إثيوبيا تجر السيسي لاتفاق جديد يعصف بحقوق مصر المائية!

- ‎فيأخبار

من انهيار إلى انحدار إلى تراجعات ورضوخ للإملاءات الإثيوبية، يقود نظام الطاغية عبدالفتاح السيسي مصر إلى فشل ذريع لا يمكن التنبؤ بمخاطره على حياة المصريين، وصحتهم وزراعتهم بل ووجودهم. فمع التخلي عن الخيار العسكري أو التهديد به، والذي كان قد بدأت آثاره تلوح بالأفق السياسي، بإعلانات وتصريحات إثيوبية الشهر الماضي، بالدخول في مفاوضات ومراعاة حقوق دولتي المصب، وعدم الإضرار بهما إلى أن بدأت الإمارات وشياطينها يقودون السيسي ويحذرونه من مغبة التلويح بالعمل العسكري، وانجرار الدبلوماسية المصرية نحو الدعوة لجولة جديدة من المفاوضات والتخلي عن حتى التلويح بالخيار العسكري، بعد سلسلة من المناورات العسكرية المصرية في السودان، واتفاقات مع أوغندا وارتيريا وجنوب السودان، كانت تمثل مصدر ذعر للنظام الإثيوبي، جاءت الانكسارات المصرية متسارعة.

محاصة جديدة للنيل الأزرق
وخلال الفترة الماضية، وبعد مرور نحو أسبوع من عرض المقترح الأمريكي الإفريقي الإماراتي الخاص بإعداد اتفاق مؤقت يحكم عملية الملء الثاني للسد، فإنه لم يتم التوصل لأيّ ضمانات حقيقية لاستئناف التفاوض بالصورة التي ترضي مصر والسودان، وكذلك التي تلبي احتياجات الجانب الإثيوبي المزعومة، ليوافق في مقابلها على استئناف التفاوض في مدى زمني قصير.
وتعمل حاليا مفوضية الاتحاد الإفريقي، بالتعاون مع الكونغو الديمقراطية وعدد من الخبراء الفنيين، على وضع مسودة لصيغة اتفاق مؤقت، وآخر دائم، من حصيلة المناقشات الأخيرة خلال جولة كينشاسا الفاشلة، بحيث يتم الإسراع في توقيعها، بمجرد تلبية الضمانات المطلوبة من الأطراف الثلاثة، والتي ما زالت محل خلاف، خاصة مطلب إثيوبيا بتوازي الاتفاق النهائي على قواعد الملء والتشغيل مع وضع محاصصة جديدة لمياه النيل الأزرق. وكانت إضافة هذه المسألة للاتفاق، من الأمور التي رفضت مصر والسودان التطرق إليها في المفاوضات تحت رعاية الولايات المتحدة بين عامي 2019 و2020، لكن إثيوبيا استمرت خلال التفاوض، تحت لواء الاتحاد الإفريقي نهاية العام الماضي، بما حمله بيان قمة يوليو الماضي، من عناصر، بما في ذلك الاعتراف بعمل حساب للتطورات الجديدة على النيل الأزرق، تماما كتمسكها بالتفسير الحرفي لاتفاق المبادئ الموقع في 2015.
وفي ذلك الوقت، أعلنت الرئاسة المصرية أنه "سيتم لاحقا العمل على بلورة اتفاق شامل لكافة أوجه التعاون المشترك بين الدول الثلاث فيما يخص استخدام مياه النيل"، فيما اعتُبر ارتدادا كبيرا عن موقف مصري ثابت ضد الخطة الإثيوبية لإعادة المحاصصة. الأمر الذي فسرته المصادر الفنية والدبلوماسية المصرية بأنّ "إثيوبيا اشترطت للمضي قدما في المفاوضات للوصول إلى اتفاق كامل بشأن قواعد الملء والتشغيل، أن يتم الاتفاق أيضا على خطة جديدة للتعاون في الاستخدام المنصف والعادل لمياه النيل الأزرق، أي بين مصر والسودان وإثيوبيا فقط، والانعكاس المباشر لهذا الأمر هو إلغاء جميع الاتفاقيات السابقة لتقسيم المياه بين دولتي المصب، خاصة اتفاقية 1959 التي سيفرغها سد النهضة عمليا من مضمونها.

