مسار “الأرز الروسي” يفضح فشل توسعة قناة السويس.. والقادم أسوأ

- ‎فيتقارير

كل يوم يثبت الواقع وتطوراته صحة ما أكدته "الحرية والعدالة" والوطنيون من قوى المعارضة والرافضون لانقلاب العسكر بشأن توسعة قناة السويس مطالبين بتنمية الإقليم كما كان مقررا تنفيذه من قبل نظام الرئيس محمد مرسي، وجعل إقليم قناة السويس محورا اقتصاديا شاملا، يشمل مناطق صناعية وتجارية ومراكز لوجستية وأحواض صيانة السفن وخدمات الإمداد والتموين كمنطقة "جبل علي" بالإمارات، أو تاجيل المشروع الذي كلف المصريين نحو 100 مليارجنيه، في ظل تراجع معدلات التجارة الدولية، وتسارع وتيرة إنشاء طرق بديلة لقناة السويس في روسيا والصين وبين دول الحليج وإسرائيل والتوسع في البحث عن مشاريع جاذبة للتجارة العالمية وحركة السفن والموانئ، كما تسير إستراتيجيات الدول المتقدمة في المجال كالإمارات والصين وغيرها، إلا أن العسكر أسلموا أدمغتهم للإمارات، التي استحوذت على الأراضي الاقتصادية في قناة السويس، دون تنفيذ أية مشاريع تنموية تدعم خطوط الملاحة المرتبطة بقناة السويس، خشية سحب حركة السفن والملاحة من منطقة جبل علي، وتركت التطبيل للسيسي ونظامه وقنواته للاحتفاء بالتفريعة الثالثة لقناة السويس، والتي جلبت الخسائر ولم تحقق ما يصبو إليه الاقتصاديون والشعب المصري.

وبعد الكشف عن خطط إسرائيلية خليجية لتفعيل خطوط الملاحة البرية والبحرية بين دول الخليج والكيان الصهيوني، والمعروف خط إيلات عسقلان لنقل الغاز والنفط من دول الخليج عبر إسرائيل وليس قناة السويس، جاء الكشف عن الخط الملاحي الروسي الجديد.

حيث أعلن وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو، في 6 سبتمبر عن "تأييده لإنشاء ما وصفه بـمسار الأرز الذي من المخطط أن يمتد عبر منطقة سيبيريا ليصبح بديلا لقناة السويس" التي تزايد الإعلان عن مشروعات منافسة لها من دول أخرى منها الاحتلال الإسرائيلي وإيران وإيطاليا.

 

مسار الأرز

ووفق وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو في حديث لقناة "RBC" الروسية يوم الاثنين الماضي فإن "سيبيريا منذ زمن طويل هي جزء من طريق الحرير الكبير، ويجب إنشاء مسار الأرز الحديث ليكون طريقا آمنا وفعالا بين أوروبا والصين ومضيفا تبلورت ضرورة إنشاء مثل هذا الممر الآمن للنقل بشكل واضح منذ فترة طويلة، وخاصة عند استذكار الأحداث الأخيرة المتعلقة بانسداد قناة السويس وهجمات القراصنة وكذلك الأوضاع الراهنة في أفغانستان".

وقال شويجو إن "مراكز الإنتاج في سيبيريا التي ستكون لديها إمكانية الوصول إلى "مسار الأرز" ستمنح قدرة لنقل المواد والمكونات بين أطراف الشبكات الإنتاجية، مشيرا إلى ضرورة تحديث السكك الحديدية العابرة لسيبيريا وتحويلها إلى الجر الكهربائي أو الغاز الطبيعي المُسال".

ومع تعدد الطرق البديلة أضحت قناة السويس في مواجهة لا يُستهان بها مع العديد من مشروعات المسارات البديلة التي تتبناها دول كبرى في بقاع شتى من المعمورة، بعضها يحمل أجندات سياسية وأخرى تبحث عن مكاسب اقتصادية بجانب زيادة نفوذها على ممرات التجارة العالمية. 

وبحسب خبراء اللوجستيات فإن حديث وزير الدفاع الروسي "يؤكد الحاجة إلى فتح ملف إنشاء منطقة لوجستية بمنطقة قناة السويس، إذ أن المشروعات الضخمة التي تحدث عنها شويجو وتطمح إليها روسيا قائمة بالأساس على إنشاء مشروع النقل قبل التفكير فيها، أي أن أي منطقة لوجستية ومجتمعات سكانية شرطها الأساسي هو النقل".

وكان  المهندس ممدوح حمزة حذر من "استمرار التعامل مع قناة السويس باعتبارها ممرا ملاحيا فقط ولفت في دراسة سابقة إلى أنه "منذ افتتاح قناة السويس عام 1869 وحتى الآن ينحصر دخلها في العائد من الملاحة فقط، ولم تحقق أي عائد من الموقع، إلا ميناءي شرق بورسعيد، والعين السخنة على البحر الأحمر، شرق البلاد (تستغله شركة موانئ دبي) عند مدخلي القناة اللذين قام بتخطيطهما وتصميمهما".

وبحسب حمزة فإن "العائد من الميناءين لمصر هو الفتات، بينما العائد الحقيقي ذهب للشركات المحتكرة التي تسلمت الميناءين من الحكومة المصرية تسليم مفتاح بعقود أقل ما يُقال عنها إنها ضيعت على مصر حقها".

