نشرت صحيفة "ميدل إيست آي" مقالا للكاتب البريطاني، ديفيد هيرست تناول خلاله بالنقض والتحليل حادث جنوح سفينة شحن عملاقة في قناة السويس ما تسبب في توقف حركة المالحة الدولية في هذا الشريان المائي المهم. وقال هيرست في المقال الذي ترجمته "الحرية والعدالة"، إن فشل حكومة الانقلاب الذريع في الرد على إغلاق السويس يسلط الضوء على التهديد الذي يشكله هذا النظام على التجارة الدولية والاستقرار.
وأضاف أنه عندما تم افتتاح توسعة قناة السويس لمسافة 35 كيلومترا قبل ست سنوات، ظهرت لافتات في شوارع القاهرة تعلن أنها "هدية لمصر للعالم"، واستقبل عبد الفتاح السيسي، قائد الانقلاب، القادة الأجانب على متن يخت، وقامت طائرات الهليكوبتر والطائرات النفاثة بالتحليق في الأجواء، وقد أشيد بالتوسع باعتباره انتصارا وطنيا ونقطة تحول بعد سنوات من عدم الاستقرار.
وأوضح أنه عندما تم إغلاق قناة السويس بشكل غير رسمي من قبل سفينة حاويات بطول 400 متر اصطدمت بالضفة في عاصفة ترابية يوم الثلاثاء، كان هناك صمت، لمدة 26 ساعة، لم يكن هناك كلمة عن القناة المغلقة، والشحنات المتوقفة في البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، وبدلا من ذلك، أصدرت هيئة قناة السويس بيانا إعلاميا أعلنت فيه نجاح عبور سفينة سياحية إيطالية على متنها 65 حالة من حالات "كوفيد-19".
وأشار "هيرست" إلى أنه كان هناك تعتيما إعلاميا ولم يبدأ الكذب بجدية إلا يوم الأربعاء، حيث نوه البيان الرسمي الأول بأن الجهود "مستمرة لإعادة فتح القناة"، وقللت اللجنة من شأن التأثير على الملاحة، وأرسلت "رسالة تأكيد بأن الملاحة ستستمر كالمعتاد"، وكما لو كان لتعزيز تلك الرسالة، سمحت السلطة لقافلة من السفن بالدخول من الطرف الشمالي في بورسعيد في 24 مارس.
تغذية طاحونة الدعاية
ولفت إلى أن الهيئة الوطنية للصحافة حذرت من نشر أي أخبار أو شائعات عن أخطر حادث لقطع القناة منذ الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973، بخلاف التصريحات الصادرة عنهم، ولم يكن الصحفيون المصريون بحاجة إلى أي تشجيع على اتباع التعليمات، فقد تم تغذيتهم وفق طاحونة الدعاية، واحتفلوا ببيان اللجنة وزعموا أن السفينة قد أعيد تعويمها، حتى أنهم حاولوا إثبات ذلك بصور الأقمار الصناعية، على الرغم من أن الصور نفسها لا تزال تظهر السفينة في مكانها.
ونوه بأن سلطات الانقلاب أخفت الحقيقة عن الشاحنين الدوليين، ونقلت شركة الخليج مصر للنقل البحري عن هيئة الشحن السعودية قولها إن سفينة الحاويات التي تقطعت بها السبل في القناة لأكثر من يوم قد أعيد تعويمها جزئيا وتقف إلى جانب الرصيف، وأن حركة المرور ستستأنف قريبا، وقد تم تغذية نفس القصة إلى قائمة لويدز، التي أفادت برؤية رسالة إلكترونية من الشركة المصرية أرسلت إلى جمعية مالكي السفن الصينيين: "ما زلنا ننتظر معلومات مؤكدة عن اتجاه القطر، ستعود القوافل وحركة المرور إلى طبيعتها في غضون فترة قصيرة جدا بمجرد سحب السفينة إلى موقع آخر"، استنادا إلى المعلومات التي قدمتها وكالة سكا مباشرة في وقت مبكر من يوم الأربعاء.
وفي يوم الخميس، بعد يومين من بدء الفوضى، أعلنت اللجنة رسميا تعليق الملاحة.
وأكد أن حكومة السيسي متمرسة على الكذب، وتكذب على شعبها كل يوم، ولكنها، في أوقات الأزمات، تمارس الكذب أيضا على المجتمع الدولي. مشيرا إلى أنه عندما تم إسقاط طائرة ركاب روسية في عام 2015 من قبل صاروخ من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بعد 23 دقيقة في رحلة من شرم الشيخ إلى سانت بطرسبرج، ألغت روسيا والمملكة المتحدة على الفور جميع الرحلات الجوية إلى منتجع البحر الأحمر.
وأصدرت هيئة الطيران المدني المصرية تقريرا أوليا زعمت فيه عدم وجود دليل على أن الطائرة قد أسقطت بفعل إرهابي، وعزت الحادث إلى خطأ فني، وكان سبب النفي واضحا: أن شرم الشيخ جزء لا يتجزأ من صناعة السياحة في البلاد، استغرق الأمر من السلطات أكثر من ثلاثة أشهر للاعتراف بأن الطائرة قد أُسقطت بصاروخ أطلقته ولاية سيناء، التي أعلنت ولاءها لتنظيم "داعش".
