ناقشت صحيفة "الجارديان" البريطانية أسباب انتصار حركة طالبان مؤخرا، وكيف أجبرت الحركة الأمريكان على الانسحاب بعد عشرين سنة من الغزو الأمريكي الذي أعقبت تفجيرات برجي التجارة العالمية في سبتمبر 1999مـ. وبحسب الصحيفة البريطانية فإن المراقبين يتساءلون: كيف تمكنت طالبان من تحقيق هذا الانتصار الكاسح؟
وتجيب "الجارديان" على ذلك بأن الحقيقة المحزنة هي أن وجهات نظرها الأبوية (في إشارة إلى التزامها الإسلامي) تحظى بشعبية في المناطق الريفية وبلدات أفغانستان الصغيرة.وتقر الجارديان بأنه لم يكن بإمكان طالبان تحقيق تقدم عسكري مذهل دون دعم محلي.
وتؤكد أيضا أن المواطنين الأفغان فقدوا الثقة في حكومة مركزية فاسدة، وبجيش كان البنتاغون يدرك جيدا أنه غير فعال وغير محفز، كما كشفت "أوراق أفغانستان"، وهي مئات المقابلات السرية مع قادة عسكريين ودبلوماسيين أمريكيين حصلت عليها صحيفة واشنطن بوست.
وبحسب الصحيفة البريطانية فإن العديد من الأفغان شعروا أن طالبان أنتجت عدالة أسرع وأكثر صدقا في النزاعات القروية بين العائلات. وقالت إنه كان ينبغي على حكومة المملكة المتحدة أن تعرف هذا؛ حيث أظهرت الاستطلاعات التي تم التكليف بها من قبل وزارة التنمية الدولية، في هلمند في عام 2010، أن الناس يفضلون محاكم طالبان على المحاكم التي عينتها كابول، حيث كان عليهم رشوة المدعين العامين والقضاة.
من جهة أخرى، بحسب الجارديان، فإن الأفغان لا يحبون الغزاة مهما كانت دوافعهم، واستطاعت طالبان استغلال سردية المقاومة الوطنية.
وتتساءل الجارديان: لماذا تجاهلت بريطانيا دروس التاريخ، واتبعت التجربة التعيسة للغزو السوفيتي واحتلاله؟
ودعت الجارديان إلى ضرورة إجراء تحقيق في قرارات الدول الكبرى لشن حروب مفتوحة على دول عربية وإسلامية.
وبحسب مقال مراسل الجارديان السابق ومؤلف كتاب "أشباح أفغانستان"، جوناثان ستيل، فعندم بدأت الخسائر البريطانية المتزايدة في أفغانستان والعراق تثير الشكوك العامة قبل 15 عاما، بدأنا نسمع حجة جديدة: حرب العراق كانت اختيارية، بينما حرب أفغانستان ضرورية. كانت الحجة أن أمريكا وحليفتها المخلصة، بريطانيا، شنتا غزوا في العراق لم يكن مبررا؛ لأنه كان قائما على فرضية خاطئة: الزعم بأن صدام حسين كان يمتلك أسلحة دمار شامل.
وبحسب الكاتب، كان التدخل في أفغانستان مختلفا، كما قيل، حتى من قبل العديد ممن عارضوا حرب العراق. كان تنظيم القاعدة يقف خلف فظائع 11 سبتمبر، وكان زعيمه أسامة بن لادن يتخذ من الأراضي الأفغانية مقرا له. كان جورج بوش الابن محقا في توجيه إنذار لطالبان لتسليمه أو مواجهة الغزو. ولكن في هذه الحالة أيضا، كان هناك فرضية خاطئة، أو في الواقع عدة فرضيات خاطئة، حيث تفاجأ الملا عمر وقيادة طالبان برؤية تهاوي البرجين في نيويورك مثل أي شخص آخر. لم يسبق أن استشارهم بن لادن بشأن استراتيجيته، ناهيك عن أهدافه. وتوقعا لردود أمريكية انتقامية، غادر بن لادن وحاشيته الكبيرة من المقاتلين العرب قندهار، واختبأوا في جبال تورا بورا. مشيرا إلى أن دعوة بوش لطالبان لاعتقاله كانت غير واقعية؛ لذا فإن ملاحقة طالبان كانت غير ضرورية مثل إحداث تغيير النظام في العراق.
وبحسب الكاتب أنه مشكوك فيه بنفس القدر من وجهة نظر القانون الدولي. لم يكن هناك قرار من مجلس الأمن الدولي يصرح بالهجوم الأمريكي على أفغانستان. كان من الواضح أن بوش سيرغب في معاقبة القاعدة على هجمات 11 سبتمبر، لكن القانون الدولي لا يسمح باستخدام القوة المسلحة للثأر أو الانتقام.
وبحسب المقال، زعمت أمريكا أن القاعدة أعلنت الحرب عليها، وكان لها الحق في الرد بقوة دفاعا عن النفس، لكن القانون الدولي يسمح بذلك فقط إذا كان هجوم العدو وشيكا. وفي خريف عام 2001، كانت فكرة الهجوم الوشيك غير واردة، كما أنه لم يكن أي من خاطفي الطائرات في 11 سبتمبر أفغانيا، وكانوا قد تدربوا بشكل أساسي في ألمانيا وأمريكا. لقد استغرق التحضير للهجوم عامين، لذلك لم يكن هناك أي طريقة يمكن للقاعدة أن تشن فيها فظائع أخرى مماثلة وشيكة.
بعد 11سبتمبر، جادل عدد قليل من المحللين بأنه إذا كانت أمريكا مصممة على استخدام القوة، فينبغي أن تقتصر على عملية البحث والتدمير ضد القاعدة في تورا بورا. تم تجاهل وجهة نظرهم، وأضاف بوش هدفا جديدا للحرب: بناء ديمقراطية حديثة في أفغانستان. وفنّد جو بايدن ذلك في خطابه، عندما شدد على أن السياسة الأمريكية يجب أن تستند إلى الأمن من الإرهاب، وليس على أي إصلاحات إنسانية. وأثارت تصريحاته جدلا محتدما، لكنها صحيحة.
ويرى الكاتب أن بريطانيا أيضا تحتاج إلى إعادة النظر في سياساتها تجاه أفغانستان، مطالبا بوجوب إجراء تحقيق على غرار تقرير شيلكوت في العراق (باستثناء أنه يجب أن يقدم تقريرا في مدة زمنية أقصر). يجب أن يكون البند الأول على جدول أعمال لجنة التحقيق هو ما إذا كان قرار تغيير النظام في عام 2001 حكيما أم سخيفا. إن أحداث العقدين الماضيين، التي بلغت ذروتها بالعودة المظفرة لطالبان التي شهدناها للتو، تنبع من ذلك القرار.