في ذكرى سقوط مبارك.. “فورين بوليسي” تتوقع نهاية قريبة للسيسي

- ‎فيتقارير

انتهى تحليل نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية إلى أن الطاغية عبدالفتاح السيسي رئيس الانقلاب العسكري، يظن أنه قد تعلم الدرس من سقوط الرئيس الأسبق حسني مبارك، لكن التحليل الذي كتبه الصحفي فرانسيسكو سيرانو يرى أن السيسي تعلم الدروس الخاطئة، وأن الدكتاتور الذي يحكم البلاد حاليا بعدما قاد انقلابا عسكريا ضد الرئيس المنتخب محمد مرسي في منتصف 2013م تحاصره المخاوف من كل جهة؛ مستدلا على ذلك بعنف العنف الذي يمارسه نظامه ضد المصريين في سنوات ما بعد الانقلاب، مؤكدا أن السيسي لديه فوبيا من المظاهرات والاحتجاجات والحشود الجماهيرية التي تملأ الشوارع.
وبحسب الكاتب الذي وصف السيسي بتلميذ مبارك النجيب، فإن السيسي ومبارك ينتميان إلى الجيش، الذي يهيمن على البلاد منذ عقود؛ بينما تبدو التجربة الديمقراطية القصيرة والصاخبة التي تلت 2011م مجرد انقطاع في القيادة الأبوية (الوصاية) طويلة المدى للجيش على مصر وشعبها.
ووفقا للتحليل الذي نشرته المجلة في 9 فبراير 2021م، فإن نظام مبارك على الرغم من طبيعته الاستبدادية إلا أنه ترك هامشا للمعارضة التي كانت خاضعة للرقابة، لكنه لم يسمح بوجود معارضة من شأنها تعريض سيطرته للخطر وكانت أجهزته الأمنية تتكفل بحصار المعارضة وممارشة أشكال مختلفة من العنف والتعذيب بشكل روتيني لإرهاب المواطنين. ويقر الكاتب بأن نظام مبارك كان يفتقر إلى رؤية سياسية لكنه كان يدرك أهمية صمامات الضغط، فكان يسمح بانتقاد الصعوبات المعيشية اليومية في الصحف ووسائل الإعلام المختلفة طالما أن أصوات المعارضة لا تستهدف الرئيس بشكل مباشر أو تعرض نظامه للخطر؛ وهو ما كان مفيدا للنظام في منح السياسة الوطنية طبقة رقيقة من التعددية وهذا ما ساعد على بقاء الرئيس مبارك في السلطة لثلاثة عقود بحسب رأي الكاتب.
تكرار خطايا مبارك

