لا يسأل مجرم عن إجرامه ولا يسأل الصهاينة عن السبب وراء اغتيال الشيخ أحمد ياسين؛ فقد تبني العدو الصهيوني منذ أواسط انتفاضة الأقصى استهداف شيخ المقاومة الفلسطينية، بدعوى أنه الرأس المدبر للعديد من الهجمات المسلحة التي قتلت مئات المغتصبين الصهاينة، وأنه يرسل الاستشهاديين، ومضت الماكينة الدعائية الصهيونية في هذا النهج حتى وقوع جريمة الاغتيال.
وارتفعت التهديدات الصهيونية ضد شيخ المقاومة الفلسطينية مع بداية 2004، وذلك حين نفذت حركة المقاومة الاسلامية "حماس" التي أسسها الشيخ هجمات استشهادية ناجحة، وجاء على لسان زئيف بويم نائب وزير الأمن أن "الشيخ يستحق الموت، وتم إدراجه ضمن قائمة المستهدفين بالقتل"، وبرر العدو الصهيوني قتله انطلاقا من قاعدة "من يرد قتلك اقتله".
الخطوط الحمراء
كانت هناك أسباب غير مباشرة تقف خلف اغتيال شيخ المقاومة الفلسطينية أحمد ياسين، أهمها إحداث هزة أرضية داخل حماس، وتجاوز كل الخطوط الحمراء مع الحركة، وإرسال رسائل ردع لكل التنظيمات الفلسطينية.
بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى في ديسمبر 1987، اتفق مع مجموعة من النشطاء الإسلاميين في قطاع غزة على تكوين تنظيم إسلامي يناضل ضد العدو الصهيوني أطلقوا عليه اسم "حركة المقاومة الإسلامية" المعروفة اختصارا باسم "حماس"، وكان لهذا التنظيم، الذي امتد نشاطه إلى الضفة الغربية المحتلة، دور مهم في الانتفاضة، ومنذ ذلك الوقت صار الشيخ أحمد ياسين الزعيم الروحي للحركة.
دهمت قوات العدو الصهيوني منزله في أواخر أغسطس 1988، وهددته بالنفي إلى لبنان، ثم قامت في 19 مايو 1989 باعتقاله مع المئات من أعضاء حركة "حماس". وفي 16 أكتوبر 1991، أصدرت إحدى المحاكم العسكرية الصهيونية حكما بسجنه مدى الحياة مضافا إليها خمسة عشر عاما أخرى، بعد أن وجهت إليه لائحة اتهام تتضمن تسعة بنود منها التحريض على اختطاف وقتل جنود صهاينة وتأسيس حركة "حماس" وجهازيها العسكري والأمني.
أدّى سوء ظروف اعتقاله إلى تدهور حالته الصحية الضعيفة أصلا، إذ كان يعاني، إضافة إلى الشلل التام، من عدد من الأمراض والالتهابات، الأمر الذي استدعى نقله من السجن إلى المستشفى مرات عدة.
كتائب الشهيد
حاولت مجموعة تابعة لـ "كتائب الشهيد عز الدين القسّام –الجناح العسكري لحركة "حماس- تخليصه من الأسر، فقامت، ليلة 13 ديسمبر 1992، باختطاف أحد جنود حرس الحدود، ويدعى نسيم طوليدانو، وعرضت على سلطات العدو الصهيوني تسليمه مقابل الإفراج عن الشيخ ياسين.
بيد أن سلطات العدو رفضت الصفقة، ووجد طوليدانو مقتولا قرب القدس، وقد جرت، خلال سنوات اعتقال ياسين اللاحقة، عدة عمليات أخرى لإطلاق سراحهه، ثم أفرج عنه أخيرا في الأول من أكتوبر 1997 في عملية تبادل جرت بين الأردن وكيان العدو الصهيوني، إذ قامت السلطات الأردنية بتسليم سلطات العدو اثنين من عملاء "الموساد"، ألقت القبض عليهما في أعقاب المحاولة الفاشلة لاغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" خالد مشعل في العاصمة عمّان، مقابل إطلاق سراح الشيخ أحمد ياسين.
وبعد أيام قليلة أمضاها في مستشفى بغمان، عاد إلى غزة، حيث صار يشوب التوتر علاقاته مع السلطة الفلسطينية برئاسة ياسر عرفات، بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية في أواخر سبتمبر 2000، قررت سلطات العدو الصهيوني، كما بدا، تصفية قيادات حركة "حماس"، التي شاركت في أحداثها بفاعلية.
وفي 6 سبتمبر 2003، تعرض الشيخ أحمد ياسين لمحاولة اغتيال فاشلة حين أطلقت مروحية صهيونية صاروخا استهدف شقة في غزة كان يوجد فيها بصحبة تلميذه ومرافقه إسماعيل هنية.
استشهد الشيخ أحمد ياسين فجر 22 مارس 2004 في إثر قيام مروحية أباتشي صهيونية بإطلاق ثلاثة صواريخ عليه وهو خارج على كرسيه المتحرك من مسجد المجمّع الإسلامي في حي الصّبرة بقطاع غزة، كما استشهد معه سبعة من مرافقيه وجُرح اثنان من أبنائه.
خرج ملايين المسلمين في شتى بقاع الأرض، لدى شيوع خبر اغتياله، إلى شوارع بلادهم تعبيرا عن غضبهم، كما اضطر آلاف الفلسطينيين، لدى تشييعه، إلى أداء صلاة الظهر في الشارع بعد أن ضاق بهم المسجد العمري، الذي يعتبر الأكبر في غزة لتوديع الشيخ الذي رحل جسده إلا أنه بقي أيقونة لمقاومة الاحتلال الصهيوني.