هل يكون اقتتال الأحباش مخرجا لمصر والسودان من أزمة سد النهضة؟

- ‎فيعربي ودولي
Members of Ethiopia's military perform during the 121st celebration of the battle of Adwa between the Ethiopian Empire and the Kingdom of Italy near the town of Adwa, Ethiopia's Tigray region, March 2, 2017. REUTERS/Tiksa Negeri

خلال السنوات الماضية أبدى الأحباش (حكومة إثيوبيا) كل نوازع الطمع والكبر والاستعلاء، فقرروا احتكار نهر النيل لحسابهم الخاص وتحويله إلى بحيرة إثيوبية خالصة بهدف تحويل المياه إلى سلعة وابتزاز دولتي المصب مصر والسودان بإقامة السد العظيم الذي يحجز 74 مليار متر مكعب من المياه.

في البداية زعموا ــ  وثبت أنهم كانوا كاذبين ــ أن الهدف هو توليد الكهرباء، لكن حجم السد وارتفاعه وحجم البحيرة العظيمة التي أمامه تبرهن على أن الهدف هو احتكار الماء وليس توليد الكهرباء. رغم إن إثيوبيا لا تحتاح أصلا إلى هذه المياه لأنها تتمتع بوفرة كبيرة من المياه العذبة حيث يسقط عليها سنويا نحو ألف مليار م مكعب من الأمطار. معنى ذلك أن الهدف من عملية بناء السد ليست التنمية فقط، بل الهدف هو الابتزاز والتحكم في نعمة من نعم الله لم يختص بها إثيوبيا وحدها بل جعل النيل نهر دوليا عابرا هو أطول أنهار الأرض على الإطلاق. ولطالما عاش المصريون على مياه النيل عبر آلاف السنين حتى أطلق عليها المؤرخون "هبة النيل".

بلا شك أن  نظام الجنرال عبدالفتاح السيسي قد حقق صفرا كبيرا في تعامله مع ملف سد النهضة الإثيوبي؛ ذلك أن السيسي في سبيل الحصول على شرعية لنظامه الانقلابي، تنازل عن حقوق مصر المائية بالتوقيع على اتفاق المبادئ في مارس 2015 بالعاصمة  السودانية الخرطوم. وهو التوقيع الذي توظفه إثيوبيا حتى اليوم للبرهنة على مشروعية ما تقوم به من إجراءات أحادية تضر بحقوق دولتي المصب.

لكن الله الكبير يأبى أن يموت عشرات الملايين من المصريين جوعا وعشطا،  فسلط رئيس حكومته الأرعن آبي آحمد على شعبه حتى مزق نسيجه الاجتماعي تماما كما فعل السيسي من قبل بانقلابه المشئوم في يوليو 2013م، لكن الوضع في إثيوبيا مختلف؛ فأمام الانتهاكات المروعة التي ارتكبتها قوات الحكومة المركزية بحق عرقية التيجراي الذين كانوا يحكمون إثيوبيا من قبل، لم يقف هؤلاء عاجزين، بل ردوا على النار بالنار والقتل بالقتل وتمكنوا من صد عدوان القوات النظامية ثم الإعلان مؤخرا عن التوجه بقواتهم نحو العاصمة أديس أبابا للسيطرة على الحكم والسلطة في البلاد.

اللافت هذه المرة أن هناك مجموعات عرقية أخرى من قومية الأورومو وهي كبرى العرقيات في البلاد أعلنت هي أيضا توجيه قواتها نحو العاصمة للسيطرة عليها؛ الأمر الذي دفع رئيس الحكومة الأرعن أبي أحمد لدعوة الإثيوبيين لحمل السلاح للدفاع عن بلادهم رغم أنه هو سبب الأزمة؛ فلا يوجد حاكم عاقل يحارب جزءا من شعبه ويعدهم إرهابيين إلا إذا كان ظالما طاغية مستبدا لا يستحق أن يتولى هذا المنصب الرفيع. فلو كان العدل يسود البلاد لما جرى كل ذلك؛ لكنه الظلم وهل تكون عواقب الظلم إلا وخيمة على الجميع؟!

