“آسف يا منار”.. رسالة صحفي إلى زوجته تفضح شراسة “الأمن الوطني” وعودة فيلم الكرنك!

- ‎فيأخبار

تماما وكما جاء في سيناريو فيلم «الكرنك» أحد أيقونات الأعمال السياسية في السينما المصرية، حينما طُرد موظف من عمله فقط لأنه والد شاب جامعي انخرط في العمل الطلابي والمظاهرات، بات تدخل الأمن الوطني في مفاصل التوظيف ترقية وفصلا ومنعا من الدرجات العلمية فجا ومفضوحا، وذلك عن طريق التقارير التي يكتبها الزملاء بعضهم على بعض أو عن طريق المخبرين المنتشرين في كل ركن وزاوية من المصانع والشركات وحتى الجامعات.
الحرمان من الترقية والتوظيف وربما الطرد من العمل لا يقف عند معاقبة المعتقل السياسي، بل تخطاه الى معاقبة المقربين منه سواء كان زوجا او زوجة او ابن او حتى والد، وقام “الأمن الوطني” الذراع الباطشة للمخابرات الحربية بحرمان زوجة الصحفي والباحث هشام جعفر، مدير مؤسسة “مدى” للتنمية الإعلامية، من الترقية إلى درجة الاستاذية الجامعية.
ولم يعد فيلم “الكرنك” ملكا لصناعه، بداية من نجيب محفوظ الكاتب الماكر الذي لم يثبت تاريخ انتهاء أي عمل روائي أو قصصي من أعماله الغزيرة، ولكنه استثنى رواية “الكرنك”، فكتب في نهاية صفحتها الأخيرة رقم 119، بعد السطر الأخير “ديسمبر: 1971”، وفي السطر التالي كتب “تمت”.

كرنك السيسي 

التدخل السافر لجهاز الأمن الوطني، “أمن الدولة سابقا” في الشئون الداخلية للجامعات المصرية، عاد كما كان الحال قبل ثورة 25 يناير، ونشرت بعض الصحف منها المصري اليوم، الدستور، والأخبار، خبرا يحتوي على قائمة موجهة من جامعة القاهرة لبعض الجهات الأمنية، منها جهاز الأمن الوطني، تحتوي على أسماء المرشحين لمناصب عمداء الكليات وأعضاء المجمع الانتخابي بجامعة القاهرة.
وتتضمن القائمة ملاحظات على المرشحين ونشاطهم، حيث تضمن التقرير الأمني ثلاثة مستويات من التصنيف، الأول حسب الشعبية، الثاني حسب التوافق مع الإدارة الحالية أو معارضته، أما الثالث فجاء لتصنيف الاتجاهات السياسية والفكرية، وتنوعت التشبيهات بين “إخوانى” ،”ليبرالى” ،”عقلانى” ،”معاكس للإدارة الحالية” ،”يخاف من سطوة الإخوان”، عضوا بحركة “9 مارس”، “محترم”، “ليست له شعبية”،و”ليس له أى اتجاه سياسى”.
يقول الكاتب الصحفي “هشام جعفر”، المفرج عنه حديثا بعد اعتقال دام ثلاث سنوات، في رسالة ألم وحزن تضامنا مع زوجته :” آراها تجلس في ركن بعيد من المنزل وتبكي وتظن أنني لم أرها ولا أشعر بما تعانيه من ألم وحزن على ما بذلته من مجهود لكى تتحصل علي درجة الأستاذية في تخصص يندر توفره في مصر، وتصل إلى درجة علمية يصعب من كان فى ظروفها أن يحصل عليها “.
مضيفا:”ماذا فعلت زوجتى منار لكى تحرم من التعيين في درجتها العلمية لأكثر من ١٦ شهرا حتي الآن؛ سوى أنها وقفت بجواري تدافع عني و تظهر للناس مدي حبي لمصر”؟
وتابع: “ماذا فعلت منار سوي محاولة الحفاظ علي ماتبقي في عيني الوحيدة من ضوء في ظل أوضاع صحية صعبة فى سجن يعرف بسجن الموت؛ سجن العقرب. ماذا فعلت زوجتى التى أخلصت لعملها وطلابها طوال ربع قرن ؟! ماذا فعلت لحرمانها من التعيين في الأستاذية برغم حصولها على الدرجة ؟! ومن صاحب المصلحة في حرمانها من حقها؟! ماذا فعلت سوى الوقوف بجانب زوجها، وهل مناصرة الزوج صارت جريمة في زماننا”؟
وختم “جعفر” رسالته بالقول: ” التعيين في درجة الأستاذية من حق زوجتى الاستاذة الدكتورة منار الطنطاوى. أنا آسف يا منار أنا آسف يا منار أنا آسف يا منار”.
ونقلت صحيفة “المصري اليوم” في وقت سابق، عن “الخبير الأمني” خالد عكاشة، قوله إنه يتم إجراء تحريات حول الشخصية المتقدمة لشغل الوظيفتين عن طريق الأمن الوطني، ويتم تقديم تقرير أمني مفصل حول المتقدم لشغل الوظيفة، بزعم معرفة سلوكه ومدى ارتباطه بجماعات الإخوان المسلمين، التي تصنفها عصابة الانقلاب بـ”الإرهابية”.
واضاف أن مشاركة “الأمن الوطني” ستكون بتقديم معلومات حول الشخص المتقدم في مذكرة معلوماتية، تتضمن مدى تورطه في أي قضايا جنائية أو فساد مالي، ويتم تقديمها للجنة لمساعدتها في الاختيار من بين المتقدمين، مؤكدا أن مهمة عنصر جهاز الأمن الوطني الاستعانة به فنيا ومعلوماتيا، على حد قوله.