ويرى الكاتب أن السيسي ونظامه على النقيض من ذلك، فقد قلص السيسي جميع أشكال الخطاب العام والمعارضة معتقدا -على ما يبدو- أن مثل هذه المساحات مهما كانت صغيرة كانت أكبر خطأ فادح لمبارك. وبدلا من ذلك اختار الدكتاتور الحالي القضاء على أي مساحة للاعتراض في الفضاء العام مستخدما في ذلك القوة الكاملة للأجهزة الأمنية سعيا منه نحو نزع الطابع السياسي عن المجتمع بالكامل.
ويشير التحليل إلى أن السيسي ركز على قمع الإخوان وأنصارها في أعقاب الانقلاب، وسرعان ما امتد القمع ليشمل أي شخص أو حركة سياسية تطرح تساؤلات عن الوضع الاجتماعي والاقتصادي الراهن. فالمعارضون السياسيون والنشطاء العلمانيون والحقوقيون والفنانون والصحفيون والأكاديميون وحتى مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي من غير السياسيين أصبحوا جميعا معرضون لخطر الاعتقال في حال قولهم “الشيء الخطأ” وفق معايير السلطة. ويشير الكاتب إلى أن النظام المصري وصل به الأمر إلى شن حرب على أطبائه وغيرهم من العاملين الصحيين وسط جائحة كورونا.
وينتقد التحليل توظيف نظام السيسي لما أسماها بـ"القومية الخبيثة" للهيمنة على الخطاب العام، والتي تَظهر بشكل شرس سواء في الطريقة التي تروج بها الحكومة وأنصارها إنجازات نظام السيسي أو في الطريقة التي يسخرون بها من أعدائه المفترضين. وكثيرا ما يشبه السيسي الولاء له ولنظامه بالولاء لمصر.
وينتهي الكاتب إلى أن “ديكتاتورية السيسي” غير مستقرة وتفتقر إلى الثقة بالنفس؛ لأنه دائما ما يلجأ “لخرطوم كبير من أجل إخماد الحرائق الصغيرة” في إشارة إلى استخدامه للقمع والقوة المفرطة أمام جميع أشكال الاعتراض. ويرى أن العوامل التي أشعلت الانتفاضة الشعبية في يناير 2011م والتي أدت إلى زوال مبارك لاتزال قائمة؛ فالحشود التي خرجت لم تكن بسبب أن القمع غير كاف كما يعتقد السيسي؛ بل خرجت تعبيرا عن غضبها رغم القيود الكثيرة التي كانت مفروضة من تدهور الأوضاع بشكل مستمر وتردي الظروف الاجتماعية والاقتصادية وفشل الدولة البوليسية في إيجاد حلول للمشاكل اليومية. ويؤكد الكاتب أن فشل السيسي في تحسين معيشة المصريين -ومن ثم اعتقالهم وقتلهم في حال تعالت أصواتهم بالشكوى- فإن نظامه يعمل على تسريع تراكم الطاقة الحتمي ضده.

تصلب السيسي

وكان الباحث «تيموثي كالداس» قد حذَّر في ورقة بحثية نشرها معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط في ديسمبر 2019 من تصلب نظام السيسي وأن هذا التصلب الظاهر يخفي في جوهره هشاشة ستكون سببا في سقوط النظام في مصر بصورة فوضوية للغاية. وتحت عنوان «استبداد السيسي الهش.. لماذا سيكون انهيار النظام في مصر فوضويا للغاية؟» يحذر "كالداس" من رهان الدول الغربية على الاستقرار الظاهر لنظام السيسي الذي كرسه بوسائل وحشية. ويقر أن قبضة السيسي على السلطة في هذا الوقت قوية للغاية، لكن الطريقة التي عزز بها هذه السلطة تجعلها أيضا هشة للغاية وحساسة للصدمات غير المتوقعة. وبعد استعراض تركيز السلطات في يد السيسي بعد العصف باستقلال القضاء وتشكيل مجلس تشريعي صوري وتأميم الفضاء الإعلامي وخنق منظمات المجتمع المدني، واحتكار الجيش للنشاط الاقتصادي وسحق أي أمل في التداول السلمي للسلطة بعد إقرار التعديلات الدستورية التي جرت في إبريل 2019م، فإن السيسي ساهم بنشاط بالغ في تفكيك مؤسسات الدولة وتقويض استقلاليتها ما أسهم في زيادة هشاشة الدولة بشكل عام. وتوقع "كالداس" اندلاع شرارة أخرى و جولة أكبر من الاحتجاجات التي لن يتمكن النظام من إخمادها بسهولة. لكن الأكثر خطورة على مستقبل مصر هو عدم وجود آلية للانتقال السلمي للسلطة كما شوهد في تونس، إضافة إلى عدم وجود مساحة لإعداد قيادات بديلة موثوقة؛ وبذلك فإن الخوف من انتقال السلطة رغم حتميته أجبر السيسي على اتخاذ إجراءات من شأنها أن تجعل أي عملية انتقال للسلطة في مصر فوضوية للغاية، وينتهى "كالداس" إلى أن نصل السيسي الحاد الصلب ربما يكون قد أطاح بخصومه وركز السلطة في يديه، لكنه عندما يواجه تحديا أكثر صعوبة فقد لا يتراجع ولكنه ربما ينهار تماما؛ فالمخاطر المرتبطة بهشاشة النظام المصري كبيرة للغاية ولا يمكن التنبؤ بها على حد سواء.