قيس سعيد مجرد غطاء مدني للجيش.. ماذا وراء الانقلاب في تونس؟

- ‎فيتقارير

تنزلق تونس بقوة الدفع الانقلابي نحو فوضى عارمة على المستويات السياسية والاقتصادية في أعقاب القرارات الانقلابية التي أصدرها الرئيس قيس سعيد في 25 يوليو 2021م، وهي القرارارت التي مثلت انقلابا على  الثورة والدستور والمسار الديمقراطي كله؛ حيث جمد البرلمان وأطاح بالحكومة، وجمع السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية في يده، بعدما ورط المؤسستين العسكرية والأمنية في إجراءات الانقلاب التي تحفظت عليها جميع الأحزاب التونسية.

آخر مشاهد الفوضى، ما جرى السبت 25 سبتمبر 2021م، حيث أحرق العشرات من أنصار الرئيس نسخ من الدستور التونسي، في تعبير منهم عن تأييده في انقلابه عليه، في حين لقي ذلك استنكارا واسعا في مواقع التواصل الاجتماعي. جاء ذلك في وقفة لأنصار سعيد بالعشرات، أمام المسرح وسط العاصمة، وقام بعضهم بتمزيق نسخ أخرى والدوس عليها. ويتجه سعيد إلى إلغاء دستور 2104، من دون إعلان ذلك صراحة؛ بعد أن وجه له انتقادات متكررة، معتبرا أنه غير مقدس.

والأربعاء الماضي، أعلنت الرئاسة وجريدة "الرائد" الرسمية عن تدابير مؤقتة لتنظيم السلطتين التنفيذية والتشريعية، اعتبر مراقبون أنها تعزز صلاحيات سعيد، الذي بدأ في 2019 ولاية رئاسية من 5 سنوات، على حساب البرلمان والحكومة، ضمن أزمة سياسية حادة تعانيها البلاد. وأكدت الأحزاب المعارضة له، أن إجراءاته الجديدة تمثل "خروجا على الشرعية وانقلابا على الدستور، الذي أقسم رئيس الجمهورية على حمايته، ودفعا بالبلاد نحو المجهول".واعتبرت الأحزاب "رئيس الجمهورية فاقدا لشرعيته بخروجه عن الدستور، وكل ما بني على هذا الأساس فهو باطل ولا يمثل الدولة التونسية وشعبها ومؤسساتها، وهو يتحمل مسؤولية كل التداعيات الممكنة لهذه الخطوة الخطيرة".

وعلى المستوى الاقتصادي، اقترضت  قيس سعيد،  بحسب تقرير لوزارة الاقتصاد والمالية، نشر السبت، مبلغ 8.78 مليارات دينار (3.15 مليارات دولار) لتغطية العجز في ميزانية الشهور السبعة الأولى لـ 2021. جاء ذلك، بحسب تقرير حول نتائج تنفيذ الميزانية العامة للبلاد، التي تواجه تحديات مالية متصاعدة لما تبقى من العام الجاري.

وكانت بيانات وزارة المالية مطلع العام الجاري، أظهرت أن مشروع موازنة 2021، قدّر الحاجة إلى اقتراض 18.59 مليار دينار (6.68 مليارات دولار) في كامل 2021. وتتوزع القروض التي حصلت عليها تونس خلال الشهور الماضية، بين 4.94 مليارات دينار (1.77 مليار دولار) في شكل اقتراض داخلي، و3.83 مليارات دينار (1.38 مليار دولار) اقتراض خارجي. وتسعى تونس إلى الحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي، بحوالي 4 مليارات دولار، حيث انطلقت في محادثات تقنية منتصف مايو الماضي، لكن المحادثات توقفت بسبب الأوضاع السياسية التي تمر بها البلاد. وبحسب التقرير ذاته، بلغ حجم الدين العام لتونس في نهاية يوليو، 99.09 مليار دينار (35.64 مليار دولار)، منها 60.9 مليار دينار (21.9 مليار دولار) دين خارجي و38.1 مليار دينار (13.7 مليار دولار) دين داخلي.

 

ماذا وراء الانقلاب؟

ويرى الكاتب والمحلل السياسي وائل قنديل في مقاله له بعنوان «متى يبدأ قيس سعيّد بناء الكباري؟»، والمنشور بصحيفة العربي الجديد بتاريخ 24 سبتمبر 2021م، أن قيس سعيد أقل شأنا من أن يتخذ هذه الإجراءات الانقلابية، وأن مجرد غطاء مدني لانقلاب عسكري متوقعا بروز الجنرال "المخلص" في وقت قريب للإطاحة بكل السياسيين وتأسيس نسخة دكتاتورية من الحكم العسكري على غرار ما جرى في مصر في يوليو 2013م.

