“عمران” و”بدران”.. مقارنة كاشفة بين جنرالين رحلا في ديسمبر

- ‎فيتقارير

شهدت العاصمة الإنجليزية لندن رحيل جنرالين مصريين خلال شهر ديسمبر الجاري "2020م"، الأول هو اللواء عبدالحميد عمران الذي رحل السبت 26 ديسمبر عن عمر يناهز الـ80 عاما، والذي شارك في حروب 56 و67 و73م. وهو أحد الذين ينتمون إلى دفعة المشير محمد حسين طنطاوي، الرئيس السابق للمجلس العسكري، الذي حكم البلاد مؤقتا، عقب ثورة 25 يناير 2011. أما الجنرال الثاني الذي رحل هذا الشهر فهو اللواء شمس بدران، الذي رحل في غرة ديسمبر عن عمر يناهز الـ91 سنة، قضاها في الظلم والتعذيب والنفاق للسلطة ويكفي أنه كان وزير الحربية في هزيمة 67 التي دمرت مصر وأدت إلى احتلال سيناء كاملة والقدس وغزة وهضبة الجولان السورية.
رافض الظلم والقمع

رحل الخبير العسكري والإستراتيجي عبدالحميد عمران، وقد ترك بطولات ومواقف مشرفة؛ فهو من الجنرالات القلاقل الذين عارضوا الانقلاب العسكري الذي قاده الطاغية عبدالفتاح السيسي عندما كان وزيرا للدفاع منتصف 2013م ضد الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي والمسار الديمقراطي كله، وخاطب المجلس العسكري وقتها ودعاهم إلى أن يكونوا حماة للثورة لا أعداء لها. وعقب الانقلاب العسكري، وجه اللواء عمران، نداء إلى المجلس العسكري، قال فيه: "أرجوكم باسم رفقة أكتوبر، أن لا تحاولوا قهر الشعب، وهزيمته، فليبق الجيش المصري حاميا للثورة المصرية، وليس عدوا لها"، مضيفاً "لا تنزلقوا إلى النموذج السوري، فالأحداث يجر بعضها بعضا، أرجوكم عيشوا كراما، وغادروا أبطالا، فأنتم الأعز على قلوبنا".
عمران كخبير عسكري وإستراتيجي، بعد تخرجه من الكلية الحربية عمل بسلاح الدفاع الجوي، بالإضافة إلى عمله مع جهاز الأمن القومي في مكافحة التجسس. وتعليقا على تقرير منظمة هيومان رايتس ووتش، الصادر عقب مجزرة فض رابعة، حمًل اللواء عمران جنرال الانقلاب عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع، وقتها، مسؤولية فض اعتصام رابعة العدوية والنهضة، مؤكدا أن الأخير، "أساء إلى مؤسسة القوات المسلحة وإلى قيادتها على الصعيد العالمي حيث أنه لم يسبق لأي قيادة عسكرية مصرية إدانتها من قبل منظمة دولية. كما شدد عمران على أن اقدام سلطات الانقلاب العسكري على فض اعتصام رابعة بهذه الطريقة يرجع في الأساس إلى نية قادة الانقلاب التخلص من الفصيل السياسي الأوحد المنافس لهم في الأيام القادمة وإزاحته من المشهد. وهو ما تأكد بعد ذلك بعد انفراد السيسي بالسلطة وتأميم الحياة السياسية وتعديل الدستور بما يفضي إلى بقائه في السلطة إلى الأبد.
وفي 23 أغسطس 2014م، أوضح عمران أن سلطات الانقلاب في مصر مكلفة بالقضاء على ما تبقى من الربيع العربي، وذلك خلال مداخلة له على قناة الجزيرة مباشر مصر. كما دان الحديث المتكرر لقائد الانقلاب عن الإرهاب؛ مؤكدًا أنه أمر غير مقبول، نافيًا أن تكون مصر تعاني من الإرهاب، مثلما يدعي ويقول دومًا في أحاديثه. وقال خلال مداخلةٍ هاتفيةٍ له عبر فضائية "الجزيرة مباشر مصر": "لا يمكن تحويل نصف الشعب المصري لإرهابيين، لمجرد أنهم معارضيون له ولنظامه". وأوضح أنه لا يصح أن يتم التصدي للمعارضة بذريعة التصدي للإرهاب، مؤكدًا أن "مصر" لا يوجد بها إرهاب يحتاج لتفويض، كما ادَّعى سفاح الانقلاب وخرج للشعب وطلب تفويض لمواجهته، مشيرًا إلى أن حديثه مفتعل.
https://www.youtube.com/watch?v=f3D5zkJY-xw

