تجليات انتصار العاشر من رمضان الـ48 وأثره على المتصهينين الجدد

- ‎فيتقارير

تتسبب ذكرى انتصار العاشر من رمضان السادس من أكتوبر عام 73 في صداع نصفى للمطبعين الجدد. وحدهم يظلون جالسين بالبيوت لايخرجون منها حتى تنتهى احتفالات هذا اليوم المهيب، وإن كانت رمزية ببعض الخواطر والصور. وعلى ذلك يبدو الاحتفاء بذكرى النصر الذي تحقق قبل قرابة النصف قرن، أمرا مثيرا للتساؤل حول ماهية العدو وحدود السلام التي تضمن وقف نزيف الدماء، وفي نفس الوقت لا تميع حقائق التاريخ ولا تبخس الدماء التي سقطت في حروب الهزيمة قبل الانتصار.
التحولات التى حدثت فى الأونة الأخيرة في العلاقات العربية-الإسرائيلية قد تتسبب فى انتهاء القضية الفلسطينية. خطورة هذه التحولات، لما تشكله من انكشاف للأمن العربي وإضعاف الموقف الموحد الداعم للقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني.
الكارثة وفق محللين سياسيين ذكروها فى مؤتمر سابق لمناصرة القضية الفلسطينية ومواجهة التطبيع، أن هناك ضغطاً على صمود الدول العربية أمام السيد الأميركي للتطبيع مع إسرائيل وتقوية موقفها في المحافل الإقليمية والدولية، مع التحذير من أن تفتح خطوات التطبيع الباب أمام نشوء نخب أمنية واقتصادية عربية جديدة متناغمة مع إسرائيل، وما لهذا من خطر في تعميق الانقسامات والمشاكل الداخلية في الدول العربية.
رئيس الوزراء الأردني الأسبق طاهر المصري، قال إن ما جرى مؤخراً من اتفاقيات مع إسرائيل من قبل بعض الأنظمة العربية على “مبدأ السلام مقابل السلام” جاء على حساب حقوق الشعب الفلسطيني، لما تمثله هذه الاتفاقيات من دعم للسياسات الإسرائيلية التي تواصل عدوانها على الحقوق الفلسطينية وتتمسك بقانون يهودية الدولة، الذي يشكل حجر الأساس لخطة تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه. واعتبر أن حلّ القضية الفلسطينية هو أساس معالجة أزمات المنطقة والوصول إلى حالة الاستقرار، مضيفاً أن اتفاقيات التطبيع تتيح لإسرائيل الدخول إلى قلب النظام العربي واختراق المجتمعات العربية وبث بذور الفتنة والانقسام بداخلها، إضافة لاستنزاف أموال الدول النفطية تحت مسمى الاستثمار التكنولوجي.

النفوذ الإسرائيلى
فى حين أشار مدير مركز دراسات الشرق الأوسط، بيان العمري، إلى أن منطلقات إسرائيل في بناء علاقاتها مع أي دولة عربية تكمن في زيادة النفوذ الإسرائيلي واختراق العالم العربي ومحاصرته وفق نظرية بن غوريون منذ خمسينيات القرن الماضي، مؤكداً أن تجربة أربعين عاماً من مسار التسوية والمعاهدات بين دول عربية و إسرائيل لم تحقق السلام والاستقرار في المنطقة ولم تحقق مصالح الشعب الفلسطيني. وأوضح أن اتفاقيات التطبيع الأخيرة مع إسرائيل كانت بدوافع أمنية واقتصادية خاصة بالأنظمة الحاكمة؛ مما فاقم من الهيمنة الإسرائيلية في المنطقة، وسهّل الاختراق الإسرائيلي للموقف العربي المتمسك بالمبادرة العربية للسلام، وأثّر على ثقافة جزء من الجيل الجديد في النخبة العربية الحاكمة والنخب الثقافية، خاصة في دول الخليج تجاه الحق الفلسطيني وطبيعة الصراع، الأمر الذي انعكس سلباً على القضية الفلسطينية.

المشروع الصهيونى
أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر، الدكتور فاروق طيفور، النائب السابق لرئيس هيئة الأركان المشتركة في الجيش الأردني، ركز على أهمية التعامل مع إسرائيل ومشروعها الصهيوني على اعتبار أنه تهديد استراتيجي ودائم للأمن العربي والقضية الفلسطينية، ما يستدعي بناء استراتيجية شاملة وبعيدة المدى لاحتواء المشروع الصهيوني ومحاصرته وصولاً إلى إنهائه. وأضاف أن تغييب المواطن العربي عن دوائر صنع القرار وتهميش دوره طيلة العقود الماضية كان له دور كبير في ضعف الأمن العربي وتكريس العديد من الخلافات العربية.
ويؤكد على ضرورة ترتيب البيت الفلسطيني وحل مشكلة الانقسام فيه، وأن هذا الانقسام يفتح الباب أمام تبرير تطبيع العلاقات مع إسرائيل وتغييب الصوت الفلسطيني بحجة انقسامه وعدم وحدة خطابه، مشيرين إلى أن موجة التطبيع الحالية تشكل خطراً مضاعفاً نظراً لتجاوزها للاكتفاء بتهميش القضية الفلسطينية إلى السعي الجاد لتشويه القضية الفلسطينية وتبني الرواية الصهيونية على حساب الرواية العربية.

أكتوبر والمياه
وبالرغم من أن ذكرى انتصار العاشر من رمضان كان بين أهدافه التأثير على مقدرات الشعوب العربية ومن بينها المياه، ليس ببعيد دور إسرائيل في حوض النيل وحقيقة أن إسرائيل الدولة ليست ببعيدة عن سد النهضة أو ما من شأنه أن يكبل مصر ويقلل من قدراتها التنموية حتى ولو قال السيسي إنهم جيران وإنهم يريدون العيش بسلام، والشواهد كثيرة لا مكان لها هنا إلا أن طريقة تعاملهم مع الأراضي الفلسطينية وضم القدس وأراضي شبعا اللبنانية والجولان السورية وأم الرشراش المصرية (إيلات حاليا) يؤكد أنهم متربصون لحظة ما للانقاض على مصر أو جزء من أراضيها (سيناء).
الفكرة الصهيونية الأساسية لقيام إسرائيل كانت ومازالت تتمثل في بناء دولة قوية تمتد من النيل للفرات، مما يدل على أهمية البعد المائي بجانب البعد الجغرافي الذي تتمتع به إسرائيل، ومن بعدها ما جاء فيما قدَّمه هيرتزل، وهو من المؤسسين الأوائل للحركة الصهيونية والذي تفاوض مع اللورد كرومر لتحويل جزء من مياه النيل لسيناء؛ وذلك لتسكين اليهود فيها، كما أنه في أعقاب حرب يونيو اتضحت جليًّا السياسات الإسرائيلية في إثيوبيا؛ للتأثير على توزيع مياه النيل بما يخدم مصالحها، واتضح هذا من خلال تصريح جولدا مائير في أعقاب حرب 1967م بقولها: “إن التحالف مع إثيوبيا وتركيا تعني أكبر نهرين في المنطقة؛ إن النيل والفرات سيكونان في قبضتنا”.