من “العازولي” إلى “العقرب” وبينهما “الأمن الوطني”.. مشاهد مرعبة من التعذيب القاتل في سجون الانقلاب

- ‎فيتقارير

حكايات لا أول لها ولا آخر عن عذابات المقهورين في سلخانات الأمن الوطني ومقار الاحتجاز وأقبية السجون، وعن التعذيب الذي لا يتوقف لانتزاع اعترافات يعرف الجميع أنها غير حقيقية والهدف منها فقط إدانة أصحابها وإثبات أن "الأمن الوطني" يعمل باجتهاد في حفظ الأمن وتثبيت الاستقرار ومواجهة المؤامرات الداخلية والخارجية والكونية التي تتعرض لها مصر على يد "الأوباش الذين يفكرون في الحرية ويطمحون إلى مستقبل لا يعرف القهر والظلم".

اللافت أنه رغم أن الضحايا أبرياء تماما ولم يرتكبوا تلك الجرائم الملفقة التي يسود بها ضباط الأمن الوطني آلاف الأوراق؛ إلا أن التعذيب لا ينتهي ولا يتم انتقاده أو التنديد به أو رفضه. بل أصبح أمرا واقعا أن يتم اختطاف الأبرياء من الشارع أو البيوت أو وسائل المواصلات، وإخفائهم بالأيام أو الشهور أو السنوات التي ينالون خلالها ما لا يستحقون من الضرب والإهانة والكهرباء والصفع والركل والقهر حتى يرى الضباط أنه لا جديد يمكن أن يسود في تلك الأوراق الكالحة يدين المتهمين، الأبرياء أصلا، وأنه من المناسب أن تتم إحالتهم إلى النيابة، التي، من المفارقة، أنها تعرف تماما ما حدث للمعتقل من اختطاف وإهانة وتعذيب وإخفاء وسرقة و، إلا أنها تغض الطرف تماما عن البحث عن الحقيقة أو إثبات التعذيب أو محاسبة المجرم الحقيقي، وتستمر الحلقة المفرغة بقرار تجديد الحبس الأتوماتيكي " 10 خمستشرات" التي لا يخرج أحد قبلها، ثم 45 يوما، لمدة لا يعلمها إلا الله، حتى يتم إخلاء السبيل عبر غرفة المشورة أو الاستئناف، فيتم تسليم الضحية الذي يفرح وأسرته بالإخلاء ويمني نفسه بالأكل "الملكي" ودخول الحمام دون دور والاستحمام وقت أن يحب، ثم الارتماء على سريره دون أن يطالبه أحد بـ"التسييف"، أي النوم "خلف خلاف" حتى يتم استثمار المكان الضيق لنوم أكبر عدد ممكن من المحتجزين.

وخلال إنهاء إجراءات إخلاء السبيل وخلال وجود المتهم البريء في قسم الشرطة استعدادا للخروج يرحل مرة أخرى إلى "الأمن الوطني" ليبدأ رحلة جديدة من الاتهامات الملفقة التي يسود بها الضباط أوراقهم، ثم قرارات النيابة المعروفة مسبقا.. إلى أن يشاء الله.

بالطبع يحدث هذا السيناريو للذين لم يقدر لهم أن تقدم قضاياهم للمحاكمة فينتقلون بين زنازين السجون وأقفاص المحاكم عبر محاكمات هزلية لا يعرف القانون إليها سبيلا ولم تصادف العدل في أي من مراحلها الطويلة، لينجو من كتب الله له النجاة ويموت من كتب عليه توديع الدنيا وهو يرتدي الكلابشات الحديدية القاسية.

شهادات مروعة

مؤخرا نشرت منظمة "الديمقراطية الآن للعالم العربي (داون)" التي أسسها الصحفي السعودي الراحل جمال خاشقجي، شهادة مروعة لمعتقل مصري سابق، تم اعتقاله عام 2014 وتنقل بين مقر جهاز الأمن الوطني، وسجن العزولي التابع للجيش، وسجن العقرب سيء السمعة، وتعرض لتعذيب بشع.
وقال المعتقل، الذي لم تنشر المنظمة اسمه حفاظا على أمنه الشخصي وسلامة أفراد عائلته في مصر، إنه اعتقل من مقر عمله بشركة أدوية في يناير 2014، واقتادته فرقة الاعتقال من القوات الخاصة إلى منزله واعتدوا بالضرب على أفراد عائلته، ومنهم والدته التي تبلغ من العمر 72، والتي فقدت بعض أسنانها جراء اعتداء ضابط من فرقة الاعتقال عليها وسحلها.
وأوضح أنه عندما طلب من الضابط عدم الاعتداء على أمه، قال له الأخير: "احنا كفار، لو ربنا نزل هعمل فيه اللي بعمله فيكم حاليا".
وأضاف أنه نقل إلى مقر جهاز الأمن الوطني، وتعرض لتعذيب عبر التعليق والصعق بالكهرباء لمدة 24 ساعة لإجباره على الاعتراف بارتكاب حادث عنف، رغم أنه كان موجودا في مقر الشركة التي يعمل بها في نفس وقت ارتكاب العملية التي يتهمونه بها، ولديه دلائله على هذا الأمر (بصمة حضور وانصراف وصوره بكاميرات الشركة).
وقال إن ضباط الأمن الوطني هددوه، إن لم يعترف، بإرساله إلى مكان "لن يستطيع حتى الله فيه عمل أي شئ له"، على حد قولهم.
نار العازولي
المرحلة الأصعب في حياة المعتقل كانت عندما يتم نقله داخل سيارة ترحيلات إلى سجن العزولي، التابع للجيش، الواقع بمحافظة الإسماعيلية، وهناك تتم تعرية جسده بالكامل، وربطه بسلسة من رأسه مرورا بصدره وحتى بطنه وقدميه مع تقييد يديه، ثم يقوم الجنود بتوصيل الكهرباء بتلك السلسة الضخمة، والتي بدورها تنقل الكهرباء لجميع جسده، ليصرخ من الألم.
وأكد أنه شاهد داخل السجن العسكري مئات من أهالي سيناء، ومنهم مسنون وأطفال ونساء، بالإضافة إلى معاينته إعدامات ميدانية بالرصاص من المسافة صفر لمعتقلين على يد الضباط بدم بارد، خلال جلسات التحقيق والتعذيب.
القتل رميا بالرصاص

