بعد مقتل قائد كتيبة.. لماذا يستهدف “ولاية سيناء” وحدات الدفاع الجوي؟

- ‎فيتقارير

استهدف مسلحو تنظيم “ولاية سيناء” مؤخرا عدة نقاط تابعة لوحدات الدفاع الجوي بالجيش في نطاق مدينتي العريش وبئر العبد في محافظة شمال سيناء، وشن التنظيم عدة هجمات مسلحة أسفرت عن وقوع ضحايا عسكريين وإصابة آخرين، بينهم ضابط برتبة رائد.
وبتاريخ 8 ديسمبر 2020م، قتل مجند على الأقل، وأصيب آخرون بجروح خطيرة، في هجوم مسلح استهدف نقطة مراقبة تابعة للدفاع الجوي في القوات المسلحة، قرب قرية الروضة، غرب مدينة بئر العبد. وفي 11 ديسمبر الحالي، قتل الرائد محمود رضا فخر، من الدفعة 39 دفاع جوي، وهو قائد كتيبة الدفاع الجوي التي ترابط في مطار العريش العسكري، برصاص قناص. ورد الجيش على هذه الهجمات ـ خلال اليومين الماضيين ـ بشن عشرات الغارات الجوية وقصف عنيف بالمدفعية على عدة مناطق برفح والشيخ زويد وبئر العبد وأطراف العريش.
لماذا الآن؟

وتذهب تفسيرات إلى أن التنظيم لجأ إلى استهداف بعض تمركزات الدفاع الجوي بعد أن فقد سيطرته على عدد من القرى التي استردها الجيش مؤخرا مثل قاطية واقطية والمريح والجناين ورابعة وقصرويت وأرض الخير، والعمل على استعادة قريتي الهميصة وتفاحة. وبحسب هذه التفسيرات فإن التنظيم في ظل فشله بالتصدي للحملات العسكرية المستمرة، أدى إلى انتقائه نقاطاً عسكرية تابعة لقوات الدفاع الجوي، وتعمد استهدافها، بشكل متتالٍ، على مدار الأيام الماضية، حيث سُجلت ثلاثة استهدافات، اثنان منها أديا إلى خسائر بشرية، والثالث تم إفشاله من قبل القوة العسكرية التي تعرضت للهجوم. لكن الحقيقة أن التنظيم المسلح الذي يصنفه نظام الطاغية عبدالفتاح السيسي كتنظيم إرهابي، لا تقوم إستراتيجيته القتالية على الاحتفاظ بالأرض التي يسيطر عليها، ولا التصدي للحملات التي يرسلها الجيش والشرطة؛ بل يقوم على الكر والفر، وعدم التمركز؛ لأن التمسك بالسيطرة على الأرض ومواجهة الحملات بشكل مباشر من شأنه أن يفضي إلى هزيمته واستهداف عناصره بسهولة، لكن التخفي وشن الهجمات المفاجئة هو سبب قوته وصموده أمام الجيش والشرطة والمخابرات منذ تأسيسه سنة 2014م. فالنظام يعتمد بشكل أساسي على شن الهجمات المفاجئة ثم الاختفاء؛ حتى إذا وصلت حملات الجيش والشرطة لم تجد أحدا تحاربه وهي أسلوب حرب العصابات الذي جعل الجيش المصري المصنف التاسع عالميا عاجز عن حسم هذه الحرب المستعرة منذ سنوات.
وكان رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي قد حذَّر عندما كان وزيرا للدفاع في عهد الرئيس الشهيد محمد مرسي، من انفصال سيناء عن مصر كما حدث مع جنوب السودان، حال شن حملات عسكرية عليها، قائلا” ممكن أواجه أي نار بمائة نار لكن ممكن يؤدي ذلك إلى مقتل ثلاثة فيولد ثأرا مع الأهالي”. والأرقام تؤكد أن السيسي هو المجرم الأول؛ فقد وثقت المنظمة العربية لحقوق الإنسان خلال الفترة بين يوليو2013 ويوليو 2018، مقتل (4010) مدنين بسيناء منهم 3709 قال عنهم الجيش إنهم قُتلوا نتيجة مواجهات أمنية، والبقية قتلوا بصورة عشوائية، ودون فتح تحقيق في أي واقعة. وفي أبريل 2019، أظهر تحليل أجرته وكالة رويترز لبيانات الداخلية المصرية على مواقع التواصل أو التي نشرتها وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية في الفترة من أول يوليو 2015 حتى نهاية 2018، أنه لم يبق على قيد الحياة سوى ستة فقط من (المشتبه بهم) من بين 471 رجلا في 108 وقائع، أي أن نسبة القتلى بلغت 98.7%،(بدون محاكمات رغم أنهم فقط مشتبه بهم وليسوا متهمين فعليا ولا توجد أدلة على تورطهم)، بخلاف اعتقال أكثر من 7 آلاف آخرين؛ فكيف يستمر الصراع المسلح حتى اليوم؟ وكيف يفشل الجيش والشرطة رغم هذه الأرقام؟ أم أن سياسات السيسي وإجرام مليشياته حول قطاعا عريضا من أهالي سيناء إلى عدو للنظام؟!
من جانب آخر، فإن النظام العسكري وآلته الإعلامية يوجهان السخط الشعبي نحو المسلحين دون الإشارة مطلقا إلى ضرورة محاسبة المسئولين عن الفشل المتكرر والإخفاق المتواصل، ورغم انكشاف المؤسسة العسكرية سواء على مستوى الاستعداد القتالي أو حتى على مستوى السلوك الأخلاقي بخلاف الداخلية التي لا يحتاج الشعب إلى برهان على إجرامها وانحراف قادتها وعناصرها، ورغم سقوط مئات الضحايا من عناصر الجيش والشرطة والمتعاونين معهم إلا أن أحدا لم يقدم للمساءلة ولم يحاسب مسئول واحد على هذا الفشل المتكرر؟! والراصد يمكن أن يكتشف بسهولة أن النظام يقوم بالتغطية على هذا الفشل المتجذر عبر استراتيجية تقوم على ثلاثة أضلاع:
1) الأول هو التمترس خلف صناعة الدراما (مسلسل الاختيار نموذجا) وذلك بهدف تزييف الوعي وصناعة واقع بديل يقوم على الخيال والتوهم للتغطية على الواقع المرير والفشل المتواصل. وتكوي صورة بطولية لعناصر الجيش لرفع الروح المعنوية المتردية لعناصره بسيناء.