المشهد اليوم بات معقدا على نحو كبير؛  فهناك حشود مسلحة تتجه نحو العاصمة أديس أبابا للسيطرة على البلاد؛ ورئيس الحكومة يبدو أنه عاجز عن مواجهة هذه القوات وإلا كان قد تمكن من وقفها وهي تلتهم في طريقها المدن والقرى واحدة تلو الأخرى.

هذا الوضع المعقد، دفع مجلة "إيكونوميست" البريطانية إلى حث المجتمع الدولي على ضرورة التحرك الفوري قبل حدوث حمامات دم. وقالت المجلة إنه مرة أخرى تقاتل الحكومة الفيدرالية المتمردين من تيجراي. ومرة أخرى، منعت عمدا دخول الغذاء والدواء إلى هذه المنطقة الشمالية، حيث يعاني 400 ألف شخص حاليا من مجاعة، والملايين معرضون للخطر. مرة أخرى تزحف جبهة تحرير شعب تيجراي باتجاه أديس أبابا. وفي هجوم سريع استولت على بلدات تقع على جانبي الطرق شمالي العاصمة. وتهدد مجموعة متحالفة، تدعي أنها تمثل الأورومو، أكبر مجموعة عرقية في إثيوبيا، بقطع الطرق المؤدية إلى المدينة من الجنوب. وتقول إنها أيضا تزحف نحو أديس أبابا.

في المرة الأخيرة التي سقطت فيها أديس أبابا، في عام 1991، تم تجنب حمام دم بطريقة ما. وتم عقد محادثات سلام في لندن. فر الديكتاتور منجستو هيلا مريام إلى الخارج. ولم يستمر القتال الدائر في العاصمة سوى بضع ساعات. لكن هذه المرة، ليس من الواضح على الإطلاق ما إذا كانت الحرب الأهلية ستنتهي بنفس الهدوء.

ودعت السلطات في أديس أبابا سكانها البالغ عددهم 5 ملايين إلى تنظيم أنفسهم في كتل والدفاع عن المدينة. ولم يظهر آبي أحمد، رئيس وزراء إثيوبيا، أي مؤشر على موافقته على المحادثات. في 3 نوفمبر، في احتفال بمناسبة بدء الحرب قبل عام، قال آبي لضباط الجيش إن "إثيوبيا ستهزم كل أعدائها بدماء وعظام أطفالها وستعيش إلى الأبد في مجد". وقد أعلن حالة الطوارئ، ومنح قواته سلطات واسعة لاعتقال أي شخص يشتبه في علاقته بـ "الإرهاب". تفسر الشرطة والجيش هذا على أنه أمر باعتقال جميع التيجرايين العرقيين في العاصمة. وفي غضون ساعات من الإعلان، تم الاستيلاء على التيغراي ودفعهم إلى المستودعات أو المصانع القديمة. حتى الأطباء والممرضات تم إخراجهم من المستشفيات إذا كانوا تيغرايين.

والأسوأ ممكن. فعلى مدى أشهر، استخدم آبي لغة تجرد خصومه من الإنسانية، واصفا حركة تحرير تيجراي بـ "السرطان" و"العشب" الذي يجب سحقه. ويصر مكتبه على أنه يقصد فقط الجماعة المسلحة وليس كل إثنية التيجراي. لكن بعض أتباعه قد لا يميزون. وفي أجزاء أخرى من إثيوبيا، ارتكب الجانبان جرائم حرب، بعضها موجه عرقيا. الآن يحث آبي جميع المواطنين على "فضح" العميل الذي "يبقى في وسطنا ويعمل لصالح عدونا".

منشور آبي أحمد على فيس بوك جرى حذفه من جانب الشركة باعتباره منتهكا لسياساتها التي تناهض التحريض على العنف، حيث حث آبي آحمد مواطنيه على استخدام "أي سلاح"  من أجل "دفن [التنظيم] الإرهابي". متجاهلا أن  إثيوبيا اتحاد فيدرالي هش يضم أكثر من 80 مجموعة عرقية. إذا بدأت عمليات القتل العرقي على نطاق واسع، فقد تتفكك.

في كل هذه الأوضاع المعقدة؛ يبدو أن  مصر أحد المستفيدين الكبار من هذه الفوضى؛ فقد يسفر ذلك عن سقوط نظام آبي أحمد، وتأخير عمليات ملء بحيرة السد لعدة سنوات، وقد يسمح ذلك بتلافي الكثير من مخاطر السد على مصر والسودان.