“جمهورية السيسي الجديدة” منطقة خضراء للتحصن داخلها.. من مواطنوها وحاملو جنسيتها؟

- ‎فيتقارير
Egyptian riot police stand guard in Egypt's capital Cairo on September 27, 2019. - Egypt's President dismissed today a call for a second weekend of protests as "no reason for concern", with hundreds already arrested in an intensifying crackdown on a rare show of discontent on the streets. (Photo by Khaled DESOUKI / AFP)

بتكلفة لا تقل عن 60 مليار دولار، يستعد نظام عبد الفتاح السيسي لافتتاح العاصمة الإدارية أواخر يونية أو أغسطس 2021، وهو ما وصفه السيسي بأنه الانتقال إلى "الجمهورية الجديدة". وأكد مصطفى مدبولي رئيس وزراء الانقلاب أن السيسي كلف الحكومة بتجهيز ترتيبات الاستعداد لاحتفالية افتتاح العاصمة الإدارية زاعما أنها "مشروع المستقبل الذي تعول عليه الدولة لإعلان ميلاد الجمهورية الثانية".

https://www.youtube.com/watch?v=_LnoPfX0mBs

وبالتزامن مع بدء عبد الفتاح السيسي عامه السابع في الاستيلاء على الحكم منذ انتخابه عام 2014 في تمثيلية سياسية وإعلامية، بدأ التمهيد الإعلامي لما يسمي "الجمهورية الجديدة". وضعت كافة قنوات السلطة الرسمية والخاصة التي تديرها شركة المخابرات (المتحدة للإعلام) لوجو "الجمهورية الجديدة" علي شاشتها، ما أثار تساؤلات وسخرية واسعة بسبب اعتبار البعض أن تلك العبارة اسم مسلسل جديد، ما يشير لانفصال السلطة عن الشعب.

https://twitter.com/magdaghonem/status/1401580314930057228

ما مصير "القديمة"؟

بينما تعكف السلطة علي تجهيز احتفالات في العاصمة الإدارية احتفالا بميلاد هذه "الجمهورية الجديدة" يتساءل المصريون عن مواطني تلك الجمهورية ومصير "القديمة".

https://twitter.com/DrShdeeddAwy/status/1401625196738514944?s=09

جمهورية السيسي الجديدة تقوم علي مشاريع عقارية وأخري تتعلق بالبنية التحتية خاصة الطرق، لكنها لا تتعلق بأي أساس من أسس النظم الجمهورية المعروفة. لهذا علق السياسي المعارض أيمن نور قائلا: "حد يفهمه إن الجمهوريات الجديدة لا تبني بالإسمنت والقصور والديون، بل تبني بالتقدم بالدساتير والتنمية والعدل والمساواة والحريات".

https://twitter.com/AymanNour/status/136924708171877580

الترويج الإعلامي المكثف لـ "الجمهورية الجديدة" قابله المصريون بسخرية بالغة، علي عادتهم متسائلين عن ماهيتها، وسر التجهيزات الضخمة التي تجرى لها.

https://twitter.com/AmanyAlsaeed/status/1401469401665318914?s=09

https://twitter.com/frawlayh_toota3/status/1401637894708727811

رئيس المحكمة الدستورية المستشار سعيد مرعي عرف هذه "الجمهورية الحديثة" في لقاء مع نشأت الديهي علي قناة «TeN» 7 بأنها "تشمل البنية التحتية"، ولم يتحدث عن أي أسس دستورية لها. معتبرا أن: "العاصمة الإدارية الجديدة عمل تنفيذي وفكرة لتأسيس مصر الحديثة"، دون أن يشير لأسس الجمهورية المعروفة.

قواعد وأسس الجمهورية

ويعرف نظام الحكم الجمهوري بأنه أسلوب حكم يقوم على مبدأ سيادة أبناء الدولة الواحدة ومشاركتهم في اختيار حاكمهم الذي تحدّد مهام عمله عبر الدستور، لذا تعد الديمقراطية وتداول السلطة والانتخاب الحر والحريات العامة أبرز أسسها.