يقول قنديل: «منذ اليوم الأول لقرارات قيس سعيّد الانقلابية بإلغاء الحياة البرلمانية وحل الحكومة، قلت إن الرجل، من حيث القدرات الشخصية، لا يستطيع القيام بانقلابٍ على مستوى عائلته الصغيرة. ومن حيث الجماهيرية هو أكثر ضآلة من أن يقفز بتونس تلك القفزة المجنونة في عمق محيط الثورات المضادّة، وبالتالي هو ليس أكثر من واجهةٍ مدنيةٍ لانقلابٍ عسكري صامت، لم يعلن عن نفسه بشكل كامل، مكتفيًا بتأمين انقلاب الرئيس المدني المنتخب على الدستور، منصّبًا نفسه فرعونًا يشبه تلك المومياوات التي زارها في متحفها بالقاهرة، مدعوّا من الانقلابي الأول في المنطقة، والذي كان رأس الحربة في مشروع الحرب على الربيع العربي».

ويضيف الكاتب أنه  «في حالة قيس سعيّد، وبما أنه لم ينحدر من قمة مؤسسة عسكرية، تتحيّن الفرصة لاستعادة الهيمنة على السياسة، فلن تسعفه الظروف لكي يبني الكباري والكتل الخرسانية بيد، وباليد الأخرى يهدم جسورًا إنسانية وينسف قناطر اجتماعية، فذلك الدور محجوز للجنرال الذي لم يظهر بعد. على أن ذلك كله من الممكن أن يكون حرثًا في البحر، وينهار كالرمال الناعمة، لو أن نخبة سياسية وجماعة وطنية تونسية استوعبت الدرس المصري، ودقّقت النظر في مآلات مجموعات الانتهازية السياسية التي اصطفت مع الجنرالات لهدم البناء السياسي برمته، تحت مزاعم الخوف على مستقبل الديمقراطية والحياة المدنية من فصيل الإسلام السياسي الذي وصل إلى الحكم، وفق مبادئ وقواعد أقرّت بها الأطراف كلها».

وينتهي قنديل قائلا «الآن في تونس هناك شخص يسلك وكأنه يمارس بلطجة سياسية، معلنًا: أنا الدستور والنظام والحكومة والقضاء والقدر .. أنا الثورة والثورة المضادة .. أنا الانقلاب بيدي الجيش وبالأخرى الشرطة، والقضاء أحركه بإصبعي، لكنه، في نهاية المطاف، ليس إلا ممثلًا مغمورًا يؤدّي دور البطولة في دراما تقليدية معروفة نهايتها».

 

شتان بين مرسي وسعيد

وينتهي قنديل إلى مطالبة القوى السياسية في تونس التي تزعم الخشية على  الديمقراطية والمدنية من الإسلام السياسي أن أن تسأل مثيلتها في مصر عن أحوالها الآن بعد ثماني سنوات مظلمة، بدأت باستدعاء الجنرالات والثورة المضادّة لإسقاط رئيسٍ أصدر إعلانا دستوريًا بإعفاء نائب عام النظام الذي أسقطته الثورة، ثم تراجع عن هذا الإعلان، بعد أن رفضه كثيرون منا ، على الرغم من أنه لم يكن هناك برلمان أو دستور في ذلك الوقت.

ويرد على أولئك الذين يشيعون زورا أن ما فعله قيس سعيد شبيه بما فعله الرئيس الشهيد محمد مرسي بإعلانه الدستوري في نوفمبر 2012م ثم تراجع عنه بعدها بأيام. مؤكدا أن «ما فعله قيس سعيّد، لا يمكن مقارنته بما حاول أن يفعله الرئيس محمد مرسي في 2012 حين استخدم سلطاته في إصدار إعلان دستوري مؤقت، فالأخير كان على رأس نظام بلا مجلس تشريعي، ولم يقرّ دستوره بعد، فكان مضطرًا للجوء لإجراءات تشريعية استثنائية ووقتية، تم النظر إليها ــ يقصد من جانب العلمانيين والفلول ــ  باعتبارها استبدادًا بالسلطة ودكتاتورية في الحكم تنزع الشرعية عن صاحبها. أما قيس سعيّد فقد أسقط المجلس التشريعي، وألغى الحكومة، وتغوّل على القضاء، ولم نسمع صوتًا للتيارات السياسية العربية التي أعلنت الحرب ضد الشهيد محمد مرسي، وهي تصرخ وا انقلاباه!.