غرق 11 شابا مصريا في محاولة “هجرة”.. حين يكون الموت أهون من العسكر والفقر

- ‎فيتقارير

يعم الحزن أرجاء قرية "تلبانة" التابعة لمركز المنصورة بمحافظة الدقهلية؛ وذلك في أعقاب غرق 11 شابا من أبناء القرية في مياه البحر المتوسط بالقرب من الشواطئ الليبية يوم الجمعة 27 أغسطس 2021م في محاولة للهجرة  بطريقة "غير نظامية" إلى أوروبا بحثا عن لقمة العيش التي افتقدوها في بلدهم.

وطالب أهالي القرية سلطات الانقلاب بالبحث عن العشرات من أبنائهم المفقودين في الحادث بدعوى اختطافهم، وسط هتافات، منها “عاوزين عيالنا… عاوزين عيالنا”. وأشار الأهالي إلى أنهم فقدوا الاتصال بأبنائهم منذ عدة أيام بعد وصولهم لبعض تجار الهجرة غير النظامية، ووردت أنباء بغرق مركبهم ومصرع 11 منهم كما اتصل بعض الأشخاص بالأهالي -وفق روايتهم- وطلبوا فدية لتحرير عدد من المخطوفين. وبحسب الأهالي فإن الضحايا هم: محمد أبوالعينين، وسليمان محمود، وحمدي عرابي، وأحمد عواض، وحمادة محمد الطاهري، و ناصر شلبي، ومحمد رضا السلاموني، ومحمد حمدان الحارون، وأحمد خالد حموده وعلاء طارق، وحلمي حاتم.

وقال أحد أقارب المتوفين في تصريحات إعلامية، إنهم “سافروا إلى ليبيا عن طريق أحد السماسرة بالقرية، على أن يتم نقلهم إلى إيطاليا عبر زوارق، وفوجئنا بأخبار أنهم لقوا مصرعهم غرقًا خلال استقلالهم زورقًا كان على متنه العشرات”.

وبحسب المنظمة الدولية للهجرة ما زال البحر الأبيض المتوسط أخطر طرق الهجرة في العالم، ففي 2019 أحصت المنظمة 3170 حالة وفاة في كافة أنحاء العالم، أكثر من ثلثها في البحر المتوسط (1246). وتصدرت محافظات الشرقية والدقهلية والقليوبية والمنوفية والغربية والبحيرة وكفر الشيخ في الوجه البحري، والفيوم وأسيوط والأقصر كأكثر المحافظات المصدرة للهجرة غير النظامية وذلك بحسب الخريطة التي قامت بإعدادها اللجنة التنسيقية لمكافحة الهجرة والاتجار بالبشر التابعة لمجلس الوزراء المصري. وجاءت دولة إيطاليا، في المرتبة الأولى لاستقبال مهاجرين غير نظاميين من مصر وذلك لقربها من البلاد من خلال السواحل البحرية كما اتجه بعض سماسرة الهجرة إلي استغلال الشباب واقتناعهم بالسفر إلى ليبيا بطريقة غير نظامية من خلال الصحراء الغربية إلا أن الحكومة المصرية فرضت قبضتها على حدودها.

 

دلالات المأساة

الدلالة الأولى أن هؤلاء الشباب الضحايا فضلوا محاولة الهجرة غير الشرعية عبر الطرق الوعرة التي يمكن أن تسفر عن مقتلهم وغرقهم في أعماق البحر على البقاء في مصر السيسي التي افتقدوا فيها إلى الأمن والأمن والمساواة وبعدما أغلق النظام العسكر الانقلابي كل سبل العيش الكريم أمام أبناء مصر في ظل موجات متلاحقة من الغلاء الفاحش والسياسات النيوليبرالية المتوحشة التي تزيد الأغنياء غنى والفقراء فقرا. حيث يسقط حاليا نحو 30 مليون مصريا تحت خط الفقر بحسب الإحصائيات الرسمية بينما يصل الرقم إلى نحو 60 مليونا وفق تقديرات مؤسسات دولية كالبنك الدولي لا سيما في أعقاب تفشي جائحة  كورونا وتسريح مئات الآلاف من العمال والموظفين بعد إغلاق آلاف الشركات أبوابها بسبب الخسائر الكبيرة التي لحقت بها.

الدلالة الثانية، أن النظام لا يبالي بأرواح هؤلاء الضحايا حتى لو بلغوا مئات الآلاف، فلا هم للنظام إلا تكريس وجوده وضمان بقائه، لأن الأمن السياسي في النظم الشمولية المستبده مقدم على الأمن الاجتماعي وتوفير الأمن والأمان للمواطنين. وأجهزة الدولة الشمولية لا هم لها إلا تأمين الحاكم  وإخضاع الشعب بأدوات القهر والعنف والإرهاب.