علي العكس، يجري الحديث والترويج فقط للمباني والعقارات وأطول برج وطرق جديدة تصل للعاصمة الجديدة، باعتبارها أسس دولة السيسي الجديدة هناك.

وعلي النقيض تبدو أبرز ملامح الجمهورية الجديدة في مصر هي التلاعب بالدستور وعملية التشريع وحكم القانون وتزوير إرادة المصريين في انتخابات مجهزة سابقا لفوز عبد الفتاح السيسي، وهي أقرب للجمهوريات العسكرية.

ويكاد يجمع السياسيون المصريون وخبراء مراكز الابحاث الأجنبية علي أن "دولة وجمهورية السيسي الجديدة" ستكون ترسيخ لعهد ديكتاتوري جديد يسعي للاستفادة من أخطاء الرؤساء السابقين الذين هزمتهم ثورات الشعوب في العاصمة القديمة القاهرة. ويرون أنه يسعي لتحصين نفسه في "منطقة خضراء" بالصحراء بعيدا عن ثورات الغضب الشعبية الحمراء التي تتوقعها العديد من مراكز الأبحاث العالمية.

ويضيف الخبراء أن السيسي لا يبني عاصمة إدارية ولكن مكان يختبئ فيه ليبتعد عن مظاهرات وعنف القاهرة لو حدث، والإعلام الأجنبي سمي العاصمة الإدارية بـ "المنطقة الخضراء" على غرار منطقة العراق الخضراء التي اختبأ واحتمي فيها الاحتلال الأمريكي وعملاؤه بعد غزو العراق من غضب الشعب، بحسب معهد كارنيجي.

وأشاروا إلى أن نقل كافة الأجهزة السيادية والأمنية وتشييد مباني ضخمة للدفاع والداخلية والبرلمان وقصور رئاسية، ونقل قلة مختارة أمنيا للعمل هناك، كلها مؤشرات علي طبيعة هذه الدولة أو الجمهورية الجديدة.

كما أن بناء أبراج أيقونية ومباني فاخرة للأثرياء لا يقدر عليها غالبية أبناء الشعب، وعشرات الملاهي والمولات ومراكز الترفيه للضباط وأركان حكمه ورجال الأعمال، مؤشر واضح علي محاولة نقل وتقليد دبي في صحراء السويس علي بعد 60 كم من القاهرة.

الجيش في المقدمة

ويجسد مشروع العاصمة أو الجمهورية الجديدة "رؤية السيسي للتنمية" وكيف ينبغي أن يتم ذلك، والتي تقوم على أن الجيش في المقدمة والوسط، بحسب صحيفة فايننشيال تايمز 7 يونية 2021. وتري الصحيفة أن العاصمة الجديدة "هي مشروع البنية التحتية الرائد من بين آلاف المشروعات، التي يتولى الجيش المسؤولية عنها منذ استيلاء الجيش على السلطة في عام 2013".

جمهورية مصر الأولى (العسكرية) بدأت منذ إعلان الجمهورية فى يونيو 1953، واستمرت 60 عاما، وقادها ناصر والسادات ومبارك، والثانية بدأت في 30 يونيو 2012 بتولى الرئيس محمد مرسي كأول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر.

ولم تحكم سوي عام واحد بسبب مؤامرات العسكر والثورة المضادة والتيارات التي دعمتها أملا في الحصول علي بعض فتات المناصب.

لهذا فالجمهورية الجديدة التي يسعي عبد الفتاح السيسي لتدشينها، وبدأت فعليا في عام 2014، هي الثالثة شكليا وإمتداد للأولي العسكرية فعليا.

