في محاولة لاستشراف مستقبل التعليم في مصر ، للوقوف على أفق أزماته ومحاولة تسليط الضوء عليها، أعدت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية تقريرا، سيصدر خلال أيام، بعنوان «حقائق عن التعليم في مصر»، تزامنًا مع نظر محكمة القضاء الإداري، السبت المقبل، الدعوى التي أقامتها «المبادرة» لإلزام الحكومة برفع الإنفاق على التعليم.
في إجابته عن سؤال «أين نحن من العالم؟» أشار التقرير إلى موقع مصر على مؤشر رأس المال البشري، الصادر عن البنك الدولي، وهو مقياس موجز لمقدار رأس المال البشري الذي يُتوقع أن يحصلّه الطفل المولود اليوم عند بلوغه 18 عامًا، في ضوء مخاطر سوء ظروف الرعاية الصحية والتعليم السائدة في البلد الذي يعيش به.
وتحتل مصر موقعًا متأخرًا على المؤشر، مقارنة بالدول العربية، وكذلك بمتوسط منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وأيضًا مقارنة بالمتوسط العالمي. فضلًا عن أن بيانات البنك الدولي تشير إلى عدم حدوث أي تحسن في بيانات مصر بين 2018 و2020م. وبحسب معدي التقرير، فإن السبب في الموقع المتأخر لمصر ضمن مؤشر رأس المال البشري، هي المؤشرات الفرعية المرتبطة بالتعليم لا بالصحة.
وبحسب المؤشر، فمن أصل 14 عامًا يفترض أن يقضيها الطالب في التعليم قبل الجامعي، كانت سنوات التعليم المتوقعة في مصر 11.5 فقط، ما يعني تسرب الطالب من التعليم قبل إتمامه، في حين سجّلت 6.5 سنة فقط كمقدار تعلّم فعلي، وهو قدر التعليم الذي حصل عليه الطلاب فعليًا من السنوات الـ14. كما حصل الأطفال في مصر على درجة متدنية في اختبار قياسي للتحصيل الدراسي، موحد على مستوى العالم، في الصف الرابع الابتدائي، إذ لم تتجاوز درجاتهم في المتوسط 356 درجة من أصل 600 درجة.
ومن ناحية أخرى، استخلصت «المبادرة المصرية» في تقريرها، أن نقص التمويل الموجه للتعليم في مصر يقترن بسوء توزيع الموارد، بناءً على توزيع الإنفاق الحكومي على التعليم في المحافظات، وعلى عدد الطلاب في تلك المحافظات بعد استبعاد موازنات الإدارات المحلية للتعليم والجهاز الإداري لوزارة التعليم.
وعن نقص التمويل وخلل التوزيع بين المحافظات»، أرجعت سلمى حسين التفاوت الكبير في متوسط نصيب الطالب سنويًا من الإنفاق على التعليم بين المحافظات، إلى التفاوت بين المحافظات من حيث الكثافة السكانية غير المتناسبة مع توزيع الإنفاق الحكومي.
وفضلًا عن سوء توزيع الموارد بين المحافظات، رصدت «المبادرة المصرية» ما قالت إنه سوء في توزيع الموارد بصورة عامة، بين الجهاز الإداري (الوزارة وما يتبعها من أجهزة) من ناحية، والمدارس من ناحية أخرى، فعلى سبيل المثال «كان نصيب ديوان الوزارة من إجمالي الميزانية عام 2018/2019: 5.9 مليار جنيه = مخصصات مدارس القاهرة كلها (1.4 مليون تلميذ)»، حسب التقرير.
وكان المحامي في «المبادرة المصرية» علاء فاروق، أقام دعوى رفع الإنفاق على التعليم، مستندًا إلى كونه ولي أمر تلميذة في مدرسة حكومية بمحافظة الجيزة، وهو ما منحه وضع «صاحب مصلحة»، الذي يسمح له بإقامة الدعوى، وتستند الدعوى إلى دستور 2014، الذي يلزم الحكومة بإنفاق ما يوازي 4% من الناتج القومي كحد أدنى على التعليم قبل الجامعي بدءًا من العام 2017/2016، وهو ما لم تلتزم به الحكومة، إذ رصدت «المبادرة» انحدارًا كبيرًا في الإنفاق على التعليم؛ من 5.6% من الناتج المحلي عام 1982، إلى 4.6% عام 1994، قبل أن يرتفع إلى 4.8% عام 2005، لينخفض مجددًا إلى 2.1% عام 2020/2019.
فيما أعلن عدد من الشخصيات العامة استعدادهم الانضمام للدعوى القضائية، من ضمنهم عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، جورج إسحق، ورئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، مدحت الزاهد. وأضافت أن «المبادرة» ستضم لأوراق الدعوى تصريحات سابقة لوزير التعليم يعترف فيها بضعف الإنفاق على التعليم.
وكان السيسي قد تحدث عن التعليم في مصر عند انقلابه العسكري قائلا، ايه يعمل التعليم في وطن ضائع؟ وعندما تحدث السيسي عن حقوق الإنسان في فرنسا، قال إن مصر ليس بها تعليم وليس بها صحة! وسعى الانقلاب العسكري لتجسيد مجتمع الـ50% عبر اعتماده سياسات العسكرة في التعيينات والوظائف والمناصب الحكومية والعليا.
ومنذ تعيين السيسي لطارق شوقي وزيرا للتعليم، ويمارس سياسات التدمير للمناهج والنظام التعليمي في المدارس، سواء عبر التسريب للامتحانات، والامتحانات غير المنضبطة بالمناهج وتقليص المخصصات التعليمية وتدمير المدارس. وعلى الرغم من الممارسات التدميرية لوزير التعليم، سبق وأن طالب شوقي من المالية تخصيص مبلغ 11 مليار جنيه لتطوير منظومة التعليم وأن عدم التخصيص يعني تدمير التعليم، وهو ما قوبل باستهجان من الأجهزة المخابراتية التي عنفت الوزير وأخضعته لتوجهات السيسي للتقشف الحكومي، وهو ما صب به طارق شوقي المزيد من رفع المصروفات الدراسية على الطلاب وتقليص مكافات ومنح المعلمين ورواتبهم، ووقف التعيينات في السلك التعليمي ما فاقم من أزمات التعليم.