ياسر الزعاترة يكتب: من صفقة ترامب إلى صفقة بايدن.. لماذا الثانية أسوأ؟

- ‎فيمقالات

خطب عزام الأحمد أمام "البرلمان العربي"، بصوته المعروف قائلا: "أفشلنا صفقة القرن وحدنا"، كأن الصفقة كانت برسم النجاح، ولم تُفشلها سوى بطولات حملة بطاقات الـ"VIP" في رام الله؛ وهو منهم بكل تأكيد.

والحال أن الصفقة المذكورة لم تكن سوى بضاعة سخيفة صنعها مراهق لا يعرف أبجديات السياسة في المنطقة، ولا يدرك الكثير عن الصراع التاريخي بشأن فلسطين، وتعامل مع قضيتها كأنما هي صفقة عقارية، فما كان من سيده (ترامب) المسكون بإرضاء اللوبي الصهيوني والتيار الإنجيلي، سوى منحه الفرصة كي يذهب بعيدا في اللعبة، فيما تكفّل هو بالضغط على أنظمة مأزومة كي تتعاطى معها، مع أن بعض تلك الأنظمة لم تقدّم دعما حاسما، لأن الحديث عن حقوق الفلسطينيين يتناقض معها بالكامل.

لم يكن أحد ليجرؤ على قبول صفقة تمنح القدس الشرقية للعدو الصهيوني، ولا تمنح الفلسطينيين سوى "كانتونات" معزولة على أقل من 10% من مساحة فلسطين التاريخية، مع حق العيش، والنتيجة أن صراعا تاريخيا كان يتحوّل على يد "كوشنر" إلى استثمارات ووعود رخاء، وهو ذاته "السلام الاقتصادي" الذي طالما تحدّث عنه نتنياهو (أستاذ كوشنر)، والذي كان يعتقد أن الوضع الإقليمي والعربي يسمح بتمرير شيء كهذا عبر الضغوط والتخويف، وعبر التلويح بالخطر الإيراني.

في الخطاب العام لإدارة بايدن لا يمكن العثور على جديد يُذكر، فهي تتحدث بذات اللغة التقليدية للإدارات السابقة (خلا إدارة ترامب)، أي أنها مع "حل الدولتين"، من دون توصيف ماهية الدولة الفلسطينية.

الخلاصة هي ذاتها التي قلناها مرارا وتكرارا منذ طرح الصفقة، وهي أنها بضاعة تافهة لن تمرّ بحال، لأن أحدا لن يجرؤ على قبولها، حتى من أولئك المسكونين بالخوف من ترامب، لأنهم سيحرقون أنفسهم أمام شعوبهم وأمام الأمّة، فضلا عن حقيقة أن الشعب الفلسطيني هو أساس العملية، وهو رفض الصفقة دون تردّد، وكان سيتصدى لها، سواء قبل بها محمود عباس، أم رفضها.

وفي حين كنّا على ثقة كاملة من فشل "صفقة القرن"، فإن الحال يبدو مختلفا مع ما هو أسوأ، ممثلا في خطة بايدن، أو صفقته، ما يطرح سؤالا بدهيا حول خطة الأخير أو صفقته؛ إذا جاز اعتبارها كذلك، لا سيما أن أحدا لم يتحدث صراحة عن وجود خطة أو صفقة، إن كان هو أم وزير خارجيته "بلينكن".

إذا جاز لنا أن نضع عنوانا للخطة أو الصفقة المذكورة، فإن العبارة المناسبة هي "خطة إدارة الصراع"، وإدارة الصراع تعني عدم الركض وراء الحل، وإن بقي الحديث عنه واردا من باب رفع العتب (كان يُسمى "الحل الإقليمي"، أي توسيع دائرة التطبيع، وتحسين وضع السلطة كحل مؤقت؛ يتحوّل إلى دائم بمرور الوقت).

