أحمد أبو زهري يكتب: القدس فوَّضت المقاومة بالرد

- ‎فيمقالات

مجددًا تستعيد القدس قوتها وتحشد الآلاف من المرابطين وتشتبك مع العدو الإسرائيلي في كل الساحات على عكس ما كان يعتقد الصهاينة، من أن الفرصة سانحة "لاقتلاع المقدسيين" من بيوتهم، وطرد وإبعاد العشرات منهم، وفرض واقع مختلف تكون فيه السيطرة والغلبة للمستوطنين، وذلك في أكبر عملية إرهابية منظمة تمارسها حكومة الاحتلال.

والتي بدت وكأنها مهمة عسيرة، أمام صمود المقدسيين والذين نجحوا في إظهار صورة "الفلسطيني البطل" وهو يرابط في ساحات الأقصى ويواصل الليل بالنهار للدفاع عنه، ويمنع إمكانية اقتحامه أو تدنيسه، ويُفشل محاولات التهجير والتطهير العرقي التي تستهدف حي الشيخ جراح.

لكن الجديد في المشهد حجم الهتافات للمقاومة الفلسطينية وبالتحديد لحركة حماس وجناحها المسلح "كتائب القسام" ولقائد أركانها المجاهد محمد الضيف، فيما يشبه بالتفويض للحركة بالتدخل لإنقاذ أهل القدس وحماية المدينة المقدسة من الخطر الداهم، في ظل تنامي العدوان، وزيادة جسامة الجرائم الصهيونية.

هذه الهتافات لطلب النصرة تارة، وللبيعة تارة أخرى، تأتي في ظل تضامن أهلنا في غزة مع قضية القدس، واستنفارهم على كل الصُعد: شعبيًّا، وسياسيًّا، وإعلاميًّا، وعسكريًّا، وحرص المقاومة على أداء واجبها المقدس تجاه قضية تشكل "مركز الصراع"، وقيامها بالتدخل عسكريًّا من خلال قصف مستوطنات الغلاف مع بدء الأحداث وتهديد الاحتلال بالمزيد.

ومع تطور الأحداث فإن المشهد فرض على قيادة المقاومة في غزة التعامل مع الأمر تعامُلًا مختلفًا بحيث يتم "تجاوز المألوف" مع العدو، لذلك جاء تصريح مفاجئ لقائد هيئة الأركان في كتائب القسام "محمد الضيف" يهدد وينذر العدو بأنه إن لم يوقف العدوان عن أهلنا في القدس حالًا فإنه سيدفع الثمن.

تصريح قوي يخرج من "أعلى هرم المقاومة" في غزة بكلمات محدودة لكنه حمل دلالات مهمة تنبئ بأن الأحداث ستأخذ منحى مختلف هذه المرة، وأن التصريح استعداد من القسام لفتح مواجهة كبيرة وقاسية دفاعًا عن القدس، وكأن الضيف يعطي الإشارة لمقاتليه بالاستعداد للدخول في أكبر موجة من العمليات الفدائية بصورها المختلفة.

فخروج تصريح للعلن من قائد هيئة الأركان بهذا الشكل هذا يعني أن "كل الأهداف ستكون تحت النار"، وربما لن يكون الرد ضمن حدود ومستويات محدودة، فالرد على قدر العدوان وبحجم القضية التي يجرى الدفاع عنها، وهذا يتطلب تحقيق أقصى درجات الردع.

فالعدو الإسرائيلي يدرك تمامًا خطر ما تحدث به قائد أركان الجناح المسلح لحركة حماس، ويعلم أن التهديد حقيقي، ويمكن أن يُترجم واقعًا، لقناعة المؤسستين الصهيونيتين: السياسية، والعسكرية بأن الضيف قادر على المساس بالأمن الإسرائيلي، فلديه سجل طويل من العمل الفدائي ضد الاحتلال، ويقف خلفه آلاف المقاتلين المجهَّزين، ويملك من القدرات العسكرية ما يمكنه من تحقيق الردع.

لكن العدو الإسرائيلي ورغم فهمه لمضمون هذا التحذير وإدراكه لخطره على جنوده ومستوطنيه، فإنه حتى الآن يسيء التقدير ويواصل عدوانه على المقدسيين، ولا يلتفت لكل الدعوات لوقف ممارساته بحق المقدسيين وهذا عائد لعدة أسباب منها:

1- رغبته في الاستفادة من الظروف الحالية في الإقليم في ظل ترهُّل النظام الرسمي العربي وهرولة البعض للتطبيع والتقارب مع العدو.
2- حرصه على تغيير واقع القدس وإحكام السيطرة عليها وتمكين المستوطنين على الأرض.
3- عدم وجود موقف حقيقي فاعل من السلطة الفلسطينية تجاه سياسات الاحتلال وبقاؤها في الإطار البروتوكولي دون أي تصعيد.
4- استخدام القدس كأداة لكسب رضى المجموعات المتطرفة والتي تُشكِّل ثقل انتخابي لقيادة الاحتلال السياسية.

وبالتالي فإننا أمام أكثر السيناريوهات تصعيدًا خصوصًا في ظل عدم تراجع حكومة الاحتلال عن عدوانها، وهذا يفرض على المقاومة في غزة الدخول في مواجهة مباشرة مع الاحتلال، حيث صدرت عدد من البيانات لفصائل المقاومة والتي حملت رسائل التهديد، هذا وقد دعت حركة حماس صباح الجمعة في بيان لها المقاومة الفلسطينية للنفير في ظل ما يجري في القدس.

وهذا يؤكد بأن سلاح المقاومة هو السلاح الشرعي الوحيد القادر على رد العدوان في أي بقعة في الأراضي الفلسطينية وما دونه هي أسلحة أعدت لبرامج أخرى لا تحقق مصالح شعبنا، وتُشكِّل خطرًا حقيقيًّا على مقاومته، فقد شاهد شعبنا بأم عينه كيف ساندت قوات الأمن في سلطة رام الله أجهزة الاحتلال في البحث عن منفذ عملية "حاجز زعترة"، في حين لم تقم بأي دور وطني في مواجهة التوغلات والاجتياحات لمدن وقرى الضفة.