د. مصطفى اللداوي يكتب: في زمن التطبيع سوق المرأة الإسرائيلية ينشط ويزدهر

- ‎فيمقالات

كأنهنَّ انطلقن من عقالهن، أو فلتن من زمامهن، وخرجن من محشرهن، فرادى وزرافات، كاسياتٍ وعارياتٍ، متبرجاتٍ ومزيناتٍ، جميلاتٍ ومُتَجمِّلاتٍ، فتياتٍ قاصراتٍ، وشاباتٍ يافعاتٍ، وأخرياتٍ ناهزن الثلاثين واقتحمن الأربعين، وغيرهن ومثلهن كثيرات، خرجن بسرعةٍ وعلى عجل، ودون انتظارٍ أو وجلٍ، يسابقن الزمن ويُراهِن على الغد، وجمع الأموال والعد، وقد حزمن أمتعتهن، وصررن ثيابهن، وحجزن رحلتهن، وضَمِنَّ غرفهن في أفخم الفنادق وأجمل المدن، وأبعد الدول وأقربها، فهذا هو موسمهن وسوقهن، وهو عملهن الرائج ومهنتهن القديمة، يُتْقِنَّهَا بدقة، ويُحْسِنَّ العمل فيها بسعادة، ويتنافسن فيها بغنجٍ ودلالٍ، وقد عملن في بلادٍ كثيرة، لكنهن كُن يَتُقْنَ للعمل في الدول العربية، الغنية النفطية، المزدهر اقتصادها، العامرة كازينوهاتها، والجاذبة مراقصها، الكثيرة زوارها، الوافرة أموالها.

لم تكد بعض الدول العربية توقع اتفاقية سلامٍ مع الكيان الصهيوني، وتعترف به وتباشر التطبيع معه، وتبدأ الرحلات الجوية المباشرة بينهما، حتى شدت المرأة الإسرائيلية بهويتها وجواز سفرها الإسرائيلي، الرحال صوبها تنشد العمل والاستثمار بجسدها ومواهبها فيها، وقد سبقها إليها رجالُ أعمالٍ ومديرو عمل فناناتٍ وراقصاتٍ إسرائيلياتٍ، ممن يعرفون الأسواق العربية، ويفهمون أذواقهم ويعرفون اهتماماتهم، ويستطيعون تلبية احتياجاتهم وتوفير طلباتهم، بل وإغراقهم بالجديد والغريب الذي يستطيب به بعضهم ويسعى إليه، ولعل الإعلانات التي انتشرت عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي المختلفة، تبين أن الفرق الفنية الإسرائيلية قد بدأت بالفعل مشروعها الرسمي والمعلن، حيث تظهر الأسماء والعناوين والهواتف، والصور والقدرات والمميزات، بصورةٍ واضحةٍ وصريحةٍ لمن يرغب في المشاهدة والاستمتاع.

لسن كلهن بائعات هوى، وساعيات للربح والاستفادة المادية، وإن كُنَّ لا يمانعن من الاستمتاع والاستفادة والربح، ولكنهن يتسترن بالبغاء وحقيقتهن العمالة، ويظهرن وكأنهن فنانات أو راقصات، وهن عاملات في الموساد والمخابرات الإسرائيلية، إنهن مجنداتٌ في الوحدات الخاصة، ومكلفات بمهامٍ سرية، وناشطاتٌ في الأمن الإسرائيلي، وإن ظهرن كمومسات تحت مسمياتٍ مختلفةٍ، تماماً كوزيرة الخارجية الأسبق تسيفني ليفني التي تتباهى بأنها استخدمت جسدها في مهامٍ خاصة، ومارست الجنس تسهيلاً لعملها وضماناً لحسن النتائج، فلم تمنعها مكانتها وشخصيتها عن ممارسة الدعارة حيناً، أو العمل نادلة في أحد المطاعم حيناً آخر، طالما أن الهدف كان لديها خدمة "دولة إسرائيل وشعب إسرائيل".

