بعد حربه على “الأزهر”.. لهذا يريد السيسي تعيين مفتى الجمهورية؟

- ‎فيتقارير

بعد تراجُع مجلس نواب الدم عن إقرار مشروع قانون تنظيم دار الإفتاء وإعادته إلى اللجنة الدينية لاستطلاع رأى الأزهر الذى كان قد اعترض على المشروع، وأكد أنه يمس استقلالية الأزهر، بجانب مخالفته للدستور، يثور التساؤل لماذا يريد عبد الفتاح السيسي قائد الانقلاب الدموى أن يكون تعيين مفتى الجمهورية من اختصاصه؟ ولماذا يعمل على تهميش وتقليص صلاحيات الأزهر وسحب البساط من تحت أقدامه؟

فهل يريد السيسي إنشاء حائط صد –من دار الإفتاء ووزارة الأوقاف ووزيرها الأمنجى محمد مختار جمعة- لمواجهة اعتراضات الأزهر على قراراته الرامية إلى هدم الأزهر وإلغاء التعليم الدينى وإصدار فتاوى تخالف شرع الله وكتابه وسنة نبيه مثل محاولته إلغاء الطلاق الشفوى الذى اعترض عليه الأزهر بشدة، وهل إعادة مشروع القانون إلى اللجنة الدينية يعنى تراجع السيسي عنه أم أن القانون المشبوه ستكون له جولات جديدة من أجل ترسيخ حكم العسكر؟.

مشروع العبد
يشار إلى أن مشروع قانون كان قد تقدم به أسامة العبد رئيس اللجنة الدينية ببرلمان العسكر ورئيس جامعة الأزهر الأسبق، وأثار حالة من الجدل خلال الفترة الماضية، حيث أعلن الأزهر اعتراضه عليه لمخالفتة نصوص الدستور ، ولمساسه باستقلال الأزهر، وجعل رسالته مَشَاعًا لجهات أخرى لا تتبعه.
كان مجلس نواب الدم رغم اعتراض الأزهر وهيئة كبار العلماء قد وافق على المادة الثالثة من مشروع قانون تنظيم دار الإفتاء، المتعلقة بآلية تعيين المفتي وكيفية التجديد له بعد بلوغه سن المعاش، وذلك خلال الجلسة العامة، والتى خصصت لمناقشة مشروع قانون تنظيم دار الإفتاء، بحضور مفتي العسكر شوقي علام، والدكتور محمد الضويني ممثل الأزهر الشريف.
لكن مع تصاعد ضغوط الأزهر تضطر مجلس نواب الدم للتجاوب بشكل جزئي مع اعتراض الأزهر، حيث نقل تبعية دار الإفتاء من وزارة العدل إلى رئاسة الوزراء، لكنه في الوقت نفسه مرر العديد من المواد التي اعترض عليها الأزهر، خاصة المتعلقة بآلية تعيين المفتي وكيفية التجديد له بعد بلوغه سن المعاش، ثم جاء مجلس الدولة وأعاد الأمور إلى المربع صفر، بتحفظه على مشروع القانون لمخالفته للدستور، واصطدامه صراحة بنص المادة (7) من الدستور والقانون 103 لعام 1961 بشأن إعادة تنظيم الأزهر وهيئاته.

ترشيح المفتى
أما عن طريقة تعيين مفتى الجمهورية التى يتمسك بها الأزهر الشريف وأيده فى ذلك قسم الفتوى والتشريع بمجلس الدولة فتتضمن وفقًا للائحة الداخلية لهيئة كبار العلماء، دعوة شيخ الأزهر الهيئة إلى الانعقاد قبل موعد انتهاء مدة مفتى الجمهورية بشهر على الأقل، للنظر فى ترشيح المفتى الجديد، وتُرشّح الهيئة ثلاثة من العلماء من بين أعضائها أو من غيرهم ممن تنطبق عليهم شروط ومعايير صلاحية شغل منصب المفتى، التى تقررها الهيئة، ثم تختار الهيئة عبر الاقتراع السرى المباشر على المرشحين الثلاثة فى جلسة يحضرها ثلثا عدد الأعضاء، ويعتبر من يحصل على أعلى الأصوات هو مرشح هيئة كبار العلماء لمنصب الإفتاء بشرط حصوله على الأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين، ويعرض شيخ الأزهر الترشيح على رئيس الجمهورية لإعمال اختصاصه فى إصدار قرار تعيين مفتى الجمهورية.
وتقدر مدة شغل منصب "المفتي" بأربع سنوات قابلة للتجديد، بناءً على عرض الإمام الأكبر، بعد أخذ رأى هيئة كبار العلماء، وفى جميع الأحوال تنتهى مدة المفتى عند بلوغه السن القانونية المقرّرة لترك الخدمة.

