يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف

- ‎فيمقالات

خلال الفترة الأخيرة زادت معدلات الفقر بشكل ملحوظ لأسباب عدة، ليس آخرها تفشي وباء كورونا، وما أحدثته الجائحة من خسائر فادحة للجميع، دول، اقتصادات وطنية، أنشطة مختلفة، مؤسسات وشركات. وأخيرا الأفراد الذين كانوا حطب وقود هذا الوباء القاسي وأكبر المتضررين من خطر الجائحة، بسبب الأضرار المادية الكبيرة التي لحقت بهم جراء فقدان فرص العمل وزيادة البطالة وتراجع الدخول، وخسائر المؤسسات التي يعملون بها، وكساد تجارتهم، وتراجع مبيعات التجار والمزارعين والصناع منهم.

لكن معدل الفقر زاد بشكل أكبر مع انتهاج معظم الحكومات داخل دول المنطقة سياسة "النيوليبرالية" المتوحشة وبتعليمات من صندوق النقد الدولي، المانح الأول للقروض الخارجية، وهي السياسة التي تدهس الفقراء والعمال لصالح الأثرياء وموازنات الدول.

فقد واكبت هذه السياسة زيادات قياسية وغير مسبوقة للأسعار، بما فيها السلع الغذائية والتموينية، وامتدت تلك الزيادات إلى رغيف الخبر، طعام الفقراء الأساسي، سواء بزيادة سعره مباشرة أو خفض وزنه.

كما واكبها خفض كبير في الدعم الحكومي المقدم لسلع أساسية، مثل الوقود من بنزين وسولار وغاز طبيعي، ما ترتبت عليه زيادات في الأسعار لم يعد لدى غالبية المواطنين القدرة على تحملها.

كما زادت فواتير النفع العام من كهرباء ومياه ومواصلات عامة واتصالات بشكل قياسي، وواكبت كل ذلك زيادات غير مسبوقة في الرسوم الحكومية والضرائب وفرض أنواع جديدة من الضرائب، منها القيمة المضافة والضريبة الانتقائية.

في ظل هذه الأجواء الصعبة، تآكلت القدرة الشرائية للمواطن، وضعفت قدرته وحيله على تلبية احتياجاته الأساسية من الأسواق، وقاطع الملايين من المستهلكين المتاجر والمحال رغم توافر السلع فيها وبسعر قد يكون مناسبا.

ومع هذا التآكل، تدحرج الملايين من الطبقة الوسطى المستورة إلى الطبقة الفقيرة، وربما الكادحة أو المًعدمة والأشد فقراً التي تواجه صعوبة في تدبير وجبة غذاء واحدة في اليوم وليس ثلاث وجبات.

خذ على سبيل المثال هذه الشرائح الكبيرة من الفقراء، مثل قاطني المناطق الريفية والتجار الجائلين والعمالة المنزلية والعمالة الموسمية غير المنتظمة والعاملين في قطاع البناء والتشييد، والذين انقطعت دخولهم بسبب إجراءات الحظر المفروضة بسبب تفشي وباء كورونا.

ضف إليهم المزارعين والأرامل والمطلقات، بل وضف إليهم معظم موظفي الحكومة والعاملين في الجهاز الإداري بالدولة والقطاع العام، وهي الشريحة التي تآكلت قيمة دخولهم بسبب تضخم الأسعار وغلاء المعيشة وضعف قيمة العملة.

الملايين من هؤلاء وغيرهم أغلقوا الباب على أنفسهم وفضلوا الاحتماء بفضيلة الستر رغم صعوبة المعيشة وغلاء الأسعار وقلة ذات اليد، ولم يشكوا حالهم المادي الصعب لأحد.

لا يسألون الناس إلحافا ومساعدة، لم يتسولوا، وربما منعتهم عزة نفسهم حتى من الاقتراض والسلف من الغير، ولذا فإن الجاهل بأمرهم وحالهم المادي يحسبهم أغنياء من التعفف وعزة النفس والاختباء وراء أبواب مغلقة.

هذه الفئة العفيفة هي الأحق بالمساعدة من قبل الميسورين حالا وأصحاب القدرة، وعلينا البحث عنهم لمساعدتهم وتقديم يد العون لهم دون خدش حيائهم وتعريض سمعتهم للخطر والتجريح، دون ضوضاء تزعج كرامتهم التي يحرصون على صونها، أو فضحهم وتصويرهم في الإعلانات المنشورة في وسائل الإعلام للدعاية للجهة المتبرعة، سواء كانت مؤسسة أو رجل أعمال أو باحث عن شهرة ومنصب حكومي أو حزبي.