انقلاب تصحيحي مدعوم شعبيًا.. 3 سيناريوهات لإعادة ترتيب محتمل داخل النظام العسكري

- ‎فيتقارير

حددت دراسة علمية نشرها "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات " 3 سيناريوهات لإعادة ترتيب محتمل داخل النظام في مصر كان أبرزها: "انقلاب تصحيحي مدعوم شعبيًا"، ورأت أنه يمكنه حلّ الاستعصاء السياسي الحالي بطريقة قد تكون أقل تكلفة.
وأضافت أن مجرد تغيير الزعامة سيفضي إلى تهدئته بدرجة ملموسة، من دون تغييرات كبيرة في النظام.

وأوضحت الدراسة التي جاءت بعنوان "مصر: الآثار الاستراتيجية للقمع السياسي الممتد" أن أقل تغيير للوجوه – وفي الحقيقة وجه واحد – يزيد احتمالات المصالحة مع الأطراف المعارضة، وتخفيف حدة الاحتقان المغذي للتطرف، ومعالجة الجراح السياسية عبر تحميل مرتكبيها المباشرين المسئولية، وتخفيف قيود عديدة غير استراتيجية مفروضة على الحريات المدنية عبر مراجعة ثقافة القمع.

هيمنة قصيرة
وأشار الباحث هشام شفيق إلى الدراسات التي قالت إن قادة الانقلاب الذين يخفقون في صياغة سريعة للهيمنة الاجتماعية عقب الانقلاب عرضة لإطاحتهم في انقلاب آخر، وعادةً من قِبَل شركائهم.
ولفت إلى أمثلة كثيرة، منها تيتو أوكيلو في أوغندا، ومحمد بخاري في نيجيريا، وفالنتين شتراسر في سيراليون، وصلاح جديد في سورية، وعبد الكريم قاسم في العراق، ومحمد نجيب في مصر، وغيرهم. وفي غياب حزب حاكم (مثل الحزب الوطني الديمقراطي "حزب مبارك")، أو وجود قاعدة اجتماعية (مثل الطبقة العاملة تحت زعامة ناصر)، أو أي شكل من أشكال الدعم المدني يوازن بين السلطة والمؤسسة العسكرية، فإن السيسي ضعيف مثل كل الزعماء المذكورين آنفًا.

استراتيجية السيسي المضادة
ولكونه احتمالا متوقعا، قال الباحث في علم الاجتماع السياسي والمحاضر بكلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة كوين ماري في لندن: إن السيسي يعتمد على استراتيجيتين رئيستين لدرء الانقلاب: الاستمالة المالية للجيش، والتغيير المستمر في قياداته. وقد يأتي الأخير بنتائج عكسية، لأنه إشارة إلى القادة الحاليين بأن مواقعهم غير ثابتة، ويضخّم مخاوفهم المحتملة من عدم استقرار النظام برمّته، نظرًا إلى الوضع الأمني المريع والانخفاض المستمر لشعبية السيسي.
ورجح "شفيق" أن تشجع أي انتفاضة اجتماعية في المستقبل إعادة النظر في مواقع الجيش الحالية، لأنها ستظهر ضعف شعبية النظام أكثر ومن ثم استقراره، وتوفر لقادة الجيش ذريعة للتدخل لتأمين مواقعهم من ناحية، وحل التوترات السياسية غير الضرورية بسلاسة من ناحية أخرى. لكن الأمر الأهم، هو أن إدراك الناس لهذا الاحتمال يرجح تشجيع التعبئة حوله، لأنه يقدم فرصة سياسية للمعارضة للاصطفاف مرة أخرى مع قيادة الجيش، أو على الأقل تحييد عنفها.

وكشف أن التحدي الرئيس أمام الانقلاب يتمثل في الاقتصاد، فهو إشارة إلى عدم استقرار سياسي من جهة ومزيد من تدخل الجيش من جهة أخرى، لهذا يؤثر الانقلاب تأثيرًا ضارًا بثقة المستثمرين بالاقتصاد المصري. وقد يؤدي ذلك أيضًا إلى إحداث توترات سياسية مع كبار الداعمين الماليين لنظام السيسي، السعودية والإمارات العربية المتحدة، بيد أن هذا الاحتمال الأخير أقل ترجيحًا إذا لم تحدث تغييرات كبرى على النظام تتعدى قيادته.