درسان قاسيان
ولكن من الصعب الاستمرار في الزعم بأن سفينة بحجم سفينة "إيفرجرين" أصبحت عائمة، في حين أنه من الواضح جدا أنها تغلق مجرى القناة.
وأكد أن أزمة قناة السويس أعطت العالم درسين قاسيين، الأول مدى أهمية القناة ومصر التي لا تزالان تمثلان أهمية كبيرة بالنسبة للشحن الدولي، ومدى الأوضاع الكارثية وغير الكفؤة التي يتم فيها إدارة كل منهما، وبعبارة أخرى، فإن عدم كفاءة ديكتاتورية السيسي ليست مجرد مسألة اهتمام دولي بقضايا حقوق الإنسان وسيادة القانون، بل إن عدم كفاءة السيسي يهدد ممرا مائيا دوليا رئيسا.
وتابع:"في المستقبل القريب، لم يكن من الممكن أن تحدث أزمة السويس هذا الأسبوع في أسوأ لحظة، وهو يعزز اهتمام دول الخليج المنتجة للنفط والغاز باستكشاف سبل تجاوز القناة من خلال توجيه منتجاتها عبر إسرائيل، وقد أدت صفقة التطبيع الإماراتية مع إسرائيل إلى موجة عارمة من العقود والمشاريع، كل منها يشكل تهديدا وجوديا لاحتكار مصر لهذا الممر".
وسواء من خلال خط أنابيب مهمل منذ فترة طويلة بناه شاه إيران، أو كابل إنترنت جديد أو خط سكة حديد، أو حتى قناة عبر صحراء النقب – لا يمكن إعطاء دفعة أكبر لإيجاد سبل لتجاوز قناة السويس ومصر أكثر من رد الفعل المصري على حادث بهذا الحجم.
حكم السيسي الكارثي
وأكد هيرست أن هناك الآن نمط واضح من الانحدار والكوارث لحكم السيسي، وفوق كل القضايا الأخرى التي تورط فيها في بلاده – دعم الجانب الخطأ في ليبيا، ومطاردة الإخوان المسلمين في الداخل والخارج – كان لدى السيسي حقا أمران وجوديان للقلق بشأنهما، لقد فشل في كليهما، الأول كانت قناة السويس؛ والثاني هو الحفاظ على مستويات المياه في نهر النيل، مضيفا أن السيسي سخر من الرئيس محمد مرسي لإثارة المخاوف بشأن السد الذي كانت إثيوبيا تبنيه في عام 2012، ورتب لتسريب اجتماع خاص لإحراجه.
وأردف:"بدلا من تركيز موارده الضئيلة على القضيتين اللتين تهمان بلاده حقا، قضى السيسي كل وقته مهووسا بصورته، ويمكن رؤية نافذة كاشفة على الأولويات الحقيقية للسيسي في السنوات التي أدار فيها مصر إلى أرض الواقع في السجل الرسمي لجماعات الضغط العاملة لصالح الحكومة المصرية، الذي تم إيداعه لدى وزارة العدل الأمريكية بموجب قانون تسجيل الوكلاء الأجانب.
ويكشف تحقيق أجرته مجموعة من الصحفيين المصريين في ساسة بوست عن هذه السجلات الرسمية كيف أن عملية الضغط في واشنطن قد تجاوزت الحدود بعد مذبحة رابعة عام 2013 وتعليق 260 مليون دولار من المساعدات العسكرية الأمريكية، وهو جزء صغير من إجمالي حزمة 1.3 مليار دولار.
دفعت حكومة السيسي لمجموعة جلوفر بارك 250 ألف دولار شهرياً للضغط على كبار أعضاء الكونجرس الذين عارضوه، مثل عضوي مجلس الشيوخ ليندسي جراهام والراحل جون ماكين، وأمضى جلوفر بارك عامين في العمل على جراهام حتى عكس موقفه، وفقا لما ذكره ساسة بوست، وبين عامي 2013 و2019، ودفع السيسي لهذه الشركة وحدها 13.25 مليون دولار – وهو ثمن ضخم في سوق لوبي واشنطن.
تبييض النظام
ما هي مخاوف مصر في واشنطن؟ تبييض صورة السيسي، واستهداف اليمين الأمريكي وأنصار إسرائيل، والتركيز على "الحقوق الدينية"، مع اقتراب دخول جو بايدن إلى البيت الأبيض، وبعبارة أخرى، كل ما أنفق السيسي أمواله عليه كان عن صورته، لم يكن لأي من هذا أي علاقة بما يهم بلاده حقاً.
ومن الشائع الآن أن نسمع أن مصر دولة فاشلة – دولة تَخذل مواطنيها، دولة لديها موارد مستنفدة، واقتصاد ضعيف نهبه الجيش المصري، ومستويات متزايدة من الفقر تؤثر على عشرات الملايين من الناس، ومع ذلك، لم يستيقظ المجتمع الدولي بعد على حقيقة أن السيسي يشكل خطراً ليس فقط على شعبه وبلده ولكن أيضاً على التجارة الدولية والاستقرار، وربما سفينة كبيرة محشورة في مساحة ضيقة ستفعل ذلك.
https://www.middleeasteye.net/opinion/suez-canal-sisi-danger-not-only-egypt-world