جلاد السجن الحربي
أما شمس بدران، فلا يعرف في حياته إلا بواقعتين: الأولى، هي التعذيب الوحشي الذي تعرض له قادة وأفراد الإخوان واليسار في سجون الدكتاتور عبدالناصر وأهمها السجن الحربي، وروى العديد من قيادات الإخوان، تعذيبهم بالكلاب والكرابيج والكهرباء ووسائل التعذيب الأخرى على يد شمس بدران. وقد أشرف على إعدام المفكر الإسلامي الكبير سيد قطب، صاحب تفسير الظلال الذي يعد أحد أهم الخواطر حول القرآن الكريم. وذكر بعض الإخوان أن شمس بدران كان يسب الذات الإلهية مهددا " لو ربنا نفسه جاء لوضعته في الزنزانة".
أما الواقعة الثانية الأهم في حياته، فهي المسئولية المباشرة عن هزيمة 5 يونيو 1967م، حيث كافأه الدكتاتور عبدالناصر على إشرافه بالتعذيب الوحشي لقادة الإخوان في السجن الحربي وعينه وزيرا للحربية حتى هزيمة يونيو. وبعد الهزيمة أحيل عدد من العسكريين للمحاكمة، ومنهم وزير الحربية شمس بدران، الذي اعتبر مسؤولا كبيرا عن النكسة، ومكث بدران في السجن حتى عام 1974، حين أفرج عنه الرئيس الراحل أنور السادات، ليغادر البلاد متوجها إلى بريطانيا بجواز سفر دبلوماسي، ومكث فيها حتى وفاته في ديسمبر 2020م.
وفي العام 1987، أعيدت محاكمة "بدران" غيابيا بتهمة تعذيب أعضاء من جماعة "الإخوان المسلمين". وفي حوار مع صحيفة الوطن المخابراتية قبل سنوات، قال بدران إنه "ليس نادما" على ما فعله بالإخوان عام 1965، وأنه "لو عاد الزمن لكرر الأمر نفسه معهم". وفي مذكراته التي نشرتها صحيفة السياسة الكويتية عام 2014 نفى بدران أن يكون أشرف على تعذيب الإخوان مدعيا أنها تحمل الكثير من المبالغة التي تصل إلى مستوى الخرافات والخزعبلات، لكنه أكد في الوقت نفسه على أنه "ليس نادما على ما فعله، وأنه إن عاد به الزمن لكرر الأمر نفسه"!
ويبقى التساؤل: لماذا تفوق جناح الإجرام والطغيان في الجيش على الجناح الوطني المخلص؟ لماذا تدحرجت قيادة الجيش إلى المفسدين من أمثال عبدالناصر والسادات وعبدالحكيم عامر وشمس بدران والسادات ومبارك والسيسي؟ ولماذا جرى إبعاد المخلصين من أبناء المؤسسة العسكرية كمحمد نجيب وعبدالمنعم رياض وسعد الدين الشاذلي وعبالحميد عمران وغيرهم؟ ولماذا لا يتحرك المخلصون من أبناء المؤسسة العسكرية لتطهيرها من الخونة والعملاء الذين مرمطوا بسمعتها وشوهوا صورتها حتى اختطفوا الجيش لحساب مصالحهم الخاصة والضيقة وحساب كفلائهم في واشنط وتل أبيب وعواصم الخليج؟