لا يرون كورونا إلا في صدور المصلين، ولا يتحسسون من التبذير إلا في إعمار المساجد، ولا يستهجنون السفر إلا في الحج، ولا يبصرون الإرهاب إلا بين المصاحف، هكذا تُصدّر جمهورية الخوف نفسها للغرب، على حساب مشاعر وشعائر المسلمين في مصر، فهل المطلوب أن تبتعد الناس عن المساجد بالتدريج وتُمحى عقيدة المصريين وهويتهم؟
وتداول نشطاء صورا من حفلات مشاهير الغناء ظهر الازدحام وتلاصق الأجساد شبه عارية واختلاط الأنفاس في الساحل الشمالي وعلى شواطئ البحر المتوسط، دون أن يرتجف لإعلام العار جفن، وهو الذي لا يزال يحذر من الاجتماع للصلاة في المساجد، وكأن فيروس كورونا إسلامي وملتزم ولا يقيم إلا في المساجد.
وقد واصل السيسي منذ الانقلاب العسكري حملته التحريضة على الإسلاميين، ملصقا بهم وبدور عبادتهم اتهامات الإرهاب والتطرف، ومحذرا دول أوروبا والعالم من خطر محتمل يأتي من الخطاب الديني داخل المساجد.
عداوة للإسلام
حرب السفاح السيسي على الإسلام، يراها كثيرون، لا تنبع فحسب من محاولة سيطرته على الدين وتدجينه، بل ربما تنبع من علاقة ملتبسة وعداء غير مفهوم مع ذلك الدين، وحجتهم في ذلك هو هذا الاختلاف الشاسع في تعامله مع الديانات الأخرى في مقابل طريقة تعاطيه مع الإسلام.
كما سعى السفاح السيسي بعد استيلائه على السلطة بستة أشهر فقط، إلى إعادة العلاقات المقطوعة مع بابا الكاثوليك "بنديكتوس السادس عشر" إثر تصريحات له مشددة هاجم فيها الدين الإسلامي ووجه له إهانات بالغة واتهمه بالقسوة والدعوة إلى العنف، والتي لم يعتذر منها إلى الآن.
بينما علاقات السفاح السيسي الدافئة مع اليهود وحاخاماتهم، وكيانهم المحتل الذي أعلنوه على أرض فلسطين، لا تحتاج للحديث عن حميميتها والإسهاب في قوة أواصرها.
المفارقة أن لجنة الفتوى بالأزهر سُئلت في الرابع عشر من شعبان سنة 1366هجرية الثالث من يوليو سنة 1947م، عن مساعدة اليهود وإعانتهم في تحقيق مآربهم في فلسطين، فأجابت اللجنة برئاسة العلامة الشيخ عبد المجيد سليم، الذي تولى منصب مفتي مصر، ثم مشيخة الأزهر في فتوى صدرت فقال فيها "الرجل الذي يحسب نفسه من جماعة المسلمين إذا أعان أعداءهم في شيء من هذه الآثام المذكورة، وساعد عليها مباشرة أو بواسطة، لا يعد من أهل الإيمان، ولا ينتظم في سلكهم، بل هو بصنيعه حرب عليهم، منخلع من دينهم، وهو بفعله الآثم أشد عداوة من المتظاهرين بالعداوة للإسلام والمسلمين".
يقول حساب الناشط المصري "الحفلات الغنائية شغالة رزع على ودنه على الشواطىء وفي النوادي ولا فيه تباعد ولا فيه التزامات بإجراءات كورونا بس أهم حاجه إبقى افتكر أنك تبعد عن اللي جنبك في الصلاة وتقفلوا الميضة ودورات المياة ومُصلى النساء ليس لها من دون الله كاشفة الصورة من حفلة تامر حسني في الساحل".
وتقول إيمان محمود "حفلة تامر حسني وحفلة روبي وحفلة طرح النخل لكن يمنعوا اصطحاب الأطفال للصلاة في المساجد والمسجد يتقفل بعد الصلاة مباشرة ولازم تتوضأ في منزلك طيب الناس اللي بتكون في وقت الصلاة خارج منازلها يعملوا إيه؟".
