“المونيتور”: انتقادات حقوقية بسبب انتهاكات الانقلاب بحق الصحفيين والإعلاميين

- ‎فيأخبار

نشرت صحيفة "المونيتور" تقريرا سلطت خلاله الضوء على الانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيون في مصر على يد نظام الانقلاب العسكري والتي كان آخرها اعتقال الصحفية سمة مصطفى أثناء تغطيتها الاحتجاجات المناهضة للانقلاب في محافظة الأقصر.

وحسب التقرير الذي ترجمته "الحرية والعدالة"، عندما اندلعت احتجاجات متفرقة تطالب باستقالة عبد الفتاح السيسي في عدة بلدات وقرى مصرية في 20 سبتمبر واستمرت لعدة أيام، قللت وسائل الإعلام المصرية الموالية للانقلاب إلى حد كبير من شأن الاضطرابات، واصفة إياها بأنها مؤامرة "الإخوان المسلمين" لإثارة الفوضى وزرع الفرقة في البلاد.

وانتقد مقدم البرامج الحوارية التلفزيونية عمرو أديب شبكة الجزيرة الإخبارية وغيرها من القنوات الرافضة لحكم العسكر في حلقة من برنامجه "الحكاية" الذي تبثه قناة إم بي سي مصر المملوكة للسعودية، بزعم تداولها فيديو "ملفق" لاحتجاج مناهض للحكومة في حي نزلة السمان الفقيرة في الجيزة.
وقال أديب إن الفيديو المذكور تم إنتاجه من قبل الشركة المحلية للإنتاج المتحد في استوديوهاتها في القاهرة وتم تحميله على موقع يوتيوب لإثبات أن تلك القنوات تبث مقاطع فيديو دون التحقق من صحتها، ودعا الجزيرة إلى الاعتذار عن الخطأ الذي ارتكبته.

من جهة أخرى، أفادت منظمة العفو الدولية أن قوات الأمن استخدمت "القوة غير المشروعة" لتفريق المظاهرات المناهضة للحكومة، التي نُظمت أغلبيتها في مجتمعات محلية منخفضة الدخل للتعبير عن المظالم الاقتصادية والاحتجاج على سياسة حكومة الانقلاب المتمثلة في هدم المباني غير المسجلة.
ونقلت المنظمة عن ائتلاف من المحامين المصريين قوله إن شرطة مكافحة الشغب "استخدمت الغاز المسيل للدموع والهراوات وطلقات الخرطوش وفي مناسبة واحدة على الأقل الذخيرة الحية" لتفريق التظاهرات التي اندلعت في ذكرى احتجاجات العام الماضي ضد الفساد الحكومي.

وقالت منظمة العفو الدولية أيضًا إن "قوات الأمن قتلت رجلين بينما تم اعتقال مئات المتظاهرين والمارة بتهم تتعلق بالإرهاب والاحتجاجات".
وليس من المستغرب أن تكون الاحتجاجات التي خرجت في بلد استخدمت فيه السياسات القمعية لإسكات المعارضة وتشتهر فيه الشرطة بوحشيتها وقعها، قد فشلت في تصدر عناوين الصحف المصرية.

ولم يتم الإبلاغ عن الاحتجاجات إلى حد كبير، باستثناء عدد قليل من المقالات التي نشرتها المواقع الإخبارية المصرية المستقلة القليلة المتبقية مثل مدى مصر ولا يمكن لغالبية المواطنين الوصول إلى هذه المنافذ لأنها من بين مئات المواقع الإخبارية التي حجبتها الحكومة منذ أواخر عام 2016.
كان من الممكن أن يظل الجمهور المصري دون علم بالمظاهرات المناهضة للحكومة لولا مقاطع الفيديو التي سجلها ورفعها نشطاء من مواقع احتجاج مختلفة وجرى نشرها على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي.