الدلالة الثالثة، أن الآلة الإعلامية للنظام تناولت الموضوع خبريا  وبشكل هامشي مع توجيه الاتهام للضحايا باعتبارهم هم المخطئون لأنهم حاولوا الهجرة عن طريق سبل غير شرعية وغير نظامية، دون التطرق إلى مسئولية النظام العسكري عن هذه المأساة لأنهم يهدر مئات المليارات على مشروعات وهمية دون أي جدوى اقتصادية سوى تضخيم بيزنس الجيش وضخ هذه المليارات في ميزانيته السرية التي لا تخضع لأي  جهة رقابية. وكان الأولى وضع هذه الأموال الهائلة في مشروعات إنتاجية لتوفير ملايين من فرص العمل وتسهم كذلك في زيادة الإنتاج والدخل القومي بدلا من إهدارها في مدن جديدة وطرق وكباري ومنشآت إسمنتية وخراسانية لا جدوى اقتصادية.

الدلالة الرابعة، أن النظم العسكرية الشمولية تواجه الفشل بالشعارات البراقة والعناوين الوردية وذلك من أجل تخدير الناس من جهة والتغطية على الفشل الكبير من جهة ثانية. وفي سبيل ذلك يتم توظيف الإعلام من صحف وفضائيات ومواقع وحتى أعمال درامية وسينمائية وأغاني من أجل تمجيد الحاكم الدكتاتور حتى لو كان الشعب يئن من شدة الجوع والفقر والحرمان.

الدلالة الخامسة، أن غرق هؤلاء الشباب برهان على فشل ما يسمى بالبرنامج الاقتصادي الذي بدأه السيسي في نوفمبر 2016م حيث اقترض من صندوق النقد نحو 20 مليار دولار  وبلغ حجم الديون الخارجية حتى مارس الماضي 134 مليار دولار وفق إحصائيات البنك المركزي المصري. وبلغ حجم الفوائد "الربا" وأقساط الديون إلى نحو تريليون جنيه وهو رقم مهول يبرهن على أن الاقتصاد المصري دخل غرفة الإنعاش ولم يعد قادرا على الصمود بذاته ويحتاج دائما إلى الاقتراض أو فرض المزيد من الضرائب والرسوم كما يحدث حاليا في قانون السايس ورسوم التصوير الخارجي حيث تطالب محافظة القاهرة كل من يريد تصوير فيلم أو مسلسل في شوارعها أن يدفع 100 ألف جنيه عن كل يوم!

الأمر الأخير أن هذه المأساة تسلط الضوء على دور الغرب في هذه الجريمة ومثيلاتها إذ هو الذي يدعم النظم الدكتاتورية في بلادنا وهو الذي يقدم لها يد المساعدة حتى تبقى وتستمر في القمع والقتل والإرهاب.

وحمّل تقرير للأمم المتحدة، في مايو 2021م الاتحاد الأوربي المسؤولية عن وفاة آلاف المهاجرين غير النظاميين في السنوات الأخيرة في البحر الأبيض المتوسط، لدوره في عرقلة جهود الإنقاذ وعمليات الصد المتعمدة.

 

التقرير أعده خبراء المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ونشرته عبر موقعها، وهو مكون من 37 صفحة، ويغطي الفترة من يناير2019 وحتى ديسمبر2020. ويحاول آلاف المهاجرين سنويًا الوصول إلى الشواطئ الأوربية انطلاقًا من ليبيا بسبب مشاكل الفقر والصراع في بلدانهم، ويواجهون خطر الموت غرقًا أو الخطف من قبل عصابات القرصنة البحرية.

ويفيد التقرير الدولي أن وفاة المهاجرين غير النظاميين في البحر الأبيض المتوسط ​​هي نتيجة قرارات وممارسات سياسية ملموسة للدول الأعضاء في الاتحاد الأوربي والسلطات الليبية والجهات الفاعلة الأخرى.

ويضيف أن الاتحاد يتحمل مسؤولية وفاة آلاف من طالبي اللجوء، نتيجة عدم استجابته لمكالمات الطوارئ عند حالات غرق قوارب المهاجرين، وعرقلته لجهود الإنقاذ، بالإضافة إلى عمليات الصد المتعمدة التي تقوم بها دول أعضاء بالاتحاد. وهناك ما لا يقل عن ألفين و239 حالة وفاة بين مهاجرين حاولوا الوصول إلى مالطا وإيطاليا عبر ليبيا، ​​في الفترة بين عامي 2019 – 2020.كما غرق ما يقارب 632 مهاجرًا، خلال الأشهر الأربعة الأولى من عام 2021، وفق ما ورد في التقرير الدولي.

وطالب التقرير بضرورة إجراء إصلاحات عاجلة في البنية المؤسساتية للاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بقضايا المهاجرين غير النظاميين، بما يتلاءم مع سلامة وكرامة وحقوق الإنسان.