“ذاكرة السمك”.. هل تامر أمين أول من أهان المصريين في إعلام العسكر؟

- ‎فيتقارير

لم تكن إهانة أهل الصعيد على لسان إعلامي مطبل للعسكر إلا حلقة في عملية إحكام سيطرة عصابة الانقلاب على الإعلام بصوره المختلفة، ومن خلال آليات متعددة تتراوح بين الضغط على المؤسسات الإعلامية لتلتزم بالرسالة الموحدة التي يرغب السفاح عبد الفتاح السيسي في ألا يتاح للجمهور غيرها، وبين الاستيلاء المباشر على مؤسسات إعلامية قائمة وإنشاء أخرى من قبل أجهزة سيادية تابعة للعصابة ويديرها ويشرف عليها أشخاص مقربون من السفاح.
ولم يبدّد اعتذار المطبل تامر أمين لأهالي الصعيد عاصفة الانتقادات ضده، فما قاله في معرض مقاربته لتحديد الزيادة السكانية انسجاما مع دعوة السفاح السيسي للحد منها، يتجاوز مبدأ التوعية، حيث قال إن أهالي الصعيد "يرسلون أبناءهم إلى العمل في الورش، ويرسلون بناتهم للعمل كخادمات في القاهرة".

الزيادة السكانية
وكانت حالة من الغضب قد اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي في مصر بعد قيام الإعلامي المطبل للعسكر تامر أمين، بمهاجمة أهل الصعيد والريف، خلال تعليقه على حديث السفاح السيسي عن ارتفاع معدل الزيادة السكانية في مصر.
وقال أمين: "في الريف والصعيد في نسبة كبيرة جدا بيخلفوا أولاد وبنات مش عشان يصرفوا عليهم ولا عشان يدخلوهم التعليم يتعلموا وياخدوا شهادة ويكبروا ويتوظفوا ويبقى عندهم فرص عمل، لا، دول بيخلفوهم عشان العيال دي هي اللي تصرف على الأب والأم، بيخلف الولد وأول لما يبقى عنده 7 سنين بالكتير، يقوم راميه على ورشة".
واستكمل أمين حديثه: "طب جالي بنت هغلب لا هدخلها لمدرسة لا، أول لما تبقى 8 سنين أشحن على القاهرة والإسكندرية تشتغل خدامة في البيوت"، "بيخلفوهم عشان يشحنوهم يشتغلوا في البيوت".
وانشغلت تقارير وتحليلات كثيرة بالخطاب الإعلامي لعصابة الانقلاب ورموزه البارزة، التي تتسم بتدني لغة الحوار دون الاهتمام بالآليات المنتجة لهذا الخطاب، والتي ليست بالضرورة متعلقة بموقف دعم نظام ديكتاتوري، فتاريخ اﻹعلام قد شهد مستويات وصور مختلفة ومتباينة للخطاب الموالي للديكتاتوريات، ولم تكن جميعها متدنية في لغتها أو تفتقد إلى مظاهر المهنية، حتى في نقلها وترويجها لأكاذيب عصابات العسكر من أول عبد الناصر ومشاركتها في إخفاء الحقائق.
من جهته يقول الكاتب الصحفي ناصر جابر: "تامر أمين في فترة استجمام وراحة عن العمل في فيلته بعيدا عن الحرافيش كام أسبوع حتى يهدأ الصعيد ويرجع يزاول هرتلته تاني عادي.. نفس الشئ حدث مع ريهام سعيد وتم إيقافها أكثر من مرة ومنعت أكثر من مرة من مزاولة المهنة وعادت كما لم تخطئ".
مضيفا:" هو نفس ما حدث في الأسابيع القليلة الماضية مع محمد رمضان "مربي الأجيال" الذي عاد للعمل وكأنه لم يطبع مع الصهاينة ومسلسله الجديد أكمله و سوف يعرض في رمضان القادم ونقابة الممثلين والصحفيين واوعى وشك طلع لسانه للجميع.. وعشرات الحالات وسلملي على ذاكرة السمك".

رسائل خفية
وقدم "أمين" اعتذاره لأهالي الصعيد؛ ولعب إعلام الانقلاب الذي ينتمي إليه دورا كبيرا في إهانة المصريين بعد تشويه صورة نظام الرئيس الشهيد محمد مرسي، وتصديره للشارع أنه "العميل" و"الفاسد" الذي جاء بمؤامرة دولية، فضلا عن العزف المتواصل على أنغام السخرية من الرئيس وأفعاله والمقربين منه، وهو ما ساهم في تكوين رأي عام ناقم على الثورة وإفرازاتها.
وفي مقابل ذلك كان ذات الإعلام يمجد في الجيش وينقل بين الحين والآخر رسائل خفية وضمنية من قادة القوات المسلحة لبث الاطمئنان في نفوس من ينوون التظاهر قبل انقلاب 30 يونيو 2013، بأن الجيش سوف يحميهم ويدعم حراكهم، وهو ما ساعد على خروج المخدوعين بحركة تمرد إلى الشوارع في حماية القوات المسلحة حتى وقع الانقلاب.
ومع ذلك لم يقف الإعلام عند هذا الحد؛ بل ساهم في ترسيخ تهم الخيانة على كل من انتقد انقلاب 3 يوليو 2013، وما تلاه من قرارات وإجراءات، حتى طالت هذه التهم العديد من المشاركين في الانقلاب فيما بعد، كما حدث مع الدكتور محمد البرادعي والدكتور عصام حجي وكلاهما كان جزءا من المشهد حينها.
ويعمد إعلاميو وطبالو الانقلاب العسكري إلى توجيه الإهانات إلى المصريين بسفالة غير مسبوقة، فهذا يطالبهم بشكر الانقلاب على رفع الأسعار والضرائب وآخر يطالبهم أن يهاجروا إذا لم يعجبهم الحال، وكأن البلاد ومن فيها أصبحت حقا خالصا لزبانية الانقلاب وأعوانه.
اجتهاد خارج الإطار

ويفتقر الإعلاميون الطبالون للعسكر إلى المهنية؛ ولذلك فانهم عندما يجتهدون خارج التعليمات يرتكبون عادة أخطاء فادحة، فقد اتهمت مذيعة بلدا عربيا شقيقا بأن اقتصاده قائم على الدعارة، وأعلن مذيع مرة أن القوات المسلحة اختطفت قائد الأسطول السادس الأمريكي من غواصته واحتجازه في مكان سري، الأمر الذي جعل الرئيس الأمريكي ينهار ويتوسل إلى السفاح السيسي حتى أفرج عن قائد الأسطول!
وقامت مذيعة أخرى بإهانة المصريات اللاتي تعانين من السمنة وقالت إنهن عبء على أسرهن والدولة، وبعد كل جريمة إعلامية من هذا النوع تقدم شكاوى يتم التحقيق فيها بواسطة المجلس الأعلى للإعلام وهو كيان أنشأه السفاح السيسي ليكون غطاء للمخابرات التي تدير الإعلام في مصر.
وبعد التحقيقات واللوم والعتاب يعود المذيع الطبال إلى الشاشة كأنه لم يفعل شيئا، وهكذا خلق السفاح السيسي أذرعه الإعلامية وتخيل أنه قد سيطر على الرأي العام في مصر إلى الأبد، لكن حدثت مفاجأة: شيئا فشيئا تأكد للمصريين أن ما يقرأونه في الصحف ويشاهدونه في التلفزيون مجموعة من الأكاذيب وعندئذ انصرفوا عن الإعلام.