لقد دفعت إحدى الصحفيات الشجعان ثمنًا باهظًا لتحديها الجريء للرقابة السرية التي غالبًا ما تكون سرية من قبل الحكومة.
بسمة مصطفى، صحفية مستقلة سافرت إلى مدينة الأقصر الجنوبية في 4 أكتوبر لتقديم تقرير إلى صحيفة المنصة المستقلة عن آثار الاضطرابات الأخيرة، وقد أُمرت النيابة باحتجازها لمدة 15 يومًا على ذمة التحقيق، وقد ألقي القبض عليها بعد وقت قصير من وصولها إلى الأقصر بسبب تقاريرها عن مقتل عويس الراوي المقيم في الأقصر خلال مداهمة الشرطة لمنزله.
واتهمتها نيابة أمن الدولة التي أمرت بحبسها بنشر أخبار مزيفة والانتماء إلى جماعة إرهابية وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بقصد الإخلال بالنظام العام، وتتعلق التهمة الثانية على ما يبدو بجماعة الإخوان المسلمين.

ووفقًا لروايات إعلامية غير مؤكدة، قيل إن الراوي قد قُتل برصاص قوات الأمن بعد أن حاول الدفاع عن والده المسن الذي اعتدت عليه الشرطة، وأثارت وفاة الراوي غضبًا على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث رسم بعض النشطاء أوجه تشابه بينه وبين محمد البوعزيزي، البائع المتجول الذي أشعلت وفاته انتفاضة 2010 في تونس.

كما زُعم أن قوات الأمن قامت أيضًا أطلقت الغاز المسيل للدموع في موكب جنازة الراوي، مما زاد من حدة الغضب في العوامية، وهي قرية تقع في ضواحي مدينة الأقصر حيث وقع الحادث، وذكرت صحيفة المنصة أن الصحفية اختفت قسرًا بعد وصولها إلى الأقصر في 4 أكتوبر.
وفي محادثة هاتفية مع موقع المنصة في الساعة 11:15 من ذلك اليوم، قالت مصطفى إن ضابط شرطة أوقفها وطلب منها رؤية بطاقة هويتها الوطنية، وقالت إنها تشتبه في أن الشرطة تراقبها، وكانت المكالمة الهاتفية هي آخر اتصال مع مصطفى قبل أن تفقد لعدة ساعات.

وأثارت أنباء اختفائها غضب النشطاء والمدافعين عن حرية التعبير على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث اتهم البعض السلطات باستخدام مثل هذه الأساليب لإسكات المعارضة، ولم تظهر بسمة مصطفى من جديد إلا في مكتب المدعي العام في القاهرة بعد ظهر اليوم التالي.

وقال زوجها كريم عبد الراضي، وهو محام في مجال حقوق الإنسان كان يدافع عن صحفيين محتجزين آخرين، لـ"المونيتور" إن المحامين بمن فيهم هو نفسه مُنعوا في البداية من دخول مكتب المدعي العام، لكن هو ومحامية بسمة مصطفى، هالة دومة، سُمح لهما في وقت لاحق بحضور الاستجواب، الذي استمر لأكثر من خمس ساعات.

وقال عبد الراضي إنه تم استجواب بسمة حول مقالات كتبتها، بما في ذلك مقال عن الاغتصاب الجماعي المزعوم لامرأة معروفة في وسائل الإعلام باسم فتاة فيرمونت من قبل جناة من عائلات ثرية ومؤثرة، وأخرى عن مقتل إسلام الإسترالي، وهو شاب قيل أنه تعرض للتعذيب حتى الموت في مركز شرطة المنيب في سبتمبر.

وقال لـ"المونيتور": "من الواضح أنّ زوجتي كانت مستهدفة بسبب عملها الذي يثير غضب السلطات". وقال في إشارة إلى طالب الدراسات العليا في جامعة كامبريدج الذي كان يبحث في النقابات المستقلة، وهو موضوع حساس للسلطات، في مصر قبل العثور على جثته في حفرة في أوائل يناير 2016، وكانت تحمل علامات تعذيب: "لقد طرح المدعون العامون كل قصة كتبتها بسمة، بما في ذلك قصة تعود إلى عام 2016 عن مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني".

وفي تحول مفاجئ، أعلنت النيابة العامة في الساعات الأولى من يوم 6 أكتوبر أنه سيتم الإفراج عن مصطفى. وقالت في بيان لها، إن النيابة العامة أمرت بالإفراج عن المتهمة بسمة مصطفى، عقب التحقيق في التهم الموجهة إليها، ومنها إساءة استخدام أحد حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي لنشر ونشر أخبار كاذبة بهدف إثارة عدم الاستقرار.

