علينا ألا نقيم وزنا للحفلة التي تنصبها الآلة الإعلامية لتحالف الثورات المضادة بشأن خسارة الإسلاميين في المغرب في الانتخابات التشريعية؛ حيث حصلوا على الترتيب الثامن رغم أن الحزب تصدر في الاستحقاقين السابقين في 2011م و2016م. ذلك أن هذه الحفلة في القاهرة وأبو ظبي والرياض ترى أن هذا التحالف يحقق انتصارات كما حدث في تونس في أعقاب انقلاب الرئيس قيس سعيد والإطاحة بالدستور من خلال الإطاحة بالحكومة وتجميد عمل البرلمان وتجميع جميع السلطات في يده بعد قرارات 25 يوليو الانقلابية.
من جانب آخر، يجب التنويه إلى أن الإسلاميين في المغرب تياران: الأول هو جماعة العدل والإحسان والتى تحظى بقاعدة جماهيرية عريضة لكنها لا ترى جدوى من المشاركة في الانتخابات تحت مظلة دستور يقلص صلاحيات الحكومة في الوقت الذي يمنح فيه الملك صلاحيات شبه مطلقة وهو من يتحكم فعليا في جميع القرارات المصيرية للدولة. لذلك أعلنوا ويعلنون دائما رفضهم لمسار الانتخابات كأداة من أدوات التغيير لأن سقف الحركة تحت مظلة الدستور صغيرة ولا تمنح أي حكومة مهما بلغت شعبيتها أي صلاحيات حقيقية تمكنها من إجراء تغييرات حقيقة ومثمرة. أما التيار الثاني، فهو تيار حزب "العدالة والتنمية" الذي يتبنى خيار الانتخابات تحت مظلة الدستور على أمل أن يسهم ذلك في بناء نظام ديمقراطي متدرج من خلال العمل مع الديوان الملكي وتوفيق الأوضاع من أجل استقرار البلاد. وقد حقق الحزب نتائج كبيرة وقاد الحكومة لعشر سنوات كاملة.
أسباب الخسارة
وقد أحسنت الأمانة العامة للعدالة والتنمية عندما قررت مساء الخميس الماضي 09 سبتمبر 2021م، تقديم استقالتها وأنها تتحمل المسئولية كاملة عما آلت إليه أوضاع الحزب لحين تنظيم مؤتمر عام لانتخاب قيادة جديدة.
ويعزو مراقبون أسباب الخسارة إلى عدة أسباب، أولها بعض القرارات غير الصائبة التي مست شرائح عدة متعاطفة مع الحزب، وأثرت في دخولها ووضعياتها الاجتماعية، خصوصاً الطبقتين الوسطى والفقيرة من قبيل إصلاح صندوق المقاصة ونظام التقاعد.
وثانيها، موقف حكومة سعد الدين العثماني بشأن التطبيع مع الكيان الصهيوني، حيث كان العثماني ممثلا للمغرب في التوقيع على الاتفاق، ورغم أن الحزب يعارض هذه التوجهات ولكنه أذعن لأوامر الملك وتوجهاته وبذلك فقد الحزب هويته الإسلامية التي طالما كانت سببا في شعبته وتخلى عنها أمام اختبار قاس كهذا، وكان أولى بالعثماني أن يتحفظ على الاتفاق من جهة وأن يمتتنع عن تمثيل الحكومة في التوقيع على الاتفاق من جهة ثانية. أو تقديم الاستقالة والتمسك بمواقفه بشأن هذا الملف الحساس.
وثالث الأسباب، هو موافقة الحكومة على تقنين زراعة القنب الهندي "الحشيش"، ورغم أن الموافقة مشروطة باستخداماته الطبية والصناعية إلا أن أحزاب المعارضة استغلت الوضع لتشويه صورة الحزب ما أفقدته كثيرا من مصداقيته في الشارع.
توجهات ملكية
رابع الأسباب هو توجهات النظام الملكي نحو الإطاحة بالإسلاميين بعد تجربة السنوات العشرة، ويبرهن على ذلك أمران: الأول هو التعديلات التي أدخلت على قانون الانتخابات والتي اعتبرت تمهيدا لتقليص نسبة الحزب في الانتخابات، والثاني هو دعم الديوان الملكي لأحزاب المعارضة وأبرزها التجمع الوطني للأحرار 102 مقعد، حزب الأصالة والمعاصرة 86 مقعدا، حزب الاستقلال 81 مقعدا. فيما حصل العدالة و التنمية على 13 مقعدا فقط. كما أن الأنتخابات شهدت خروفا وتزويا فجا في كثير من المناطق والمدن والأحياء. وهو ما لمح إليه بيان الحزب الذي يؤكد أن النتيجة التي حصل عليها ليست منطقية ولا تعكس الحجم الحقيقي للحزب ووزنه النسبي في الشارع. لكن حركة العدل والإحسان أفصحت عن ذلك صراحة مؤكدة أن العملية الانتخابية شهدت تزويرا وتضخيما في نسبة المشاركة وبقيت متمسكة بموقفها بعدم جدوى الانتخابات تحت مظلة دستور يمنح للملك كل الصلاحيات ويجعل من الحكومة المنتخبة مجرد سكرتارية في بلاط الملك.
عموما على قادة العدالة والتنمية استخلاص الدروس وإعادة تقييم التجربة ورص الصفوف من أجل البدء في مرحلة جديدة تكون أكثر وعيا وفهما وإدراكا لطبيعة المشهد السياسي في المغرب وحدود الحركة والمناورة في ظل ضرورة إعادة الاعتبار للمبادئ التي قام عليها الحزب ولم يظهر تمسكا بها في مرحلة الحكم التي كانت مفيدة في كل الأحوال فقد تكون لدى الحزب جيل مارس التجربة وقادر على إعادة البوصلة نحو المسار الصحيح الذي يضع الحزب على طريق النضال لتكوين تجربة ديمقراطية حقيقية نحو نظام ملكي دستوري يقزم من صلاحيات الملك لحساب الحكومة المنتخبة، وليس ملكيا مطلقا كما هو الوضع الحالي.