وروى واقعة مفادها أن معتقلا مسنا شعر بالتعب الشديد، وعندما قيل للضابط إنه يحتاج إلى علاج عاجل، أخرج سلاحه الميري وأرداه برصاصتين في الرأس، وقال للجميع: "هذا مصير من يشعر بالتعب هنا".
وقال إنه فقد وعيه خلال إحدى مرات التعذيب تم نقله إلى المستشفى، لكن فوجئ بالطبيب العسكري يقول للضابط إنه سليم ويمكن له استئناف تعذيبه بعد إعطائه بعض المحاليل.
وروى أنه خلال تعذيبه وهو معلق، سمع أذان الظهر، فقال الضابط المشرف على تعذيبه إنه سيذهب للصلاة ويعود لاستئناف التعذيب، لكنه لم يعد لمدة 8 ساعات وظل معلقا بوضعية صعبة حتى فقد الوعي من شدة الألم.
وأضاف أن الضابط الذي يعذبه لاحظ مكان عملية جراحية أسفل بطنه، فأقدم على فتح الجرح بشفرة حلاقة ثم أدخل فيه سلكا ووصله بالكهرباء، وحينها شعر أن روحه تخرج من جسده من شدة الألم.
وأكد أن سجن العزولي كان يمكث فيه حوالي 1800 معتقل في ظروف مروعة وتعذيب على مدار الساعة وإعدامات ميدانية.
النيابة شريكة في القتل
وقال المعتقل السابق إنه تم نقله من السجن العسكري إلى نيابة أمن الدولة العليا، وهناك قابل وكيل النيابة الذي أطلعه على بيان لوزارة الداخلية يتهمه وآخرين بارتكاب حادث عنيف، وطلب منه الاعتراف به، وهدده بإرجاعه إلى سجن العزولي لتعذيبه حتى الموت، إن لم يعترف، وعندما قال له إنه من المفترض أنه كوكيل للنيابة أن يحميه، قال له الأخير: "الكلام ده هناك عند أمك"!
وأكد أن ضابطا داخل النيابة قال له إنهم متأكدون أنه لم يرتكب أي حادث عنيف، وعندما سأله عن سبب إجباره على الاعتراف قال له إنه يجب أن يعترف لئلا يتم تكذيب الضباط الذين أصدروا بيان الداخلية الذي اتهمه بارتكاب الحادث.
السرطان بسجن العقرب
وأضاف أنه اضطر للاعتراف تحت هذه التهديدات، فتم نقله إلى سجن العقرب سيء السمعة بالقاهرة، والذي مكث فيه لمدة عامين ونصف العام.
وروى وقائع مروعة داخل سجن العقرب، ومنها منع العلاج عن معتقل مريض حتى انفجرت بطنه، وترك آخرين ليموتوا من المرض دون علاج، مؤكدا أنه كان يتم تجويع المعتقلين لمدة 4 أيام ثم يعطى كل معتقل رغيفا متعفنا من الخبز.
وأكد أنه ومعتقلين اكتشفوا أنه يتم وضع مواد مسرطنة لهم داخل الطعام، لذلك فإن أغلب السجناء بالعقرب أصيبوا بأمراض مزمنة.
وقال المعتقل السابق إنه أخلي سبيله بعد إخراجه من العقرب ومكوثه شهرا داخل مكان يسمى "ثلاجة الأمن الوطني".
وكشف أنه تم اعتقال معظم إخوته بالتزامن معه ومكثوا داخل سجون مختلفة لمدة عامين، وأن والدته المسنة كانت تسافر لزيارتهم وكانت تبكي من مشقة السفر.
الشهادة رغم قسوتها، هناك احداث ووقائع أشد منها وأبشع، وهو ما روى بعضها "محمود الأحمدي" الذي أعدم ضمن الأقمار التسعة بقضية النائب العام، حيث قال للقاضي حين سأله عن اعترافه بالمشاركة في القتل: إنه "أخذ كهرباء في حسمه تكفي لإنارة مصر"، وأردف: "أعطني صاعق كهربا وأنا أجعل كل من في القاعة يعترفوا أنهم من قتلوا السادات".