السودان في المرحلة الانتقالية.. من “اللاءات” إلى التطبيع مع الاحتلال

- ‎فيعربي ودولي

أكدت إذاعة جيش الاحتلال الصهيوني أن وفدا عسكريا سودانيا زار إسرائيل خلال الأيام الماضية، ونقلت عن مصادر رسمية في تل أبيب القول إن الوفد الذي ترأسه الفريق عبدالرحيم حمدان دقلو أحد كبار أعضاء مجلس السيادة السوداني والأخ الشقيق لنائب رئيس مجلس السيادة اللواء محمد حمدان حميدتي، قد غادر تل أبيب بالفعل عائدا إلى الخرطوم، مضيفة أن السودان أعلن المشاركة يوم 14 سبتمبر الجاري في الاحتفال الرسمي بإعلان الاتفاق الإبراهيمي في الولايات المتحدة الأمريكية.

ويعد هذا اللقاء هو الثاني خلال شهور بعد زيارة قام بها رئيس الاستخبارات الإسرائيلي السابق إيلي كوهين للخرطوم، ولقائه رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان والذي جرى فيه الاتفاق على توثيق التعاون بين الجانبين.

وقد انتقد ممثلو المكون المدني في مجلس السيادة حيها علنا سلوك العسكريين وحرصهم على فتح قنوات اتصال مستقلة مع الموساد دون التنسيق معهم أو التشاور مع الحكومة التي يديرها المكون المدني في الخرطوم، فيما لا يزال يدفع مؤيدو التطبيع داخل المكون المدني بدعاية مصلحة البلاد ما يجدد السجال حول الثوابت الثقافية والاجتماعية من مسألة التطبيع مع الاحتلال فضلا عن جدواها.

وكان وزير الخارجية الصهيوني يائير لابيد أطلق تصريحا مثيرا خلال حضوره الجمعية العامة للاتحادات اليهودية في أمريكا جاء فيها أن حكومة بلاده تحقق تقدما في مسار التطبيع وأنها بصدد توقيع اتفاقيات تطبيع جديدة مع دول لن يمكنه الإفصاح عنها في هذا التوقيت.

وأضاف أن الجهد الذي يجري لإبرام الاتفاقات الجديدة لا يأتي بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية فحسب؛ وإنما تتقدمها دول عربية شقيقة مثل المغرب والبحرين والإمارات.

وكشفت المصادر أن النشاط الذي تقوم به عدة أجهزة مخابرات عربية وأجنبية لاستقطاب مكونات السلطة الانتقالية بشقيها المدني والعسكري في الخرطوم تحظى فيه الإمارات تحديدا بالنصيب الأوفر في هندسة عملية التطبيع والترويج للسلام الإبراهيمي المزعوم.

وشهدت منصات التواصل الاجتماعي جدلا واسعا بشأن زيارة الوفد العسكري السوداني إلى تل أبيب، تزامنا مع تصريحات نائب رئيس مجلس السيادة السوداني محمد حمدان حميدتي بشأن التمسك بتبعية جهازي الأمن والاستخبارات وعدم تسليمهما للحكومة المدنية الحالية أو المقبلة.

 

اللجوء إلى أحضان الصهاينة

وكشفت تعليقات النشطاء التناقض الشديد في تصريحات القادة العسكريين، وقال المحلل السياسي ياسر الزعاترة في حسابه على تويتر: "إذاعة جيش الاحتلال تكشف عن زيارة قام بها وفد سوداني ترأسه شقيق حميدتي الفريق عبدالرحمن دقلو ".

وأضاف الزعاترة: "كلما تأزم حميدتي في الداخل أو لوح له الأمريكان بجرائمه في دارفور لجأ إلى حضن الكيان، مال الثورة المضادة يشجعه أما خصومه المدنيون مشغولون في بمطاردة أشباح "الكيزان".

وقال الدكتور أحمد مقلد: "العالم كله عارف ان المكون العسكري مختلف جدا عن المكون المدني في السودان، الخلاف بسبب أن المكون المدني ما عارف يدير ملف الأمن الداخلي ومهموم بالانتقام بدل تحقيق عدالة حقيقية ومهموم بالمناصب بدل حل مشاكل المواطن اليومية والمستمرة، دي رسالة لكل شخص لسه نايم وبيحلم".        

وقال أنور إبراهيم، مسؤول أمانة الإعلام بحزب الأمة القومي بالمملكة المتحدة، إن هذه الزيارة لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة فالزيارات مستمرة دون ضوابط خلال الفترة الانتقالية، مضيفا أنه عند زيارة وزير خارجية الولايات المتحدة للخرطوم اتصل على رئيس الوزراء عبدالله حمدوك وطلب منه تجهيز خطاب التطبيع مع الاحتلال، فتشاور حمدوك مع قوى الحرية والتغيير وحزب الأمة واستمر الاجتماع لساعات وخلص إلى أن يخبر حمدوك وزير الخارجية الأمريكي بأنه غير مفوض بملف التطبيع لأنه يخص الشعب السوداني كله، وأن الفترة الانتقالية لها مهام محددة.

وأضاف إبراهيم، في حواره مع قناة مكملين، أنه بعد الزيارة السرية لرئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان إلى أوغندا ولقائه رئيس وزراء الكيان الصهيوني، تماهى البرهان في هذا الاتجاه وهذه جريمة كبيرة تتحملها الفترة الانتقالية، مؤكدا أن الشعب السوداني يرفض تماما استغلال ظروفه الآن لتمرير أجندات خارجية.

وأوضح أن الجانب العسكري بدأ يبحث عن طوق نجاة، لأن أيدي قياداته ملطخة بدماء السودانيين أثناء فض الاعتصام، عبر الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، مؤكدا أن الحكومة الانتقالية لا تملك تفويضا للتطبيع مع الاحتلال وهذا الأمر يخص الشعب السوداني كله.

 

التطبيع عديم الفائدة

بدوره قال الدكتور محمد خليفة صديق، أستاذ العلوم السياسية بجامعة إفريقيا العالمية، إن التطبيع لم يحقق أن فائدة للسودان، وقد ظنت الحكومة أنه سيكون دافعا اقتصاديا لها وسارعت إليه بدون أي ترتيب أو منهجية واضحة والمستفيد الأكبر من التطبيع كان الاحتلال الصهيوني لفك العزلة العربية عنه ومن الناحية الاقتصادية بعد السماح للطائرات الإسرائيلية بعبور الأجواء السودانية باتجاه أمريكا الجنوبية.

وأضاف صديق أن زيارة الوفد العسكري السوداني كانت متوقعة لأن الاحتلال يهدف إلى وقف التهديدات الأمنية من السودان لأنه كان من أول الدول التي تدعم المقاومة الفلسطينية بالسلاح، وقد طلبت إسرائيل إغلاق مصنع اليرموك شرقي السودان، مضيفا أن العسكريين يهرولون نحو التطبيع للاستفادة من التكنولوجيا الإسرائيلية الدفاعية والعسكرية.    

وأوضح أن مجلس السيادة يبحث عن شرعية عبر التطبيع مع الاحتلال بدعم من الشق العسكري، وأيضا بزعم وجود فوائد اقتصادية لأنهم يرون أن الاحتلال متقدم في الزراعة والصناعة ويمكن للسودان الاستفادة من هذه الخبرات لكن التاريخ يخبرنا أن كل الدول التي طبعت مع الاحتلال لم تستفد من هذه العملية مثل مصر والأردن.