تزييف وتخفي 

2) الثاني، هو التزييف والتخفي خلف البروباجندا والصراخ الإعلامي الذي تمارسه فضائيات السلطة كل يوم في برامج “التوك شو” التي تستهدف تزييف الوعي وتشكيل وعي يقوم على نشر الأكاذيب وطمس الحقائق وتشويه المعارضين وتسويق الخونة والفاسدين باعتبارهم يمثلون منتهى الوطنية والانتماء.
3) الثالث، هو الاغتيالات الجماعية لنشطاء وشبان، وهي عادة ما تحدث لأبرياء معتقلين أو مخطوفين قسريا في محاولة لرفع الروح المعنوية للجنود في سيناء أو لأنصار النظام ويبقى الفاعلون الحقيقيون على الأرض يواصلون دك كمائن الجيش واصطياد عناصره.
هذا الفشل المتكرر والمتواصل يثير كثيرا من الألغاز والتساؤلات حول عدم قدرة الجيش المصنف التاسع عالميا وفق تصنيف موقع “جلوبال فاير باور” منذ سنوات على حسم صراع مسلح مع حفنة مقاتلين لا يتمعتون بما يتمع به الجيش من خبرات وتسليح وتدريب وإمكانات هائلة؛ إذا كيف يقف الجيش والشرطة موقف الدفاع أمام حفنة مسلحين؟! وكيف يفشل الجيش رغم دعمه بصفقات سلاح مليارية في تحقيق الأمن والاستقرار في سيناء؟ فملعوم أن مصر تحتل الترتيب الثالث عالميا في شراء السلاح بعد كل من السعودية والهند وفق آخر تقرير لمعهد استوكهولم الدولي.
من جانب ثالث، فقد مضى على تعهد السيسي في نوفمبر 2017م بالقضاء على «الإرهاب» في سيناء في غضون ثلاثة أشهر فقط، أكثر من ثلاث سنوات؛ فلم تفلح إستراتيجية “القوة الغاشمة” في تحقييق شيء؛ وبعد انتهاء المدة المحددة؛ لم يعلن السيسي القضاء على الإرهاب كما تعهد بل أطلق في 9 فبراير2018م «العملية الشاملة» التي توصف بكبرى العمليات المسلحة ضد المسلحين في سيناء كلها؛ والتي امتدت حتى اليوم دون أن تحرز أي تقدم ملموس فضلا عن النصر الحاسم الذي وعد به السيسي؛ فلماذا يستمر الفشل؟ ولماذا لم تحقق الاستراتيجية القائمة على استخدام «القوة الغاشمة» أهدافها؟ فهل يمكن أن تصل الأمور إلى انفصال سيناء كما توقع السيسي عندما كان وزيرا للدفاع؟ ألا تسهم سياساته نحو تكريس الانفصال الشعوري عند أهالي سيناء وهو البداية الحقيقية للانفصال الحقيقي؟ ولماذا يسكت قادة المؤسسة العسكرية الشرفاء إن وجدوا على هذا الظلم وتلك السياسيات التي تهدد الأمن القومي المصري في الصميم؟