وخلال زيارته العاصمة الإدارية 15 نوفمبر 2020، حرص السيسي علي الكشف عما أسماه "مقر مركز قيادة الدولة الإستراتيجي" بالعاصمة الإدارية الجديدة، أو ما سمي "مركز تنسيق أعمال دفاع الدولة" فما هو؟ هل هو مركز حماية مقر السيسي هناك؟

وفي مارس 2019 تم الإعلان عن إنشاء مشروع "عقل الدولة" أو مركز بيانات العاصمة الإدارية، على عمق 14 مترا، الذي يبدو علي غرار فكرة فيلم Eagle eye لمراقبة المصريين. بدليل حماية فرقتين من الحرس الجمهوري، لا الجيش، لها لضمان ولائهم للسيسي حتي ولو وقع انقلاب عسكري ضده.

المصريون انتقدوا إعلان السيسي عن جمهوريته ودولة الجديدة وقالوا إنه لا يجب أن يتم التعبير عنها بمباني جديدة بل تبنى بالتنمية والعدل والمساواة والحريات، وإن أبرز معالم الجمهوريات الجديدة في الدول الحديثة ترتبط بإعلان دساتير جديدة، وبناء نظم اقتصادية واجتماعية تصب في مصلحة الشعوب.

أوجه الفشل

في ديسمبر 2015، ويناير 2018 زعم السيسي أن ثورة يناير لن تتكرر مرة أخرى ولن يسمح بذلك، وفي خطاباته اللاحقة ظل ينتقد ثورة يناير ويحملها كافة أوجه الفشل في الدولة المصرية.

وفيما يجري هدم تراث القاهرة العاصمة التاريخية لمصر وبيع مبانيها الأثرية لشركات الجيش وتركها نهبا للفساد والفوضي، يجري الترويح لأنه يتم تنفيذ مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، لتكون إحدى مدن الجيل الرابع، حيث تتخطى تكلفة المشروع 800 مليار جنيه، ومن المقرر أن تقدم المدينة خدمات حكومية إلكترونية، كما أن جميع شوارعها مُغطاه بشبكة كاميرات مراقبة، وممظومة جديدة لجمع وفصل وإعادة تدوير القمامة، ومنظومة مرور عالمية، بجانب شبكة معلومات عالمية تغطى المدينة بالكامل.

وتم الانتهاء من تنفيذ 60 طابقا بالبرج الأيقوني، وهو أعلى برج فى إفريقيا بارتفاع نحو 400 متر وما يقرب من 87 طابقا، بمنطقة الأعمال المركزية، والتي تضم 20 برجا باستخدامات متنوعة، ومع هذا يقولون إنها ليست للأثرياء فقط!

"نهيبة" العاصمة الإدارية

ويشير مراقبون إلى أن قائد الانقلاب بنى العاصمة الإدارية لكي يتحصن فيها هو ونظامه وأجهزته الأمنية والسيادية والقضائية، من أي ثورة قادمة، لهذا بناها في صورة دوائر يقيم هو في قصره في المنتصف وتحيطه دوائر مباني الشرطة والمخابرات والجيش والقضاة والنيابة وغيرها.

كما أن العاصمة الإدارية أحد مصادر إفلاس الاقتصاد المصري بسبب الإنفاق الرهيب عليها وتحصينها وبناء سور ضخم حولها، ما أضاع أموال الشعب وحولها إلي رفاهية الجنرالات والمستفيدين من انقلاب الدولة العميقة.

وكلنا نعلم أيضا أن ما يقال عن أن العاصمة تنفق على نفسها بنفسها من حصيلة بيع أراضيها (التي بيع منها 70% حتى الآن) هو محض أكاذيب، لأن هذه أموال الشعب ولم تدخل الخزينة الرسمية وإلا لحققت طفرة وانتعاشا اقتصاديا للمصريين بأموالها ولكن جري إنفاقها على بناء الفيلات والمنتجعات وملاعب الجولف والتحصينات الأمنية لجنرالات الانقلاب.

