عصام نعمان يكتب: ينادون بمطالب وأهداف ولا يوضحون كيف يحققونها؟

- ‎فيمقالات

ينتفض اللبنانيون، أفراداً وجماعات، منذ 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019  منادين بشعارات ومطالب وأهداف متعددة. أكثر الشعارات تطرفاً هو: «كلن يعني كلن» ما يعني إقصاء كل اطراف المنظومة الحاكمة عن السلطة. أقلّها تطرفاً هو : «حكومة انتقالية بصلاحيات اشتراعية» ما يعني تشكيل حكومة من أهل السلطة، على أن يقوم مجلس النواب بمنحها سلطات اشتراعية لمدةٍ محدودة، من أجل تحقيق إصلاحات مرتجاة.
مضى 17 شهراً على انتفاضة 17 أكتوبر التي تحوّلت إلى انتفاضات متعددة الألوان والأحجام والمطالب، من دون أن يوضح ايَّ منها طريقاً أو نهجاً لتحقيق ما ينادي به من مطالب وأهداف، باستثناء إجراء انتخابات نيابية مبكرة.
ثمة مشتَرَك وحيد بين مختلف أطراف الانتفاضة (بل الانتفاضات) هو الضغط على المنظومة الحاكمة لإجراء انتخابات مبكرة، بمعنى أن أهل السلطة جميعاً: رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة، ومَن يتبعهم من نواب ووزراء مطالَبون بالموافقة على إلغاء أنفسهم، أو أقلّه التخلي عن سلطاتهم ونفوذهم، بإجراء انتخابات نيابية قد تُسفر عن فوز معارضيهم، وتمكينهم من الحلول محلهم في مراكز السلطة.
قد يقول قائل: من الطبيعي أن يطالب المنتفضون أهل السلطة بإجراء انتخابات، لأن لبنان بلد ديمقراطي، ولا يجوز اللجوء إلى طريقة غير ديمقراطية لتغيير الحاكمين مخافة اندلاع حرب أهلية. حسناً، لكن هل يتوقع المنتفضون فعلاً رضوخ أركان الشبكة الحاكمة والمتحكّمة، منذ الاستقلال سنة 1943 وتخليهم عن السلطة بانتخابات من دون الحرص، كما في كل العقود والعهود، على إجرائها بموجب قوانين للانتخاب مخالفة للدستور، تُطبخ بإتقان لضمان إعادة إنتاج الشبكة الحاكمة بكل أطرافها وأركانها ووكلائها وجلاوزتها؟ إذا افترضنا جدلاً أن أركان المنظومة الحاكمة رضخوا للضغط الشعبي، ووافقوا على إجراء انتخابات مبكرة، فهل ميزان القوى السائد، وسط ظروف أمنية مضطربة، وتهديدات إسرائيلية فاجرة بشن عدوان على لبنان واللبنانيين، لا يوفّر المدنيين بل يتقصّد إيذاءهم، وتدخلات خارجية في الشؤون الداخلية متعددة ومتناقضة… هل كل هذه العوامل والمخاطر تتيح لأهل السلطة إجراء انتخابات حرة ونزيهة، يُحقق فيها المنتفضون إصلاحاتهم المرتجاة؟