وقد نفت المشتبه فيها هذه الاتهامات، مؤكدة أنها تكتب تقارير وتحقيقات لمختلف المواقع الإخبارية، مع التركيز بشكل رئيسي على القضايا الاجتماعية والموضوعية التي تهم الجمهور مثل الوضع في البلاد في أعقاب تفشي وباء "كوفيد-19"، وحاولت النيابة العامة الدخول إلى حساب التواصل الاجتماعي المذكور، لكنها وجدت أنه تم تعطيله لأسباب مجهولة، وستستمر التحقيقات".

ويعتقد عبد الراضي أن الضغوط الهائلة التي تراكمت على السلطات من قبل جماعات حقوق الإنسان والمدافعين عن حرية التعبير دفعت إلى إطلاق سراحها.

وأثار اعتقال بسمة مصطفى وإطلاق سراحها المفاجئ تساؤلات في مصر، حيث سأل بعض المدافعين عن حقوق الإنسان مثل جمال عيد، وهو محام حقوقي ومؤسس الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان ومقرها القاهرة، على فيسبوك عن سبب مواجهة صحفي لاتهامات بنشر أخبار كاذبة بسبب مقال لم ينشر بعد.

وقال عيد لـ"المونيتور": "تستخدم السلطات النيابة العامة والقضاة لإرهاب الصحفيين وإرسال رسالة تقشعر لها الأبدان لترهيب الصحافة وإسكاتها". "بسمة لم ترتكب جريمة، كانت تحاول فقط القيام بعملها كصحفية، وحقيقة أنها اعتقلت لا يمكن إلا أن تعني أنه لم يعد هناك مجال للأصوات المستقلة، ولا يسمح إلا للمؤيدات للحكومة بالتعبير عن أرائهن في وسائل الإعلام الموالية".

ووفقًا لكل من عيد وعبد الراضي، تم اعتقال ما لا يقل عن خمسة صحفيين منذ اندلاع الاحتجاجات في سبتمبر، وتم احتجاز المئات تعسفًا، وتشير الاعتقالات إلى تكثيف حملة القمع ضد المعارضة منذ الانقلاب على الرئيس الشهيد محمد مرسي، وفي أعقاب قرار اتخذه المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر في يونيو بتقييد تغطية القضايا السياسية والاقتصادية والصحية الحساسة، بما في ذلك الوضع في ليبيا والعمليات العسكرية في سيناء وسد النهضة في إثيوبيا.

وبموجب القواعد، لا يمكن للصحفيين إلا أن يقتبسوا من مسئولين حكوميين أو يستخدموا البيانات الحكومية عند الإبلاغ عن تلك القضايا، وتواصل مصر تصنيفها بين أكبر سجّاني الصحفيين في العالم، وفقا لتقرير صادر عن لجنة حماية الصحفيين في عام 2019، حيث يُعتقد أن ما لا يقل عن 60 صحفيا يقبعون خلف القضبان.

خالد البلشي مؤسس ورئيس تحرير موقع "درب"، الإخباري المستقل، وهو رئيس سابق للجنة حرية الصحافة في نقابة الصحفيين، قال لـ"المونيتور": "المساحة الصغيرة التي كانت متاحة لحرية التعبير تتقلص أكثر، حتى الصحفيين من مواقع الأخبار مثل المنصة ودرب، التي يتم حظرها والتي لا يمكن الوصول إليها من قبل غالبية القراء المصريين، يتم القبض عليهم.

وفي 9 سبتمبر، قُبض على الصحفي في "درب" إسلام الكلّحي أثناء تغطيته لمقتل إسلام الأسترالي، الذي قُتل أثناء احتجازه لدى الشرطة. ولا يزال الكلحي خلف القضبان حتى يومنا هذا".
وعلى غرار مصطفى، وُجهت إلى الكلحي تهمة نشر أخبار كاذبة على الرغم من أن مقاله لم ينشر أبدًا وظل محتجزًا قبل المحاكمة حيث جدد المدعون العامون مرتين أمر احتجازه.
وقال البلشي إن "الاعتقالات تبعث برسالة عدم التسامح مطلقًا ليس فقط مع المعارضة ولكن لأي نوع من الصحافة الأخلاقية في مصر اليوم".

 

https://www.al-monitor.com/pulse/originals/2020/10/egypt-basma-journalist-humanrights-protests-sisi.html