ولكن ما لا يعلمه كثيرون "النهيبة" الكبيرة التي تتستر خلفها العاصمة الإدارية، التي تحولت إلي "دولة العسكر المستقلة" والتي كشف عنها بشكل غير مقصود العميد خالد الحسيني المتحدث الرسمي لشركة العاصمة الإدارية في حوار مع مذيعة برنامج "بتوقيت مصر" على قناة bbc  الذي كشف عدة فضائح على الربط التالي:

https://www.youtube.com/watch?v=fWi_6BhHGO4&t=0s&index=4&list=PL63lwGZ_8vsnjg4nvae5BaWl7eWcnk0E3

معالم النصب

وبحسب ما قاله المتحدث باسم العاصمة الإدارية يمكن أن نرصد معالم النهيبة الجديدة المعترف بها رسميا بالأرقام والتصريحات على النحو التالي:

(أولا): كل المباني الحكومية التاريخية القديمة (مباني الوزارات والإدارات الحكومية التي سيتم نقلها إلى العاصمة الإدارية)، وأغلبها قصور تاريخية، ومباني أثرية ستؤول ملكيتها لشركة العاصمة الإدارية بعد نقل الوزارات للعاصمة الجديدة وسوف يعطوا المباني الأثرية إلى وزارة الثقافة، أما باقي المباني المصنفة غير أثرية فسوف تستولي عليها شركة العاصمة الإدارية (تعتبر هي الحكومة المستقلة هناك) بحيث يتم بيعها لصالح الشركة ولن يدخل الخزانة العامة أي جنيه واحد من حصيلة بيع ثمن أرض العاصمة الإدارية التي تبلغ مساحتها 170 ألف فدان للخزانة العامة للدولة المصرية، أو مباني القاهرة التاريخية القديمة التي تم تقدير قيمتها بحوالي 700 مليار جنيه!

 (ثانيا): الشعب لن يستفيد من حصيلة بيع أرضي المشروع للمستثمرين التي تقدر بمليارات الجنيهات، ولن يدخل الخزانة العامة التي تنفق على المصريين من هذا المشروع غير الضرائب التي تدفعها شركة العاصمة الإدارية للدولة.

(ثالثا): عبد الفتاح السيسي الذي أمر الموظفين في الوزارات المختلفة بالرحيل إلى العاصمة الإدارية ليكونوا في خدمة شعب "دولة العسكر" الشقيقة في العاصمة الإدارية، رفض تحمل نفقات المسكن أو الانتقال وحكومته أعلنت عن شقق للموظفين في مدينة بدر قرب العاصمة الإدارية بنصف مليون جنية للشقة!

 (رابعا): رغم مقولات قادة الانقلاب المتكررة عن شح موارد الدولة واستمرارهم في الاقتراض حتى تخطت الديون الخارجية 132 مليار دولار و5.4 تريليون جنيه دين داخلي، إلا أن الانقلاب لا يبخل على العاصمة الإدارية بأي أموال أو موارد.

وهذا بخلاف الإنفاق الباذخ على المباني الفخمة التي لا تناسب 95% من المصريين لأنها لا تقل عن 4 ملايين جنيه للشقة، وبناء المنتجعات وبرك المياه والنهر الأخضر وملاعب الجولف وغيرها.

أيضا رغم التقطير على الصحة والمستشفيات في الموازنة الجديدة، والتقطير على مشاريع الشعب الأساسية، هناك سفه في الإنفاق وتسريع العمل في "العاصمة الجديدة" وحديث وزير الإسكان عن إنشاء أكبر برج في إفريقيا بالعاصمة الإدارية، وإنفاق ضخم آخره بناء قطار كهربائي بـ 1.2 مليار جنيه، ودار للأوبرا ومسرحين بقرابة 4 مليارات جنيه، بينما الشعب لا يجد قوت يومه.