أياً ما كان الجواب، فإن القوى الوطنية الديمقراطية والتقدمية، مُطالبة بأن تقوم بلا إبطاء بإجراء دراسة معمّقة لحاضر البلاد، التي اعترف أحد كبار الدبلوماسيين الأجانب عندنا بأن «قادتها يرقصون على حافة الهاوية». لعلها، إذا فعلت، تكتشف أن الأزمة المزمنة التي يعانيها لبنان، سببها الرئيس فساد إدارة التنوع وبالتالي استفحال ظاهرة الإرهاق التعددي في مفاصل المجتمع، الأمر الذي يستوجب تعزيز المشتركات في المجتمع والعلاقات الاجتماعية. يتحصّل في ضوء ذلك كله وجوب وضع برنامج مرحلي متطور للنهوض والبناء على الأسس الآتية:
أولاً: تسريع الجهود لعقد مؤتمر وطني للقوى الوطنية والديمقراطية والتقدمية، ليتشكّلً في إطاره إئتلافٌ عريض لهذه القوى وغيرها من المشاركين المستقلين، تنبثق منه هيئة قيادية، فإدارة صراع طويل النَفَس محوره تعبئة كتلة شعبية وازنة تضطلع بمهمة بناء دولة المواطنة المدنية الديمقراطية.
ثانياً: ممارسة الضغوط الشعبية لتشكيل حكومة انتقالية وطنية للإنقاذ، من خارج المنظومة السياسية والاقتصادية المسيطرة، تتألف من شخصيات واختصاصيين مستقلين وتتبنى أولويات الانتفاضة الشعبية في مرحلتها المتقدمة وأبرزها:
(أ) تشكيل هيئة للتدقيق المحاسبي والمالي والجنائي، في حسابات مصرف لبنان وهندساته المالية، والمصارف وحسابات الدولة، تتألف من قضاة ديوان المحاسبة ونقباء خبراء المحاسبة، بالإضافة إلى شركة تدقيق لبنانية موثوقة، وتكليف هذه الهيئة التحقيق في الأموال المنهوبة والمهرّبة إلى الخارج، وإحالة المخالفين على محكمة خاصة لمحاكمتهم.
(ب) تصفير الفوائد على الدين العام، وتصفير الضرائب على المواطنين، ورفض شروط صندوق النقد الدولي لفرض ضرائب جديدة وخصخصة مرافق عامة.
(جـ) تأهيل وتطوير المرافق العامة، والبنى التحتية العائدة للكهرباء والمياه والاتصالات والبيئة، لتأمين الخدمات المطلوبة.
(د) تحديد سعر صرف العملات الأجنبية بالنسبة لليرة اللبنانية.
(هـ) استرداد الأملاك العامة البرية والبحرية والنهرية، وجباية المستحقات من محتليها وملاحقتهم.
(و) إلغاء ودمج الإدارات والمؤسسات العامة على قاعدة جدواها الاقتصادية، واعتماد الكفاءة والنزاهة والاختصاص في الوظيفة العامة.
(ز) إقرار قانون السلطة القضائية، بما يكفل استقلالية القضاء وتأمين العدالة.
ثالثاً : تشريع قانون للانتخابات يؤمّن صحة التمثيل الشعبي وعدالته، وفق الإجراءات الآتية:
(أ) يدعو رئيس حكومة الإنقاذ بالتعاون مع مجموعة من أهل الاختصاص في صفوف القوى الأهلية اللبنانية الحيّة، وتنظيمات المجتمع المدني المستقلة والوازنة إلى اجتماع للتوافق على مشروع قانون للانتخابات، يراعي أحكام الدستور، ولاسيما المادة 22 (مجلس نواب على أساس وطني لاطائفي ومجلس شيوخ لتمثيل الطوائف) والمادة 27 («عضو مجلس النواب يمثل الأمة جمعاء» ما يستوجب الدائرة الوطنية الواحدة) والمادة 95 («إلغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية») وخفض سن الإقتراع إلى الثامنة عشرة، تجاوباً مع الإصلاحات المنصوص عليها في وثيقة الوفاق الوطني (الطائف) وغيرها من المبادرات الإصلاحية، بما يؤدي إلى الانتقال الفعلي من الجمهورية الأولى إلى الجمهورية الثانية.
(ب) إقرار مشروع قانون الانتخابات الديمقراطي المتوافَق عليه في مجلس الوزراء وإحالته على مجلس النواب بصفة المعجّل، سنداً للمادة 58 من الدستور لإقراره حسب الاصول. وإذا امتنع المجلس أو أخفق في إقراره لأيّ سبب كان، بعد مضي أربعين يوماً من طرحه على المجلس، من دون أن يبتّ به، تقوم الحكومة بإصدار مرسوم في مجلس الوزراء يقضي بتنفيذه.
(جـ) إجراء انتخابات عامة وفق مشروع قانون الانتخابات آنف الذكر، بغية توليد أول مجلس نواب يؤمّن صحة التمثيل الشعبي وعدالته، فيشكّل بحدّ ذاته مؤتمراً تأسيسياً لإعادة بناء لبنان دولةً ووطناً.
ليس كثيراً على القوى الوطنية الحيّة، كما على المستنيرين من أهل القرار، اعتماد هذا النهج الديمقراطي الهادف، خلال مرحلةٍ انتقالية للوصول إلى المؤتمر التأسيسي كمخرج آمن من حال الاستعصاء التي تأسر البلاد والعباد؟

……………………………………….
كاتب لبناني

نقلا عن "القدس العربي"