ورغم النص على اختيار مفتى الجمهورية من بين أعضاء هيئة كبار العلماء، إلا أن الهيئة تستعين بشخصيات من خارجها لتولى منصب المفتى، وذلك لأن جميع الأعضاء الحالين تتجاوز أعمارهم السن القانونية.
فى المقابل تنص المادة الثالثة من مشروع قانون افتاء السيسي على أن "المفتي هو الرئيس الأعلى لدار الإفتاء، يُعين بقرار من رئيس الجمهورية من بين ثلاثة ترشحهم هيئة كبار العلماء خلال مدة شهرين قبل خلو منصب المفتي
ويبقى في منصبه حتى بلوغه السن القانونية المقررة للتقاعد، ويجوز التجديد له بعد بلوغ هذه السن بقرار من رئيس الجمهورية، ويعامل بذات المعاملة المالية المقررة للوزراء من جميع الوجوه" ويمثل المفتي أمام القضاء وفي صلاتها بالغير، ويحافظ على نظامها.

الأزهر الشريف
من جانبه أكد الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر أن الدستور جعل الأزهر -دون غيره- المرجع الأساس في العلوم الدينية والشئون الإسلامية، والمسؤول عن الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية في مصر والعالم، موضحًا أنه من المسلَّم به أنَّ الفتوى الشرعية من الشؤون الإسلامية وعلوم الدين التي يرجع الأمر فيها لرقابة الأزهر الشريف ومراجعته.
وقال شيخ الأزهر فى تصريحات صحفية إنه سجل اعتراضه على مشروع قانون تنظيم دار الإفتاء من خلال المكاتبات، التى تؤكد تحفظ الأزهر الشريف على مشروع القانون ، فيما تضمَّنه من تعارضٍ مع نص المادة السابعة من الدستور ومع قانون الأزهر القائم، ومع اختصاصاته الثابتة عبر مئات السنين من خلال القوانين المتعاقبة، مشيرا إلى أنه قدم شرحا لمبررات هذا التحفظ .

وأشار إلى تقرير قسم التشريع بمجلس الدولة، باعتباره الجهة المختصَّة بمراجعة مشروعات القوانين، والذي انتهى فيه -بعد دراسة موضوعية لمشروع القانون المحال من مجلس نواب الدم- إلى مخالفته الصريحة لنصوص الدستور، وتعارضه مع الاختصاصات الدستورية والقانونية للأزهر الشريف، وجاءت أسباب هذا الرأي متفقةً مع رأي فقهاء القانون الدستوري وأساتذته، ومع الدراسة التي أجراها الأزهر لمشروع القانون.

هيئة كبار العلماء
وأكدت هيئة كبار العلماء أن مشروع القانون تضمَّن عُدوانًا على اختصاص هيئة كبار العلماء بالأزهر واستقلالها، وهي التي تختص وحدها بترشيح مفتي الجمهورية، موضحة أن المشروع أُلغى لائحة هيئة كبار العلماء التي تكفَّلت بإجراءات ترشيح ثلاثة بواسطة أعضاء الهيئة، والاقتراع وانتخاب أحدهم لشغل المنصب، وجاء المشروع مستحدثًا موادّ ليبقى المفتي في منصبه حتى بلوغه السن القانونية المقررة للتقاعد، دون اعتداد بالمدة المحددة في لائحة هيئة كبار العلماء والتي عين المفتي الحالي وجدد له على أساسها، وأيضًا تجيز التجديد له بعد بلوغ هذه السن، دون تحديد مدة لذلك، ودون العرض على هيئة كبار العلماء.
وأوضحت الهيئة فى بيان لها أن الأزهر ليس أشخاصًا، وإنما رسالة عامة وشاملة حدَّدها الدستور في باب مقومات الدولة بصورة واضحة لا لبس فيها، مشددة على أن أية هيئة دينية إسلامية يتم إنشاؤها، وتعمل على تحقيق رسالته، تُعَدُّ بالضرورة جزءً لا يتجزأ من رسالة الأزهر، ويراجع الأزهر الشريف أعمالها، ويشرف عليها، والقول بغير ذلك يُشكل مخالفة صريحة لنص الدستور .

مجلس الدولة
فى سياق متصل أعلن مجلس الدولة تحفظه على مراجعة مشروع القانون المحال إليه من مجلس نواب الدم بتاريخ 29 / 7 / 2020، مؤكداً أنه بعد عرض المشروع على قسم التشريع بجلساته المتعاقبة حتى 15 / 8 / 2020 تبين له مخالفة مشروع القانون المذكور للدستور ، وأنه يصطدم صراحة بنص المادة (7) من الدستور والقانون 103 لعام 1961 بشأن إعادة تنظيم الأزهر وهيئاته.
وأكد قسم التشريع بمجلس الدولة، في تقريره، أن الدستور نص على أن الأزهر هو "المرجع الأساسي" الأمر الذي يجعل الأزهر هو المنتهي الذي يجب أن تُرد إليه كل فتاوى دار الإفتاء بحسبانها مظهرا تطبيقيا للعلوم الدينية والشئون الإسلامية، كما أنها أداة من أدوات نشر علوم الدين في مصر والعالم، وهذا هو شأن الأزهر الشريف، وإلا فإنها ستقوم على غير أساس مفتقدة مرجعها الأساسي وهو الأزهر الشريف.
وشدد التقرير على أنه ليس من المستساغ دستوريا وقانونياً أن يأتي المشرع العادي بأداة أدنى من الدستور لينال من الاختصاص الذي حدده الدستور للأزهر الشريف ويعهد به إلى جهة وهيئة أخرى.