 مقر احتجاز داخل أقسام ومراكز للشرطة.

وناشدت المنظمة المجتمع الدولي التضامن مع طلبات الإفراج عن المعتقلين، والضغط على سلطات الانقلاب لتنفيذ الإفراج أسوة ببقية دول العالم في ظل أجواء كورونا.

وطالبت المنظمة سلطات الانقلاب بسرعة الإفراج عن المعتقلين تعسفيا وإداريا "خوفا من إصابتهم بفيروس كورونا الذي يهدد البشرية بأكملها"، مشيرة إلى أنه مع الاكتظاظ الشديد بالسجون فإن الوضع "ينذر بكارثة محققة".

ودعت المنظمة إلى السماح للجنة الدولية للصليب الأحمر وكذلك المقرر الخاص بالتعذيب والمقرر الخاص بالقتل خارج إطار القانون بالأمم المتحدة، ومنظمات حقوق الإنسان المستقلة؛ بزيارة جميع السجون وأماكن الاحتجاز الخاضعة للعسكر للوقوف على أوضاعها وعلى سلامة المعتقلين، ومراقبة أوضاع الاحتجاز تماشيا مع المعاهدات الدولية التي انضمت إليها مصر.

أوامر ترامب

بعد مذبحة رابعة بأعوام رصدت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية في تقرير  لها  في سبتمبر 2017م، تزايد الانتهاكات من جانب السفاح السيسي بعد التفاهمات التي أجراها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع السيسي في النصف الأول من سنة 2017م، خلال زيارة الأخير لنيويورك في إبريل ثم الزيارة التي قام بها ترامب للسعودية في 21 مايو من نفس السنة والتقى خلالها قيادات تحالف الثورات المضادة وما تلاه من حصار قطر.

ورصدت التقرير  "3" تحولات في مصر لها ما بعدها، أولا زيادة معدلات حملات الاعتقال المسعورة بحق المعارضين للانقلاب،  وكذلك غير المسيسيين.

ثانيا، زيادة معدلات  تأميم الفضاء الإعلامي وحجب المواقع الإخبارية التي لا تتوافق سياستها التحريرية مع رغبات عصابة العسكر وأجهزتهم الأمنية عبر إجراءات وتشريعات تصادر الحق في التعبيير.

ثالثا، كما تزايدت كذلك معدلات أحكام الإعدام المسيسة والاغتيال  خارج القانون وسجل شهر يوليو2017  وحده، 61 حالة قتل خارج القانون، أي أكثر من ضعف العدد الإجمالي الذي تم رصده خلال الأشهر الستة الأولى من السنة ذاتها، وذلك وفقا للجنة المصرية للحقوق والحريات.

وبعكس أوباما الذي دأب على انتقاد أوضاع حقوق الإنسان، في مصر فإن ترامب احتضن السفاح السيسي، ودعاه إلى البيت الأبيض، وهو أمر لم يفعله أوباما أبدا.

واعتُبرت رحلة ترامب الى السعودية تشجيعا للطغاة العرب وأوصلت لهم رسالة مفادها أن أي انتهاكات يقومون بها ضد شعوبهم ستكون مقبولة لدى إدارة ترامب وبذلك مُنح السفاح السيسي الضوء الأخضر الأمريكي حتى يفعل بالمصريين ما يشاء.

وبناء على هذه التفاهمات التي تستهدف بالأساس ضمان بقاء واستمرار نظام الجنرال السيسي للقيام بالمهام الوظيفية المحددة له محليا وإقليميا ودوليا كوكيل لقوى دولية وإقليمية نافذة ؛ فقد ارتفعت وتيرة القتل خارج القانون في مصر على يد قوات الأمن التابعة لجنرال الانقلاب السفاح السيسي، بأكثر من 27% مقارنة بالعام 2017، وفق إحصاءات بيانات وزارة الداخلية عن أعداد القتلى في عام 2018 تحت مزاعم "تصفية إرهابيين".

وبلغت حصيلة القتل خارج القانون في عام 2018 نحو 225 قتيلا مقارنة بنحو 177 قتيلا في عام 2017، توزعوا على محافظة شمال سيناء والقاهرة والجيزة والصعيد والدلتا، وما خفي في عام 219/ 2020 ربما أعظم من ذلك.

وطن ضايع

تؤكد  جريمة الاغتيال خارج القانون التي انطلقت شرارتها من مجزرة رابعة من جانب أجهزة السفاح السيسي أن مصر باتت أبعد ما تكون عن دولة القانون فالعصابة الحاكمة باتت هي الخصم والحكم، وباتت هي من تصدر الأحكام بعيدا عن بيروقراطية القضاء ونفسه الطويل فلماذا يتم القبض على متهمين وتقديمهم لمحاكمات دون أدلة أو بأدلة ملفقة إذا كانت الداخلية قادرة على قتله برصاصه وتبرير جريمتها باعتباره إرهابيا قتل في تبادل لإطلاق النار؟!. 

كما تؤكد أن القوة الغاشمة لا تحقق سوى مزيد من الدماء وأكبر دليل على ذلك هو "العملية الشاملة" التي كان مقررا أن تقضي على ما يسمى بالإرهاب المزعوم في 3 شهور فقط لكنها دخلت عامها الثاني و لا يزال الضحايا من المدنيين يتساقطون في سيناء.

وأصبحت مصر عبر هذه السياسة الموجهة المقصودة والمخطط لها أمام صناعة حكومية للإرهاب الذي ستنتشر نيرانه لتحرق الجميع، كما أن السفاح السيسي نفسه هو من بث الروح في أفكار التنظيمات المسلحة بانقلابه على الديقمراطية وسد أي نوافذ سلمية للتداول السلمي للسلطة، فقد فاز الإخوان بثقة الشعب فماذا جرى بعد ذلك؟

تم الانقلاب على كل المؤسسات المنتخبة وقتل واعتقال عشرات الآلاف من أنصار الحزب الحاكم وهي رسالة مفادها أن الحكم في مصر يقوم على  صناديق السلاح لا صناديق الانتخابات وأن المجتمع الدولي سواء الخليجي او الأمريكي او الأوربي يؤيد ذلك!