مذبحة رابعة بين أكاذيب “الاختيار 2” و لغز الاعتداء على فيلا محمد حسنين هيكل

- ‎فيتقارير

في يوم الفض الوحشي 14 أغسطس 2013م تعرضت فيلا الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل ومكتبته في منطقة برقاش بمحافظة الجيزة لهجوم من عشرات المجهولين الذين عاثوا فيها فسادا وتردد أنهم حطموا بعض المحتويات ونهبوا أشياء أخرى. هيكل شخصية كبيرة فقد كان بمثابة الأب الروجي لكل الناصريين باعتباره الكاتب الخاص جدا للدكتاتور جمال عبدالناصر، وله مؤلفات عديدة ترجم بعضها إلى لغات أجنبية.
وعلى الفور وفي استباق للتحقيقات اتهمت صحف وفضائيات النظام العسكري جماعة الإخوان المسلمين بهذه الجريمة بلا دليل يؤكد صحة هذه الاتهامات سوى إعلان لجنة الثقافة التابعة لمجلس الشوري المنتخب قبل ذلك بأيام قائمة سوداء بأسماء الكتَّاب والصحفيين والإعلاميين الذين دعموا الانقلاب وباركوه، وكان على رأس هذه القائمة اسم هيكل.
وفي الخميس 12سبتمبر 2013م أجرت إحدى المذيعات حوارا مع هيكل وبدا عليها التأثر الشديد لما جرى، لكن الأخطر أن هيكل نفسه تجاوز وقاره المفتعل وتظاهره بالمصداقية وراح يتهم الإخوان المسلمين بالاعتداء على فيلته وقد كانت الجماعة تتعرض وقتها لأبشع محرقة في تاريحها وتواجه موجة من العنصرية والدعاية السوداء لم يعرف التاريخ لها مثيلا، ادعى هيكل أن تعليمات الهجوم على المزرعة ونهب المكتبة صدرت من «رابعة»! ووقتها كتب أحدهم (كاتب ناصري مشهور) « إن التتار الجدد مروا من «برقاش»، البلدة التى تقع فيها المزرعة وإن الإخوان استباحوا الوطن وأشاعوا الجهل والتخلف، وأن من أحرقوا التاريخ فى «برقاش» هم أنفسهم من أشعلوا النار فى الكنائس والمساجد ومن فجروا القنابل فى أجساد الأبرياء ومن زرعوا سيناء بعصابات الإرهاب أعداء الحياة. وتحدث آخر عن غزوة مكتبة برقاش التى ارتكبها أبطال غزوة رابعة العدوية والنهضة، الذين لم يجدوا ما يتأسون به من تاريخ المسلمين سوى غزوات حرق مكتبة الإسكندرية ومكتبة بغداد».
وفي 14 سبتمبر أي بعد محرقة رابعة بشهر كامل، حدثت مفاجأة مدوية؛ فقد نشرت الصحف الحكومية الثلاثة (الأهرام ـ الأخبار ــ الجمهورية) أن أجهزة الأمن فى محافظة الجيزة تمكنت من إلقاء القبض على مرتكبى واقعة إشعال النيران بفيلا هيكل والاستيلاء منها على عدد من الوثائق التاريخية وكذا حرق نقطة شرطة المنصورية. وكان مدير مباحث الجيزة قد شكل فريقا لتحرى الأمر، إلى أن توصل الفريق إلى المتهمين الذين نصبت لهم عدة أكمنة ثم ألقى القبض عليهم بعد تبادل إطلاق النار معهم. فى التحقيق اعترف المتهم عبدالرازق جمال (23 سنة ــ قهوجى) بأنه قرر بالاشتراك مع آخرين إضرام النيران بنقطة شرطة المنصورية وسرقة محتوياتها. كما قام المتهم ومعه آخرون بسرقة محتويات الفيلا التي يملكها هيكل. وعثر بحوزة الرجل على شارتين عسكريتين لرتبة نقيب وعلبتى سيجار خشبيتين ومطواة. وتبين من التحريات أن المتهم محكوم عليه وهارب من 5 قضايا. وقد اعترف بالاشتراك مع المدعو محمد عبدالفتاح عبدالمحسن بسرقة الفيلا وكثف رجال الأمن تحقيقاتهم لضبط الوثائق التاريحية والمقتنيات الأثرية التى استوليا عليها من مكتبة هيكل.
فهل اعتذر هيكل عن اتهامه للإخوان؟ وهل اعتذر الناصريون المتطرفون؟ وهل اعتذرت الآلة الإعلامية للانقلاب عن هذه الاتهامات الباطلة التي جرى نشرها في إطار حملات الشيطنة ضد الإخوان والإسلاميين بشكل عام؟ لم يعتذر منهم أحد حتى يومنا هذا مطلقا.

دروس في الشيطنة

وفي سياق تعليقه على هذه الحادثة وقتها، كتب الكاتب الصحفي فهمي هويدي مقالا بصحيفة الشروق في 15 سبتمبر 2013م تحت عنوان “دروس في الشيطنة”، حيث كتب هويدي ««حين تزامن الهجوم على المزرعة والمكتبة مع فض الاعتصام فإن ذلك اعتبر قرينة عززت التهمة، إذ اعتبر من أصداء الصدمة التى أصابت الإخوان جراء عملية الفض صبيحة ذلك اليوم. إلا أن المعلومات التى نشرت (السبت 14/9) فاجأت الجميع بأن التحقيقات أسفرت عن أبعاد أخرى لم تكن فى الحسبان». وساق هويدي الخبر الذي نشرته الصحف الحكومية قبل ذلك بيوم والذي يؤكد أن من سرق فيلا هيكل واعتدى على قسم شرطة المنصورية هم بلطجية وأرباب سوابق ولا علاقة للإخوان بالحادث من قريب أو بعيد.

