المؤامرة على النيل “3”

- ‎فيمقالات

أخفق "تيودور هرتزل" الصحفي الصهيوني عام 1902 في تسويق مشروعه الاستيطاني للحكومة البريطانية من خلال إيصال مياه النيل إلى شبه جزيرة سيناء وجعلها وطناً قومياً لليهود واستغلال ما فيها من مياه جوفية وكذلك بعضاً من مياه النيل. 
وقد وافق البريطانيون مبدئياً على الفكرة على أن يتم تنفيذها في سرية تامة، وقد استتبع ذلك إرسال بعثة صهيونية كشفية إلى مصر .
 إلا أن المشروع الصهيوني قوبل بالرفض لأسباب سياسية واقتصادية؛ حيث تمثلت الأسباب الاقتصادية في أن المشروع الصهيوني كان يتضمن تهديداً للخطة البريطانية الهادفة إلى ربط الزراعة المصرية بالصناعة البريطانية .
 أما الأسباب السياسية فترجع إلى الظروف الدولية في ذلك الوقت والتي فرضت اتباع سياسة الوفاق الودّي بين كل من بريطانيا وفرنسا 1904 لمواجهة الخطر الألماني النازي .
ولكن بعد سبعة عقود ونصف جاء السادات ليحيي هذا المشروع من جديد ويبعث فيه الحياة ويجدد أمل الصهاينة الطامعين في مياه النيل .
و في أعقاب اتفاقية كامب ديفيد سنة 1977 أى بعد 75 سنة بدأ السادات يسوِّق لمشروع هرتزل تحت أسم "آبار زمزم الجديدة"!! .
وفي كتاب صدر عام 2003 عن مركز ديَّان لأبحاث الشرق الأوسط و إفريقيا التابع لجامعة تل أبيب بعنوان " إسرائيل و حركة تحرير جنوب السودان نقطة البداية و مرحلة الانطلاق " والذى كشف فيه مؤلفه "موشيه فرجي" العميد المتقاعد المقرب من الدوائر الاستخبارية الصهيونية: "أن إسرائيل قد ساهمت في إنشاء ما يسمى بـ( الحركة الشعبية لتحرير السودان ) في عام 1983 بقيادة العقيد "جون جارانج" الضابط الجنوبي المنشق عن الجيش السوداني، حيث زودته بأسلحة متقدمة و دربت عدداً من كوادر الحركة على قيادة مقاتلات جوية خفيفة لمهاجمة القوات التابعة لحكومة الخرطوم ووفرت له صوراً عن مواقع القوات الحكومية التقطتها أقمارها الصناعية، كما أرسلت إسرائيل خبراءها لمساعدة الانفصاليين على وضع خطط القتال" .
وهذا يقودنا إلى تصريحات أول رئيس وزراء للكيان الصهيونى بعد تأسيسه عام 1948 "ديفيد بن جوريون" الذى قال فى عبارته الشهيرة: " نحن شعب صغير وإمكانياتنا ومواردنا محدودة ولابد من اختزال هذه المحدودية فى مواجهة أعدائنا من الدول العربية من خلال معرفة وتشخيص نقاط الضعف لديها وخاصة العلاقات القائمة بين الجماعات والأقليات الإثنية والطائفية حتى نضخّم ونعظّم هذه النقاط إلى درجة التحول إلى معضلة يصعب حلها أو احتواؤها " .
كما أن المهندس الصهيوني " اليشع كلى" “تاحال”: يرى أن مشاكل الكيان الصهيوني المائية يمكن حلها عن طريق استخدام 1% من مياه نهر النيل ، وأن هذا المشروع يمكن أن يؤدى إلى حل بعض مشاكل المياه المصرية والعربية بري شمال سيناء وإمداد قطاع غزة والكيان الصهيوني والضفة الغربية بالمياه .
وهناك مشروع "يؤر" أو النيل الأزرق – الأبيض : الذي نادى به  "شاؤول أرلوروف" نائب مدير هيئة مياه الكيان الصهيوني سابقاً ، وذلك بحفر ثلاثة أنفاق تحت قناة السويس لدفع مياه نهر النيل إلي سيناء ثم إلي صحراء النقب .
وغالبا ماكانت الرؤية الصهيونية ترتبط إلى حد كبير بالرؤية الأمريكية التى تربط بين ضرورة استغلال الثروات المائية في المنطقة وإعادة توزيعها مع عمليات التسوية السياسية في المنطقة ومشاكل نقص المياه في الكيان الصهيوني .
يقول الكاتب الصحفي "حسني محلي في صحيفة الميادين اللبنانية : “سعت إسرائيل منذ السنوات الأولى لتأسيسها ، للحصول على مياه النيل عبر مشاريع ومخطّطات متعدّدة مدعومة أمريكياً . كما كانت المياه من أهم الأهداف التي وضعتها تل أبيب في الاعتبار خلال انفتاحها على الدول الأفريقية بعد احتلال فلسطين عام 1948 ، فأرادت من خلال هذا الانفتاح تضييق الحصار على مصر والسودان، وهو ما تحقَّق لها لاحقاً ، وهو ما يجري اليوم".
وأثبتت التطورات الأخيرة أن مصر ستكون تحت رحمة إثيوبيا ، ولاحقاً تحت رحمة دول المنبع ، التي تستمر إسرائيل في تطوير علاقاتها بها، وكل ذلك من أجل تركيع القاهرة ، ودفعها لاحقاً إلى الاعتذار إلى اليهود ، وربما تعويضهم”.
فى حين ترى الكاتبة  "أماني القرم" كما هو منشور فى صحيفة رأي اليوم اللندنية "أن الاهتمام الإسرائيلي بمصادر المياه عموماً وبحوض النيل على وجه الخصوص يقع في قلب الفكر الاستراتيجي الصهيوني" .
 وأضافت : "استندت الحركة الصهيونية على أركانٍ ثلاثة في مطالباتها وتطلعاتها لحدود مشروعها الكبير : أوّلها تاريخي ديني، حيث يقطع الرب ميثاقاً مع إبراهيم حسب سفر التكوين قائلاً : "أعط لنسلك هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر العظيم الفرات ".
 ومع فشل المشاريع الصهيونية المتعددة التي تتعلق بالاستفادة من مياه النيل مثل مشروع هيرتزل ومشروع قناة السلام ، فإن تطلعات الصهاينة نحو إثيوبيا بلد المنبع لنهر النيل والأسهل اختراقا بدأت منذ خمسينيات القرن الماضي بزيارات جولدا مائير الأربع إلى أديس أبابا.
وبعد كل ذلك نجد بعض سدنة نظام الانقلاب في مصر يعتبرون أن الكيان الصهيوني يمكن أن يلعب دور الوسيط فى أزمة سد النهضة ،  ونسي هؤلاء أن الكيان الصهيوني هو المشكلة ذاتها ، ولايمكن أن يكون جزءً من الحل!!