افتتاح هولوكوست الموظف المصري

- ‎فيمقالات

أرسل عبد الفتاح السيسي الناشطين بالمنظمات المعنية بحقوق الإنسان إلى تحقيقات النيابة، قبل أن يصدّق على قانونٍ يتفوّق على الفاشية والنازية في انتهاك حقوق الإنسان.

أعطته معظم الصحف المصرية اسمًا لطيفًا مهذبًا، فكتبت إنه قانون الفصل بغير الطريق التأديبي، فيما كان موقع إلكتروني، يسمّى "موقع الرئيس"، أكثر وضوحًا ودقة ومباشرة حين صاغ النبأ على النحو التالي:

"صدّق الرئيس عبد الفتاح السيسي، اليوم الأحد، على القانون رقم 135 لسنة 2021 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 10 لسنة 1972 في شأن الفصل بغير الطريق التأديبي المعروف إعلاميا بـ"فصل موظفي الإخوان"، وقانون الخدمة المدنية الصادر بالقانون رقم 81 لسنة 2016".

تختلف المسميات والصياغات لكننا بصدد مضمونٍ واحد وجوهر ثابت، فهذا القانون يتفوّق به عبد الفتاح السيسي على عتاة الفاشية الإيطالية والمكارثية الأميركية والنازية الألمانية، في القرن الماضي.

الوصف الأدق لهذا القانون أنه "النسخة المصرية من ترانسفير هيرتزل"، وهيرتزل هو مؤسس الحركة الصهيونية وصاحب فكرة قانون الترانسفير الشهير، والذي عبر عن فلسفته بكلمات موجزة، حين قال وهو يرسم مخطط إنشاء الكيان الصهيوني في فلسطين "سنحاول طرد المعدمين -العرب- خارج الحدود بتدبير عمل لهم هناك، وفي الوقت نفسه، سنمنعهم من العمل في بلدنا". 

كان ذلك قبل أكثر من قرن وربع القرن، عندما كانت "إسرائيل" مجرّد حلم صهيوني، يتمدّد في خيال صهاينة العالم، ولم يتموضع بعد، داخل حدود جغرافية على أرض فلسطين.

في العام 2017 كان عبد  الفتاح السيسي يتحدّث في ندوة تثقيفية من ندوات القوات المسلحة، وكأنه ينقل من تراث هيرتزل، فقال "أي شخصٍ ينتمي لأي تيار سياسي أو ديني أو طائفي معلش يستريح شوية، ولو اكتشفنا شخص بالنوع ده هنبعده، ليس فقط من الجيش والشرطة بل من الدولة المصرية ككل".

اليوم، وبعد أربع سنوات وأربعة أشهر من إعلان السيسي اعتزامه القيام بأعمال ترانسفير للمعارضين والرافضين مشروعه الانقلابي، يتم التصديق على القانون المشار إليه أعلاه، والذي وصفه موقع "الرئيس" بأنه قانون فصل موظفي الإخوان، والذين أصبحوا المعادل الموضوعي لمصطلح "الأغيار" في تلمود الاحتلال الصهيوني.

على أن هذا القانون العنصري الاستئصالي القبيح لن يفتك بالمنتمين لجماعة الإخوان المسلمين فقط، وخصوصًا أن التعريف المعتمد للمصري الإخواني لم يعد يشمل المنتمين تنظيميًا أو فكريًا لجماعة الإخوان، فحسب، بل صار يتمدّد ويتسع ليأخذ في طريقه كل من لا يؤيد المسار الجنوني الذي تمضي فيه البلاد، سواء كان مسلمًا أم مسيحيًا، يمينيًا أم يساريًا، ليبراليًا أو اشتراكيًا، محافظًا أو تقدميًا، إذ إن كل هذه الفروق تنمحي وتنتفي، حين تدخل في السراديب القانونية المظلمة التي توفرها العبارة المطاطية العجيبة "مشاركة جماعة إرهابية تحقيق أهدافها" والجماعة الإرهابية، بحسب قوانين السيسي ليست الإخوان، وحدها، بل هي الكيانات الإرهابية العديدة، بموجب قانون 8 لسنة 2015 الذي جعل كل مستوى من مستويات المعارضة كيانًا إرهابيًا، حتى لو كان شخصًا واحدًا.

يأتي التصديق على هذا القانون قبل أيام من ذكرى مذبحة القرن في ميدان رابعة العدوية ضد معارضي الانقلاب العسكري، ولن تكون بعيدًا عن الحقيقة لو قلت إن هذا التشريع لا يقل وحشيةً عما جرى في أعمال فض اعتصام ميدان رابعة، واستئصال المشاركين فيه، وتهجيرهم قسرًا إلى القبور والسجون والمنافي، وسط تصفيقٍ حادّ من عدد هائل ممن قد يجدون أنفسهم، الآن، تحت طائلة قانون السيسي الجديد، الخاص بالفصل والإبعاد والاقتلاع من الوظائف.

بإمكان أي مواطن مصري الآن أن يفتك بزميله وظيفيًا، ويرسله إلى السجن، بقصاصة ورق صغيرة، تتضمّن بلاغًا للسلطات بأنه إخواني، أو متعاطف مع الإخوان، أو لا يؤيد إبادتهم بالقدر الكافي، وهو الأمر الذي يجعل مصر، مع بدء تطبيق هذا القانون، مقبلة على فضٍّ جديد، يستهدف اقتلاع كل من لا يرضى عنهم النظام من مرافق الدولة ومؤسساتها، بوصفهم أعداء للوطن، مثلهم مثل الذين حرّضت عليهم بعض أصوات "الليبرالية المتوحشة" أيام اعتصام رابعة 2013 عندما لم يستشعر أصحابها وخزا لضمائرهم وهم يوفرون الغطاء السياسي والأخلاقي لقرار حكومة الانقلاب بمحو المعتصمين في ميداني رابعة العدوية ونهضة مصر من الوجود، بل إن بعضهم ذهب إلى أبعد من ذلك، حين اتهم الأجهزة الأمنية بالتراخي، لأنها تصبر على هؤلاء الأوغاد المعتصمين بأطفالهم وبناتهم، ضد انقلابٍ أوصل البلاد إلى ما هي عليه الآن: وطن يسفك الدماء، ولا يحافظ على قطرة الماء.

………….

نقلا عن "العربي الجديد"