وجدت المرأة الإسرائيلية أن الآفاق العربية قد فتحت أمامها هذه المرة بطريقةٍ مختلفة، فقديماً كُنَّ لا يستطعن تجاوز مصايف ومنتجعات سيناء وشرم الشيخ والغردقة، ولا يسمح لهن بالخروج من الفنادق إلا ضمن مجموعاتٍ خاصةٍ وفي ظل حمايةٍ ومرافقةٍ أمنية، وبعلم السلطات العربية وتنسيق وموافقة السفارة الإسرائيلية، ولكنهن اليوم يستطعن دخول مدناً عربية كثيرة، والإقامة في فنادقها، والعمل فيها رقصاً واستعراضاً، وسهراً وقماراً، وغير ذلك مما كن يحلمن به، وأصبحن يستطعن نسج علاقاتٍ خاصة، بعضها غرامية بقصد التكسب والمنفعة، وأخرى مقصودة ولها أهداف محددة، ولكنها تغلف بعلاقاتٍ غرامية وسهراتٍ فنيةٍ ولقاءاتٍ خاصةٍ، وقد يكون بالقرب منهن من يوجههن ويتابعهن، ويرشدهن ويحميهن.

لا تقف المخابرات الإسرائيلية وخاصة جهاز الموساد متفرجةً أمام الانفتاح الجديد والتطبيع الحميم، بل تعتبر أن هذه التطورات هي من صلب عملها، وهي تصب في تخصصها وتساعد على تنفيذ مهامها وتسهيل عملها، وهي فرصتها السانحة وضالتها المنشودة، لهذا فلا نستغرب أنها من ينظم سفر المرأة الإسرائيلية، ومن ينسب الأسماء وينسق المواعيد، ويحدد لها الزبون ويطلب منها المهمة، وهو من يصدر لها بطاقات التعريف وتسهيل العمل والانتقال، لتصبح مهمتها سهلة وممكنة، ولتكون شخصيتها مقبولة ومأمونة، ليسل على الفريسة الوقوع في الفخ، والاطمئنان إليها والعمل معها، ولعل أروقة المخابرات المصرية وملفاتها الخاصة تحتفظ بالكثير من الحوادث والقصص التي كانت المرأة الإسرائيلية، عميلة الموساد الإسرائيلي بطلتها، ولكن السرية الأمنية تمنع نشر قصصهن وفضح مغامرتهن.

يخصص الموساد أقساماً خاصة بوحداتٍ تخصصية، مزودة بكل الإمكانيات والقدرات، ولديها الكثير من البيانات والمعلومات، وفيها مراكز للتدريب والتأهيل، لتسهيل عمليات اختراق الأوساط العربية من خلال المرأة الإسرائيلية، التي تشارك في مثل هذه الأعمال بعد خوضها مسابقاتٍ رسميةٍ تعلن عنها إدارة الموساد، وتضع الشروط المطلوبة في المرأة المرشحة، لجهة السن واللون، والشكل والجمال، والجاذبية والحضور، والثقافة واللغة، لتتمكن من أداء الأدوار المطلوبة منها على أكمل وجه، فالمطلوب منها توريط شخصياتٍ كبيرة وربط أخرى هامة، وتجنيد العملاء وجمع المعلومات ورصد الأهداف، وبث الرذيلة ونشر الفاحشة، وإفساد المجتمع وتخريب الجيل، ليتسنى لهم السيطرة والتحكم، والتوجيه والإدارة.

انتبهوا أيها العرب، زواراً ومواطنين، رجالاً ونساءً، حكاماً ومسؤولين، فقد أصبحتم قريبين من الفخاخ الإسرائيلية، وعلى تماسٍ مع الفتنة الأمنية، فلا يغرنكم الجمالُ، ولا تطمس على عيونكم المتعة، ولا تسقطوا فريسة الفتنة، فأنتم الهدف المقصود صيده، والعميل المطلوب الإيقاع به وربطه، فاحذروا العدو وتصدوا له، وأغلقوا الأبواب في وجهه، وضيقوا الفرص أمامه، واعلموا أنه يعمل ضدكم ويخطط للنيل منكم، ولا يظهر لكم الود إلا للوصول إليكم والتواصل معكم، ولا سبيل لمواجهته والتصدي له، وإفشال مخططاته وإحباط مشاريعه، إلا بإعلان الحرب عليه ومقاطعته، ورفض الاعتراف به ومواجهته، فهذا لعمري هو أيسر السبل وأهونها، وأكثرها أمناً وسلامةً، وستعلمون حقيقة ما أقول ولو بعد حينٍ فانتبهوا.