وأضاف أن "مصر قبل إنشاء قناة السويس كانت تحقق عائدا كبيرا متنوعا نتيجة موقعها المتميز من خلال دخول التجارة الدولية إلى البلاد من السويس مثلا، حيث كانت تتم إعادة تصديرها من الإسكندرية بعد تعامل الشعب معها وتحصيل الجمارك، أي أن الشعب كان يستفيد استفادة مباشرة بالتربح من خلال التعامل مع البضاعة من النشاط الصناعي، واللوجستي، والخدمي، والذي كان موجودا بالفعل ويمارس على البضاعة المارة على أرض مصر قبل إنشاء القناة، إضافة إلى أن الحكومة أيضا كانت تحقق عائدا من الجمارك، ولقد توقفت كل تلك الاستفادات المباشرة للشعب مع بدء تشغيل قناة السويس وقتها، وهذا هو ما أعنيه بالعائد من الموقع".

وأكد حمزة أن "مشروع تطوير محور قناة السويس هو محاولة لإعادة عائد مصر السابق من التجارة العالمية العابرة لأراضينا مستغلين موقعنا المتميز، وهو أحد المشروعات الأولى بالرعاية بالنسبة للاقتصاد القومي".

وأوضح أن "قيمة دخل قناة السويس من الملاحة هو حاصل ضرب الحمولة العابرة بالطن، ورسم العبور لكل طن ومضيفا أن الحمولة العابرة يتحكم فيها حجم التجارة العالمي المتغيرما بين الشرق والغرب، أما الحد الأقصى للرسوم لكل طن فتحددها وتشكل سقفاًلها كلفة النقل بالطرق البديلة لنقل البضاعة ما بين الشرق والغرب".

 

4 طرق بديلة

وأشار إلى أنه "في الماضي كان هناك طريق بديل وحيد هو طريق رأس الرجاء الصالح، أما الآن فهناك أربعة طرق بديلة إضافية هي طرق ليست الأمثل ولكنها بالفعل تشكل بدائل جزئية ولكنها جاذبة لبعض البضائع".

وبحسب حمزة فإن "هذا الطريق يبدأ بـطريق الحرير، وهو خط السكة الحديد الذي يربط ما بين أقصى شرق الصين وأقصى غرب إسبانيا بطول 13000 كيلومتر، إضافة إلى محور إيلات أسدود، وهو مشروع بتمويل صيني بقيمة 5 مليارات دولار مقابل غاز من البحر المتوسط، وفي حال الانتهاء من تنفيذه سيكون ميناء محوريا داخليا خلف إيلات، وخط سكة حديد يبلغ طوله حوالى 300 كيلومتر، ويبدأ من إيلات على البحر الأحمر جنوبا ويتجه حتى ميناء أسدود على البحر المتوسط".

أما البديل الثالث، بحسب حمزة فهو المسار القطبي ويبلغ طول المسار الملاحي من كوريا إلى روتردام 15 ألف كيلومتر، بينما تصل المسافة عن طريق قناة السويس إلى 22 ألف كيلومتر، وهو يستخدم الآن عدة شهور في السنة وأخيرا قناة بنما، ومخطط مشروع قناة نيكاراغوا".

وأضاف حمزة أن "حجم التجارة العالمي متذبذب ونرى صعودا وهبوطا فيه، وهو في الوقت نفسه المؤثر الرئيسي في دخل قناة السويس، بل هو المؤثر الوحيد والمرتبط بالعرض والطلب في التجارة ما بين الشرق والغرب، وليس مرتبطا بما تقوم به الدولة المصرية داخل قناة السويس والنتيجة المستخلصة من ذلك أن مصر ليس لها ناقة أو جمل فى زيادة أو نقصان حجم التجارة العالمية المارة في قناة السويس، وبالتالي ليس لها تأثير في محاولة زيادة دخل قناة السويس من الملاحة، اللهم إلا إذا زاد العمق لتستوعب نوعيات أكبر من السفن".

ولفت إلى أن "التكتلات الاقتصادية الإقليمية التي نشأت وتنشأ بهدف تحقيق تكامل اقتصادي إقليمي ورفع الجمارك البينية من شأنها أن توثر بالسلب على حجم التجارة بين الشرق والغرب، وهذه التكتلات الاقتصادية الإقليمية ستزيد التجارة البينية بين أعضائها، ما يقلل من التبادل التجاري بين الشرق والغرب، أي أن الشرق سيحاول أن يكتفي ذاتيا وكذلك الغرب، وهذا سوف يؤثر سلبا على حجم البضاعة العابرة في قناة السويس، وبالتالي يؤثر سلبا على دخل قناة السويس من الملاحة".

وأضاف أنه "في الأساس فإن أميركا تحاول تقليص دور الصين في التجارة العالمية بجذب تجارة أوروبا عبر الأطلسي وتجارة آسيا عبر المحيط الهادئ، وكلاهما يقلل من دخل قناة السويس، بمعنى أن الحرب الاقتصادية بين أميركا والصين تضر بمصر".

وأكد حمزة أن "دخل الملاحة بيد تجارة العالم الخارجي، أما ما بيد مصر فهو عائد الموقع، أي العائد من الأنشطة الاقتصادية على ضفتي القناة، والذي يمكن أن يصل إلى أرقام عظيمة ودون حدود في حال الحكمة في التخطيط والغيرة الوطنية".

ولعل دراسة حمزة المطارد أمنيا، تكشف إلى أي مدى ضحالة فكر العسكر، الذين سعوا ببهلوانية السيسي لعمل مشروع كلف الدولة 100 مليار بلا فائدة، اعترف بعدها السيسي بأنها كانت لرفع الروح المعنوية للمصريين على حد تعبيره، وتبقى مصر وشعبها الخاسر الأكبر من وجود العسكر في سدة الحكم، رافضين الانصياع لأراء الخبراء في التطوير والبناء لاقتصاد مصري وطني يقي الشعب العوز والفقر والجوع، وهو ما يبدو أنه سلاح السيسي لإخراس الشعب والبقاء على سُدة الحكم بقوة الدبابة.