في الخطاب العام لإدارة بايدن لا يمكن العثور على جديد يُذكر، فهي تتحدث بذات اللغة التقليدية للإدارات السابقة (خلا إدارة ترامب)، أي أنها مع "حل الدولتين"، من دون توصيف ماهية الدولة الفلسطينية. وهي ترفض الاستيطان، ولكنها لا تفعل أي شيء لوقفه، وهي بالضرورة مع إسناد السلطة الفلسطينية الخادمة للاحتلال (فعلت ذلك اقتصاديا، كما دعمت "الأونروا")، وهذه نقطة بالغة الأهمية، يركّز عليها الصهاينة أيضا، لأن انهيار تلك السلطة يمثل "السيناريو الكابوس"، بتعبير محلل صهيوني. أما الجديد في المشهد، فيتمثل في دعم إدارة بايدن لـ"اتفاقيات إبراهام"، ولمسيرة التطبيع مع الكيان، وإن لم تستخدم كل قوتها لفرضه على آخرين، كما كان حال ترامب.

ولكن أين الخطورة في ذلك كله، ولماذا هو أسوأ من صفقة ترامب؟

الخطورة هي في دعم وتثبيت السلطة الخادمة للاحتلال، بما يتيح للأخير الاستمرار في برنامج الاستيطان والتهويد وخلق وقائع جديدة على الأرض، مع مضي برنامج القمع ومطاردة المقاومة، في ذات الوقت الذي تتقدّم فيه مسيرة التطبيع العربي، الأمر الذي يعني تحويل السلطة إلى حالة دائمة تحمل سمات الدولة، من دون الدخول في مفاوضات جديدة، مع أن ذلك ليس مهما، لأن بالإمكان التفاوض عشرات السنين دون جدوى.

الخلاصة أن خطة بايدن هي إعادة القضية إلى مجاهل النسيان من جديد، وزيادة وتيرة التطبيع العربي، وهذه الخطة تبدو الآن أكثر أهمية كونها تأتي بعد "انتفاضة القدس"، ومعركة "سيف القدس"، أي بعد عودة القضية إلى صلب المشهد الدولي وكسبها أنصارا جددا في السياق الرسمي، والأهم في السياق الشعبي، وصولا إلى قول ربع يهود أمريكا إن دولتهم الأم هي دولة فصل عنصري، بحسب استطلاع نُشرت نتائجه مؤخرا.

التصدّي لهذه الخطة وإفشالها سيكون أهم من التصدّي لصفقة القرن، التي كانت برسم الفشل من الأساس، ولن يحدث ذلك من دون التمرّد على عباس ومساراته.

إنها خطة تنسخ واحدا من أهم إنجازات المقاومة في العقود الأخيرة، وتعيد شعبنا إلى واقع البؤس القديم بعد أن التحم في "انتفاضة القدس" كما لم يحدث من قبل؛ في الداخل وفي الشتات، وبدعم من الأمّة، ومن أحرار العالم.

من هنا، فإن التصدّي لهذه الخطة وإفشالها سيكون أهم من التصدّي لصفقة القرن، التي كانت برسم الفشل من الأساس، ولن يحدث ذلك من دون التمرّد على عباس ومساراته، وتخطي برنامجه من قبل قوى المقاومة، والتوقف عن مجاملته عبر الحديث عن الوحدة وإنهاء الانقسام، لأن وحدة تكرّس السلطة الخادمة لاحتلال يواصل الاستيطان والتهويد والقمع، هي وحدة ساقطة لا ينبغي لأحد أن يحتفل عليها.

خطة بايدن هي إعادة القضية إلى حالة الموت السريري بعد أن استعادت حضورها وألقها، وتصدّرت أجندة العالم، وطبعا عبر تكريس واقع السلطة كحل مؤقت؛ يتحوّل بمرور الوقت إلى دائم، ولذلك سيكون التصدي لها وإفشالها هو واجب الوقت بلا منازع.

………………….

نقلا عن " عربي 21"