أزمة دير وادي الريان.. هشاشة الدولة أمام الكنيسة أم خوف من غضب الغرب؟

- ‎فيتقارير

بعد أيام من بيان موجه للغرب، في 3 مايو الماضي"2021"م، تحدثت فيه وزارة الخارجية بحكومة الانقلاب عن عدد الأديرة والكنائس التي جرى تقنينها في عهد الدكتاتور عبدالفتاح السيسي، والتي وصلت لنحو 1882 كنيسة، منها ما كان مخالفا وغير مراعي للاشتراطات المتعلقة بدور العبادة، وبعد ساعات قليلة من تشريع مجلس نواب السيسي لقانون يستبيح الاستيلاء على أموال الوقف الاسلامي وضمه لخزينة الدولة وإشراكه في تنفيذ مشاريع الدولة والمشاريع المتعطلة، دون المس بالوقف المسيحي من قريب أو بعيد، جاءت أزمة دير وادي الريان، لتؤكد إصرار قطاع من القيادات الكنسية على العمل خارج إطار الدولة، والتزام مسار خاص بالكنيسة وعلى الدولة عدم تجاوزه، سواء أكان الدافع هو محاولة استثمار العلاقة الحميمة التي تجمع السيسي بالكنيسة، أو محاولة سداد فواتير قدموها للسيسي عبر سنوات انقلابه العسكري، أو استنادا لرغبات السيسي نيل رضا الغرب بلوبياته الكنسية، كما قرئ في بيان الخارجية الأخير.

تعديات على الأراضي

وفي الأيام الأخيرة، عاد دير الأنبا مكاريوس بوادي الريان ليتصدر ساحة الجدل مرة أخرى، حيث تعدى رهبان الدير على مساحات واسعة من أراضي مجاورة للدير البالغ مساحته 85 ألف فدان، ما اضطر معدات وزارة البيئة وقوة شرطية لضم مزرعة تبلغ مساحتها ألف فدان متاخمة لأراضي الدير، بينما اعترض رهبان الدير تلك المعدات؛ مما تسبب في إلقاء القبض على عدد منهم، بعدما قام بعض الرهبان بضرب بعض القوة الأمنية والتعدي عليه بألفاظ نابية وترديد ترنيمات مسيئة ضدهم، وعلى الرغم من ذلك، تدخل كاهن كنيسة الأرثوذكس بالفيوم لدى القوى الأمنية وأطلق سراح القساوسة المعتقلين في نفس اليوم!

أحد رهبان دير الأنبا مكاريوس قال، في تصريحات صحفية، إن الخلاف بين الدير وبين وزارة البيئة على المزرعة البالغ مساحتها ألف فدان وليس أراضي الدير، إذ تم الاتفاق عام 2017 على تقنين وضع الدير الذى لم ينل الاعتراف الكنسي من لجنة شؤون الأديرة حتى اللحظة الراهنة، ولكنه موضوع تحت إشراف لجنة باباوية تمهيدا للاعتراف به.

الراهب أوضح أن الاتفاق الذى تم عام 2017 بين الدير ووزارة البيئة يقضي بتأجير الأرض حق انتفاع مقابل مبلغ سنوي هو 4 ونصف مليون سنويا تسدد لوزارة البيئة المالكة للأرض باعتبار الدير يقع ضمن نطاق محمية وادي الريان الطبيعية، إلا أن الدير لم يسدد مليما واحدا منذ عام 2017 حتى الآن؛ مما دفع الوزارة لاسترداد أراضيها مرة أخرى.

الراهب أشار إلى أن معدات وزارة البيئة هدمت بعض المنشآت المقامة داخل المزرعة مثل كنيسة وقلالي بعض الرهبان كانت قد أقيمت على الرغم من أن عقد الايجار الموقع مع البيئة أنه مخصص للاستثمار الزراعي.