انتقال في المستقبل
وأضافت الدراسة إلى الاحتمال السابق، احتمال انتقال على المدى الطويل "مطول"، وسببه سيطرة السيسي على مسار الأوضاع عبر مزيج من القمع وتوزيع الريع (على مؤسسات القمع أساسًا)، مع وعد بالاستقرار السياسي يماطل به إلى ما لا نهاية. ومن المرجح أن يبقى الوضع كذلك، بسبب أساسي هو أن السيسي يبدو الأقوى في ظرف "الانتقال" المحدد هذا.
وأوضح أن السيسي وصل إلى السلطة بصفته "دخيلًا" على السياسة، وعسكريًا نظاميًا يمثل افتقاره إلى الأجندة السياسية سببًا رئيسًا لتقرير ملاءمته لقيادة الانتقال للخروج من حالة التقلب السياسي المسببة للنزاعات.
وأفاد أن مهمة الانتقال هذه هي التي تجعل سماته ومؤهلاته مرغوبة، وأن استكمالها قد يقلل مكامن القوة المستثمرة فيه من قبل الأطراف التي يعرض لها نفسه بصفته "عامل استقرار"، وهي الدولة العسكرية الأمنية، وحلفاؤه الدوليون (السعودية والإمارات العربية المتحدة أساسًا)، والجمهور المحافظ الذي يخشى موجة أخرى من الاضطرابات الناجمة عن عدم الاستقرار وانعدام الأمن في المرحلة الانتقالية.

نظام هجين
وعن السيناريو الثالث برأيه كان الخيار البديل، للخروج من الأزمة السياسية عبر إشراك نخبة سياسية مؤلفة من رجال أعمال وتكنوقراط وسياسيين موالين بمن فيهم إسلاميون – سلفيون محافظون. يؤمّن هذا الإشراك، الذي يُرجح أن يحدث عبر انتخابات برلمانية تنافسية، مجموعةً متنوعة من الخدمات الأساسية لنظام السيسي، تشمل الموازنة بين السلطة والمؤسسة العسكرية، وزيادة الثقة بالاستثمار، وتخفيف حدة الاستقطاب الاجتماعي، وتلطيف ثقافة العسكرة المحرجة، وتقديم صورة أفضل عن الحكم للأطراف العالمية ذات الصلة.

وأوضح أن هذا الاحتمال يواجه تحديًا بسبب عدم ثقة الجمهور بالنظام الحالي وبأي عمليات انتخابية يجريها، فضلًا عن تمسك العسكر بنفوذهم السياسي.
وأضاف أن هذه العوامل لا تعيق احتمالات التهجين كليًا، لكنها تحرفها فحسب نحو نموذج يكون فيه للمكون العسكري نفوذ كبير على المدنيين، يمكن مقارنته مثلًا بمرحلة بعد انقلاب عام 1999 في باكستان، حيث يتحكم الجيش في معظم القرارات الاستراتيجية مع إشراك المدنيين المنتخبين في الحكم في الشئون اليومية.

جميعًا أو أشتاتًا
وخلص الباحث في دراسته إلى أن السيناريوهات المذكورة سابقًا لا يستبعد أحدها الآخر، بل من الممكن أن تحدث على نحو متزامن، أو بالتتابع.
وقال وهو المتخصص في تحليل الارتباط بين علم المعرفة الاجتماعية والعنف السياسي: يتطلب استنتاج المسار الأكثر ترجيحًا إجراء مزيد من الأبحاث في مجال خاضع لرقابة شديدة يخص وجهات نظر ضباط الجيش في الحكم المدني والوضع الأمني والأزمة السياسية.
وأنه يتطلب أيضًا إجراء مزيد من التحليل للسياسات الخارجية للأطراف الدولية الأساسية المعنية بالوضع السياسي والأمني في مصر، وخصوصًا الكيان الصهيوني والسعودية والإمارات.

جدير بالذكر أن الباحث حصل على الدكتوراه من جامعة كوين ماري في لندن، وهو الآن يكتب كتابًا بعنوان عنف البراءة: تجاهل مذبحة رابعة.