امتناع صيني
وعلى إثر العشوائية السياسية والوهن الدبلوماسي، فشلت الاتصالات المصرية والسودانية مع الصين مؤخرا في إطار البحث عن ضغوط سريعة على إثيوبيا، بالتوازي مع المحاولات الأميركية لاستئناف مفاوضات الاتفاق على قواعد الملء والتشغيل، وهو ما يعني أن بكين ما زالت ثابتة على موقفها الرافض لتدويل القضية في الجمعية العامة للأمم المتحدة أو مجلس الأمن، واستعدادها لتقديم "دعم فني" لمسار التفاوض الذي يقوده الاتحاد الأفريقي فقط، بحجة "إيمان الصين بأنّ الحلول الإفريقية هي المناسبة للقضايا القارية المشتركة".
وبذلك تكون الصين قد كررت امتناعها عن ممارسة أي ضغط على إثيوبيا للموافقة على استئناف التفاوض البناء. ويأتي موقف بكين برفض تحرك مجلس الأمن في القضية، من منطلق الحفاظ على استثماراتها في السد، ومنع المجلس من التدخل في صراعات المياه، ارتباطا بمنازعات خاصة بها مع دول أخرى.
وعلى الرغم من إعاقة الصين طرح مشروع القرار المصري، المدعوم أمريكيا لإلزام إثيوبيا باستئناف المفاوضات ومنع الملء الأول المنفرد للسدّ العام الماضي، وعدم ممارسة أي ضغط يذكر على الإثيوبيين. وقد منع هذا الأمر دولتي المصبّ من قبول عرض بكين بدخولها كوسيط مستقل، لمحاولة تقديم حلول وسط بين الجانبين، على أن يتم إعدادها بواسطة اختصاصيين فنيين تابعين للحكومة الصينية، إذ فضلت مصر آنذاك إرجاء خطوة التدخل المباشر بهذا الشكل إلى ما بعد انتهاء المفاوضات برعاية الاتحاد الإفريقي.

دعم فني لتجاوز الآثار!!
غير أنّ الصين، بحسب مصادر فنية بوزارة الري ، تعهدت أخيرا بتقديم "كل المساعدات اللازمة" لدعم جهود مصر في معالجة المياه، ورفع كفاءة تحلية المياه، وإعادة استخدامها، وتحسين جودة مياه النيل ذاتها، من خلال جلب منظومات جديدة للتعامل مع أشكال من التلوث المتوقع دخولها على مياه النيل، للمرة الأولى، جراء تغيرات عدة ستحدث على منظومتي الري الإثيوبية والسودانية بسبب السد، بما سيغير الطبيعة البيئية للمياه الواصلة إلى بحيرة ناصر. وأكدت المصادر أنّ التقارير الفنية لا تتحدث فقط عن خروج آلاف الأفدنة من الرقعة الزراعية على مراحل، ربما تبدأ في العام المقبل، ولكن أيضا عن الإنفاق المالي الضخم الذي يجب على مصر الاستعداد له لعلاج نتائج التطور الذي سيطرأ على استخدامها للأغراض الزراعية والصناعية والتنموية في كلّ من إثيوبيا والسودان، من استخدام مكثف للمبيدات وزيادة كميات الصرف الصناعي والزراعي في حوض النيل.
وبحسب المصادر، فإنّ هناك بالفعل مشاريع من ضمن حزمة التعامل مع آثار سد النهضة، ليست فقط ضخمة بالنسبة لمشاريع منظومة المياه المصرية الحالية، بل هي غير مسبوقة، لأنّها تتعامل مع واقع جديد لم تخبره مصر من قبل. لكن هناك دولاً عدة لها خبرات في التعامل معها كالصين. ومن ناحيتها ترى الأخيرة أن هذه فرصة لن تتكرر كثيرا لزيادة تأثيرها الاقتصادي، وتعميق مستوى التعاون مع جميع الدول الرئيسية بحوض النيل.
وفي هذا الإطار، أوضحت المصادر الفنية أنّ وزارة الري بدأت التعاون مع الصين في مجالات علمية مختلفة، كالأدوات المتقدمة لحساب البصمة المائية، وإعادة استخدام مياه الصرف الزراعي بطرق غير معتادة في الشرق الأوسط، وتحسين البيئة النهرية وتخفيض الهدر العام للمسطحات المائية.
وعلى الرغم من موقف الصين الداعم للسدّ وإثيوبيا، فهي ما زالت الدولة الأكثر تجاوبا مع الاتصالات المصرية والسودانية في إطار البحث عن وسائل لتلافي الأضرار عمليا، استكمالا للاتصالات التي أجريت بين القاهرة وبكين، تحديدا منتصف العام الماضي، عقب الملء الأول، لاستكشاف ما يمكن للصين تقديمه لحلحلة الأزمة، بالضغط على الجانب الإثيوبي، أو بتقديم مساعدات "كبيرة" لمصر لمساعدتها على منع وقوع الأضرار المتوقعة، بما لها من خبرات طويلة في التعامل مع قضايا الأنهار. ويأتي الدعم الصيني الشفهي، والمقترحات الإيجابية الصينية،ضمن رغبة القيادة الصينية في عدم التفريط بعلاقاتها بالقاهرة والخرطوم.