تبادل إطلاق النار

وتقع أرض دير وادى الريان ضمن نطاق محمية وادى الريان الطبيعية بالفيوم، وقد كانت ضمن الأماكن التى خرج إليها القمص متى المسكين ليعيش حياة الرهبنة مع تلاميذه فى الستينيات قبل أن يغادرها بسبب الفقر الشديد ويذهب لدير السريان بوادى النطرون حتى يستقر به المقام أخيرا فى دار الأنبا مقار، ومن ثم فإن مؤسس هذا التجمع الرهبانى هو القمص إليشع المقارى أحد التلاميذ المقربين لمتى المسكين، وقد توفى قبل شهور فى إحدى المستشفيات خلال رحلة علاجه بالخارج.

يشار إلى أنه فى عام 2014، قررت الدولة شق طريق دولى يمر بدير وادى الريان، وهو ما يستلزم هدم أجزاء من سور الدير، مما دفع الدولة إلى توسيط الكنيسة للبحث عن حل ودى مع الرهبان الذين انقسموا إلى فريقين تبادلا إطلاق النار.

وتجددت الأحداث مرة أخرى عام 2016، بعد مبادرة قادها الأنبا إرميا الأسقف العام، وإبراهيم محلب مستشار السيسي، لشق الطريق مع الحفاظ على مبانى الدير وبناء سور له، وهو الأمر الذى أعاد حالة الانقسام بين صفوف الرهبان مرة أخرى حتى انتهى الأمر بإلقاء و قوات الأمن القبض على الراهب بولس الريانى أحد المعارضين لشق الطريق، وتنفيذ حكم محكمة فيه بعد أن تعدى على موظفى وزارة البيئة وألحق أضرارا بمعداتهم.

وبعد وساطات من جهات متعددة، انتهت الأزمة وشقت الدولة طريق الفيوم الدولى مارا بالدير بعد أن تم إعادة تقسيمه مرة أخرى وهدم جزء من سوره العملاق، ثم قرر البابا تواضروس تقنين الأوضاع فى هذا الدير وأسند للأنبا مكاريوس أسقف عام المنيا مهمة الإشراف عليه تمهيدا لاعتراف الكنيسة به.

وبعد جهود واجتماعات وزيارات انتهت مهمة الأنبا مكاريوس فى تلك المرحلة، وعاد الدير لإشراف الأنبا إبرام مطران الفيوم أقرب الأساقفة جغرافيا لموقع الدير الذى يقع فى مركز يوسف الصديق بالفيوم. وقد كان الأنبا آبرام مشرفا عليه قبل أن يتولى الأنبا مكاريوس تلك المهمة. وفي عام 2019 عمل الأنبا إبرام على رسامة رهبان الدير ومنحهم رتب شماسية وتدشين كنيسة الدير الكبرى التى تحمل اسم الأنبا مكاريوس، إلا انه لم يتم الاعتراف به حتى الآن.

 

طائفية داخل الكنيسة

بينما عملت الصفحات المناهضة للبابا تواضروس على تأجيج الرأي العام القبطي ضده بعد تجدد أزمة الدير مرة أخرى. وبدأت في اتهامه بالتفريط في حق الرهبان وعدم تقديم الحماية الكافية لهم، بينما تبدو الأزمة قانونية وتكمن في عدم سداد الدير لمستحقات وزارة البيئة وحق انتفاع الأراضي لمدة وصلت إلى خمس سنوات متتالية. وعلى ما يبدو فان الباب ما زال مفتوحا لكثير من التطورات في الأيام المقبلة.

فعلى الرغم من هدم السيسي أكثر من 100 مسجد على طريق المحمودية الإسكندرية فقط، خرج الإعلام ليبرر الاعتداء على بيوت الله، على الرغم من إمكانية تجاوز تلك المساجد في تصميم المحور المروري، رغم أن المساجد مبنية من عقود تصل لمائة عام، فيما يبتلع الإعلاميون المقربون من حظيرة الانقلاب ألسنتهم أمام تعديات الأديرة، الخارجة عن إطار سيطرة الدولة اقتصاديا وماليا، حيث تنتح ملايين الجنيهات سنويا دون سداد أي ضرائب أو رسوم للدولة، حصيلة الأنشطة الحيوانية والزراعية التي تمارس في أراضي تضع عليها الكنيسة يدها، بينما تصادر أموال الوقف الخيري الإسلامي وتضع الدولة يدها على صناديق النذور والتبرعات!.