مخالفة القانون
فيلم “الكرنك” الذي بات يحاكي واقع المصريين تحت قبضة السفاح السيسي، يحمل في بنائه الفني أسباب بقائه بكامل حيويته، بعيدا عن سياق مرحلة تاريخية اتخذها خلفية لأحداثه وقضيته، ويستمد الفيلم صموده من روح إنسانية تنتصر لآدمية المواطن، وترفض إهانته وإهدار كرامته، وكسر إرادته بترغيب وترهيب يبلغ حد التعذيب والاغتصاب، وهذا ما نجح فيه مخرجه علي بدرخان القادم من تيار اليسار المصري، ومعه مؤلف أشهر الأغاني “الناصرية” صلاح جاهين “المستشار الفني” للفيلم، وبطل الفيلم نور الشريف وغيرهم ممن تصعب المزايدة على إيمانهم بانقلاب 23 يوليو 1952، ولكنه إيمان لا يحول دون انتقاد أخطاء الانقلاب وخطاياه.
ويعاني جعفر من حالة صحية متدهورة جراء فترة اعتقاله، وذلك بسبب إصابته بضمور في العصب البصري وتضخم البروستاتا، وأخلت إحدى محاكم الانقلاب سبيل مدير مؤسسة “مدى” للتنمية الإعلامية الصحفي والباحث هشام جعفر (54 عاما)، بتدابير احترازية.
ويواجه “جعفر” المحبوس منذ 21 أكتوبر 2015 تهم الانضمام إلى جماعة محظورة أسست على خلاف القانون، وتلقي “رشوة دولية”.، ويعدّ حبس جعفر لهذه المدة دون محاكمة مخالفا للقانون، حيث تنص المادة 143 من قانون الإجراءات الجنائية على أن مدة الحبس الاحتياطي لا تتجاوز العامين.
وخلال هذه الفترة لم تفصح النيابة عن أي أدلة على الاتهامين الموجهين له، فضلا عن أنها لم تحدد جهة تقديم الرشوة، وفق تصريحات سابقة لمحاميه، وصنفت لجنة حماية الصحفيين مصر كواحدة من بين أربع دول هي أكبر سجون للصحفيين في العالم، وذلك بحبس 25 صحفيا.
وتوضح تقارير صحفية، استمرار التدخل الأمني في الشئون الداخلية للجامعة، بعد انقلاب 30 يونيو 2013، وادعاء الأجهزة الأمنية بوقف التدخل القمعي بالجامعات، سواء فيما يخص الطلاب أو أعضاء هيئة التدريس، فحين زادت المطالب بفك القبضة الأمنية عن الجامعات المصرية، وتحريرها للمحافظة على استقلالها، ادعت الجهات الأمنية وعلى رأسها جهاز “الأمن الوطني” أنهم لا يمارسون سلطاتهم، ولا يتدخلون بأي شكل في شئون الجامعة، ولكن على مدار السنوات الماضية، ظهرت تقارير صحفية تؤكد تدخل هذا الجهاز تحديدا في الجامعة، مثل تدخله في انتخابات الاتحادات الطلابية.