ومنذ 20 سبتمبر 2020، والمظاهرات تندلع بين وقت وآخر ضد الانقلاب في القرى والنجوع والشوارع والأزقة بعيدا عن الميادين الكبرى بالمدن، احتجاجا على تردي الأوضاع في البلاد بشكل عام، والاقتصادية بشكل خاص، منادين برحيل السفاح السيسي.
"لا إله إلا الله.. السيسي عدو الله".. هتاف لافت ردده المصريون في مظاهراتهم واحتجاجاتهم التي خرجت العام الماضي 2020، فلماذا أجمع المصريون في كافة مظاهراتهم واحتجاجاتهم على هتاف "السيسي عدو الله"، ولماذا أطلقوا عليه هذا الوصف؟".
وما هي المواقف السلبية والتصريحات التي أطلقها السفاح السيسي طوال فترة الانقلاب، واعتبرها المصريون تمثل عداوة لله والإسلام؟ وهل كانت المشاهد القاسية المتعلقة بهدم المساجد لها دور في ترديد تلك الهتافات؟.
طمس الهُوية
منذ انقلاب السفاح السيسي، وهو يسعى هو ونظامه لطمس الهُوية الإسلامية للشعب المصري، بل وقد بدأ الأمر مبكرا منذ الانقلاب على الرئيس الشهيد محمد مرسي، حيث بدأت اللحظات الأولى للانقلاب بإغلاق عدد من القنوات الإسلامية، واعتقال العديد من علماء الدين والدعاة والشيوخ، ومن وقتها وحتى الآن تغلق وتهاجم المساجد ويهاجم الإسلام وتلصق تهم الإرهاب بالمسلمين.
ويشترك السفاح السيسي مع ولي عهد الإمارات محمد بن زايد في هوس من نوع خاص، رغم أن كل واحد منهما قادم من عالم مختلف تماما عن الآخر.
ابن زايد ابن سلالة اعتادت الانقلابات، يحكم عددا من الإمارات المُطلِّة على ساحل الخليج العربي، والسفاح السيسي ابن عصابة عسكرية أسسها الطاغية جمال عبد الناصر، والاثنين يجمعهما مسار قادر على إذابة أي خلاف، ويجعلهما أحد أقوى الحلفاء السياسيين في المشرق العربي خلال السنوات الأخيرة، ألا هو حلم القضاء على ما يُعرف بـ "الإسلام السياسي".
ويفهم السفاح السيسي الإسلام السياسي بشكل محدد جدا، فهو كما يبدو عنده محصور في جماعة الإخوان المسلمين، والتنظيمات المسلحة في سيناء، وقد أعلن بشكل صريح أنه "ما دام في السلطة فلن يكون هناك أي وجود للإخوان المسلمين في مصر".
أما ابن زايد فيفهم الإسلام السياسي بطريقة أوسع، ففي الوقت الذي اكتفى فيه السفاح السيسي بقمع رافضي الانقلاب، يقود ابن زايد حملة عالمية لتقويض أي فعالية سياسية إسلامية في الشرق أو الغرب، ولا يحصر عداوته مع جماعة الإخوان المسلمين فقط، إذ يتعامل حاكم إمارة أبو ظبي مع خصمه الإسلام السياسي بوصفه ظاهرة عالمية أوسع من الإخوان.
هذا الهوس لدى كل من السفاح السيسي ومحمد بن زايد بالقضاء على الإسلام السياسي شكّل أساس العلاقة بينهما كما ذكرنا، وقادهما معا لقيادة أشرس حملة قمعية أمنية ضد الإسلاميين عرفها المشرق العربي منذ مذابح حافظ الأسد في ثمانينيات القرن الماضي.
أمام كل هذا العداء والهوس المرضي الذي يُكنّه الاثنان للإسلاميين، يلح سؤال: هل من الممكن فعلا استئصال "التيار الإسلامي" بغير رجعة، أم من الممكن استمراره بوصفه ظاهرة سياسية واجتماعية وثقافية، حتى بعد الحرب على جماعة الإخوان المسلمين؟