وأضاف هويدي « هذا الذى نشرته الأهرام، تكرر بنفس المضمون فى صحيفتى أخبار اليوم والجمهورية، دون الإشارة إلى دور للإخوان فى الجريمة». ويضيف هويدي «حين قارنت ما نشرته الصحف الخمس (الصحف الخاصة)، وجدت أن الإجماع انعقد فيها على أن الذى قاد الهجوم هو القهوجى الهارب من خمس قضايا سرقة، ولاحظت أن الصحف القومية الثلاث لم تشر إلى دور للإخوان فى العملية، الأمر الذى يعنى أن هذه معلومات جهات التحرى والتحقيق. أما الصحف الخاصة «المستقلة»، فإنها تطوعت بتسييس الخبر على النحو الذى سبقت الإشارة إليه. وهو ما ذكرنى بما سبق أن لاحظته فى نشر خبر نهب متحف ملوى، الذى قالت إحدى صحف اليوم التالى بأن الإخوان هم الذين فعلوها، فى حين ذكرت أخرى أن اللصوص وراء العملية. ليست القضية أن يبرأ الإخوان من جريمة نهب مكتبة الأستاذ، لأن ما هو أهم وأخطر هو تلك الجرأة على طمس الحقائق التى لا تهدر أخلاق المهنة فحسب، ولا تروج للأكاذيب فحسب، ولكنها أيضا تشيع بين الناس وعيا زائفا وإدراكا مشوها يخدم الأجهزة الأمنية ويضلل القارئ».
فوضى بتوجيه أمني 

معنى ذلك أنه بالتزامن مع فض الاعتصام كانت أجهزة السيسي الأمنية قد أعدت باقي مخطط الفوضى وهو سيناريو شيطاني قد جرى إعداده بمشاركة أجهزة مختلفة يقوم على توجيه آلاف البلطجية والمسجلين خطر على مستوى الجمهورية للهجوم على أقسام شرطة وكنائس ومنازل بعض المشاهير والأقباط، على أن تتولى الآلة الإعلامية الجبارة للنظام العسكري اتهام الإخوان بهذه الجرائم والتسبب في تلك الفوضى وأعمال العنف والإرهاب؛ حتى يكون لذلك صدى عالميا مدويا يمكن توظيفه لخدمة أجندة الانقلاب وتشويه جماعة الإخوان المسلمين ومن يؤيدون الديمقراطية ويرفضون الانقلاب عليها والسطو على الحكم بأدوات العنف والإرهاب. وحتى يومنا هذا لا تزال الآلة الإعلامية للنظام العسكري تتهم الإخوان في حريق ضيعة هيكل وبعض كنائس الأقباط!. والغريب أن صحيفة “الوطن” المقربة من جهاز المخابرات نشرت في 17 فبراير 2020 تقريرا يتهم الإخوان بحرق فيلا هيكل! وحتى مسلسل الاختيار يتبنى نفس الرواية الأمنية بأن الإخوان هم من أحرقوا كنائس وأقسام شرطة يوم الفض رغم انشغالهم بدفن شهدائهم وعلاج جرحاهم الذين في يوم الفض.
اللافت في الأمر أنه جرى التعتيم على هذه التحقيقات الجادة كما جرى التعتيم على ما أصدرته لجنتا التحقيق في أحداث ثورة 25 يناير، وهي التحقيقات التي أدانت الجيش والشرطة، لكن جرى طمس كل ذلك والترويج للرواية الأمنية التي اعتبرت الثورة مؤامرة. كذلك جرى التعتيم على هذه التحقيقات في حريق فيلا هيكل رغم أنها كان يمكن أن تكشف عمن يقفون وراء هؤلاء البلطجية ومن يوجهونهم لإثارة هذه الفوضى ولحساب من يعملون. التعتيم عليها جرى بأوامر عليها لأن المضي في هذا الطريق كان سيقود إلى أجهزة المخابرات والأمن الوطني ومؤسسات الدولة العميقة التي تقف وراء كل الكوارث التي تحل بمصر. ولا أستبعد أن يكون ذلك قد جرى بتنسيق مسبق بين هيكل وهذه الأجهزة كجزء من المخططات الشيطانية التي جرى طبخها إقليميا لإنجاح الانقلاب على ثورة يناير والمسار الديمقراطي كله، وإقصاء الإخوان والتيار الإسلامي كله من المشهد السياسي؛ وهو ما يلبي الشهورة العارمة للمتطرفين من العسكر والعلمانيين على حد سواء، كما أن ذلك يقدم خدمة كبرى للمشروع الصهيوني في المنطقة، ويمثل ترجمة حرفية لتوجيهاتهم للمستبدين العرب الذين يشنون منذ عقود حرب استئصال بحق الإخوان وحركات المقاومة الفلسطينية على نحو خاص.