بعد انقلاب قيس سعيد.. لماذا يقف العلمانيون دائما إلى جانب الديكتاتورية؟

- ‎فيتقارير

سيسطر التاريخ مواقف العلمانيين في مصر إبان انقلاب 3 يوليو 2013م في صفحات سوداء وسطور من العار؛ ذلك أن القوى العلمانية ــ في جلها مع استثناءات قليلة ــ انحازت وحرضت للانقلاب العسكري على الديمقراطية مفضلين الديكتاتورية مع العسكر على الديمقراطية مع الإسلاميين. ولم نعرف لقادة جبهة الإنقاذ وقتها (البرادعي ــ صباحي ــ السيد البدوي ــ عمرو موسى ــ وغيرهم) موقفا ينحاز للديمقراطية ويرفض الانقلاب العسكري عليها؛  الأمر الذي أدى إلى وأد  الثورة وإجهاض الديمقراطية وعودة أقذر نسخة من الحكم العسكري الشمولي. وذهبت أحلام العلمانيين في السلطة فوق ظهور الدبابات هباء واكتشفوا أنها كانت سرابا.

اليوم يكرر العلمانيون في تونس نفس الخطيئة ويقترفون نفس الجريمة، فعدم قدرتهم على منافسة الإسلاميين بشرف أمام صناديق الانتخابات تدفعهم إلى القبول بالدكتاتورية من أجل الإطاحة بخصومهم الإسلاميين دون النظر إلى عواقب هذا السلوك المشين على مسقبل تونس وتجربتها الديمقراطية.

مواقف العلمانيين المخزية في مصر وتونس دفعت حركة "الاشتراكيين الثوريين" في مصر وهي حركة علمانية إلى انتقاد هذه المواقف والتحذير من عواقبها على مستقبل تونس وشعبها وديمقراطيتها، صراخات الاشتراكيين الثوريين هي صيحات  استهجان وتحذير تقرع أذن الحالمين في تونس أن الدكتاتورية لن تجلب لبلادهم الخير.

بيان الاشتراكيين الثوريين انتقد مواقف العلمانيين في مصر تجاه انقلاب الرئيس التونسي قيس سعيد، وهي المواقف التي دارت بين الترحيب والإشادة دون النظر إلى عواقب هذا الانقلاب على الديمقراطية وحقوق الشعب التونسي في الخبز والحرية والكرامة الإنسانية.

قالت الحركة في بيانها إن مواقفهم (مواقف العلمانيين في مصر وتونس التي أيدت انقلاب تونس) كانت: "مدفوعةٌ بالحماس للتخلّص من حزب النهضة الإسلامي؛ ليس بالنضال الجماهيري الذي يتحدّى أولئك القابعين في السلطة، بمن فيهم قيس سعيّد، والطبقة المستفيدة من السياسات الاقتصادية التي يعاني منها التونسيون، ولكن من خلال الإجهاز على آخر ما تبقّى من المكتسبات الديمقراطية للثورة التونسية".

مفردات البيان تمثّل إدانة لمواقف أكثر اليساريين والليبراليين مما جرى، ولكلٍّ منهم سيرته في الانحياز للسلطة حين يكون الإسلاميون هم الهدف، ويكفي أن تتابع انحيازهم الأعمى لبشار، ثم إدانتهم لكل "ربيع العرب" لأجل عيونه، كي تدرك حقيقة الانتهازية والأحقاد الأيديولوجية التي تعشّش في عقولهم وتنهش ضمائرهم. بحسب الكاتب ياسر الزعاترة.

ويضيف البيان: "مشكلة هذه الجدالات أنها من أجل رغبتها في التخلص من الإسلاميين في البرلمان، لا مانع لديها من العودة إلى سلطة مطلقة في يد الرئيس، وغلق باب الديمقراطية من الأساس، مع افتراض أن هذه الإجراءات الاستثنائية لقيس سعيّد ستكون الأخيرة من نوعها، ومن بعدها سيُفرش الطريق بالورود للقوى العلمانية!".

ويحذر البيان :«كانت هذه الفكرة سائدة أيضا في مصر قبل وبعد انقلاب يوليو 2013.. أن تسمح القوى المدنية العلمانية بانتهاك الديمقراطية من خلال انقلاب عليها، في انتظار سراب الديمقراطية والتنوير من جعبة الديكتاتور! ما حدث معلومٌ للجميع، بدأ النظام بالإخوان فقط كبداية لحملات قمع غير مسبوقة من أجل إخلاء الساحة من أيِّ معارضة تُذكر. وهذه تجربةٌ نأمل ألا تتكرّر في تونس».

ويرى الكاتب والمحلل السياسي ياسر الزعاترة أنه من الضروري التنويه بأن التعميم خاطئ، والاستثناء موجود، وإن يكن محدودا، لا سيما أن الحركة صاحبة البيان جزء من اليسار، كما أن قوىً تونسية من ذات اللون، كانت لها مواقف مشرّفة.

ما ينبغي قوله تعليقا على البيان أيضا هو أن القوى إياها لم تؤيد الانقلاب في مصر لأنها كانت تؤمن أن هناك ديمقراطية وعلمانية قادمة، بل فعلت ذلك وهي تعي تماما طبيعة المسار التالي، لا سيما أنه مسار لا يحتاج إلى ذكاء وقدرات في التحليل كي يدركه المشتغلون في مضمار السياسة. لقد فعلوا ذلك لأنهم يعتبرون الدكتاتورية أفضل بكثير من تعددية تمنح الإسلاميين حصة معتبرة، فضلا عن أن تمنحهم الغالبية، بل إن هذا هو جوهر خطابهم، حتى لو خلع الإسلاميون الكثير من قناعاتهم، أو ما شاع منها، وقبلوا حتى بصيغة أردوغان في ما يتعلق بالمنظومة الدينية والأخلاقية في المجتمع.

إنه الحقد الأيديولوجي، والحسد الأعمى الذي يتلبّس هؤلاء القوم، والذي يدفعهم للتحالف مع أبشع أنواع الدكتاتورية ضد الإسلاميين، مع العلم أنهم ليسوا متوافقين، أيضا، ولو تقدم تيار لحسده الآخرون. أما الأسوأ بين هؤلاء، فهم من تحرّكهم دوافع طائفية أو مذهبية في الجوهر، وإن حملوا أفكارا أخرى في المظهر. لقد فضح "ربيع العرب" وتداعياته كثيرين من كل الألوان، لكن بعض الألوان، كانت فضيحتها من العيار الثقيل جدا، ومهما توسّلت من المبررات، فلن تستر عوراتها أبدا.

الأهم أن مسيرة الشعوب نحو الحرية والتحرر لن تتوقف عند نقطة واحدة، وهي ستعاود المحاولة، لكنها لن تعطي ثقتها لمن تحالفوا مع الدكتاتورية، ولن تسامحهم؛ لا على جرائمهم، ولا على تبريرهم للإجرام بحقها، مع أن أكثرهم آفلون قبل ذلك، وسيصبحون أكثر أفولا بعده.