حذر محللون وسياسيون من أن ليبيا تواجه خطر عودة الفوضى والحرب مع سعي سيف الإسلام القذافي وخليفة حفتر لخوض الانتخابات الرئاسية، بحسب تقرير نشره موقع "الجزيرة" باللغة الإنجليزية.
وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي فيديوهات لسيف الإسلام القذافي، نجل الزعيم الليبي السابق معمر القذافي، يظهر فيها بلحية طويلة ورمادية وعمامة بنية تقليدية وغطاء رأس، وهو يوقّع أوراق ترشحه للانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها الشهر المقبل.
والمسرحيات التي ظهرت يوم الأحد تُذكّر بالمظاهر العامة المتوهجة للقذافي لأكثر من 40 عاما، قبل أن يتم عزله في ثورة الشعب الليبي عام 2011.
فقد أمضى سيف الإسلام، الذي قبض عليه مقاتلون في منطقة الزنتان الجبلية في وقت لاحق من ذلك العام، معظم العقد الماضي بعيدا عن أعين الجمهور، ولم يظهر إلا عبر الفيديو في طرابلس من أجل محاكمته في عام 2015 على مزاعم قتل المحتجين، ومرة أخرى من أجل مقابلة غامضة مع صحيفة نيويورك تايمز في يوليو.
مع بقاء ذكرى نظام معمر القذافي الاستبدادي وانتفاضة 2011، التي وقف فيها سيف الإسلام إلى جانب والده، واضحة في أذهان الليبيين، فإن إعلان صاحب الـ(49 عاما) السعي لقيادة البلاد، كان محيرا للكثيرين.
شخصية موحدة
وبعد أن وقع سيف الإسلام أوراق ترشيحه، خاطب الكاميرا وهو يوثق أجزاء من آيتين قرآنيتين منفصلتين "ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين" قبل الاستمرار في الحديث مع آية أخرى "والله غالب على أمره ".
وقال عماد الدين بادي، الخبير في الشأن الليبي وزميل بارز في المجلس الأطلسي إنه "في حين أن الآية الأولى تشمل الشمول، فإن الثانية تنتقد الإقصاء بالنسبة إلى العديد من مواطني ليبيا البالغ عددهم ستة ملايين نسمة، والذين يعيش غالبيتهم في غرب البلاد".
ولكن بدلا من نشر رسالة الوحدة والتكاتف، كانت كلمات القذافي الوجيزة "تعبث بعوامل ديموغرافية معينة وتهدد أخرى"، كما قال بادي، الذي وصف الرسالة الأساسية بأنها "استرجاعية مستترة" "القذافي ليس لديه أي فرصة لتوحيد الليبيين".
وتأكيدا لموقف بادي، قال أنس جوماتي، مدير معهد صادق، وهو مركز أبحاث يركز على الشؤون الليبية في طرابلس، إن "القذافي لا يسعى إلى توحيد الليبيين على أي حال، فإنه يريد أن يحكم الليبيين، وللقيام بذلك عليه تفعيل قاعدة دعم موالية لضمان أنهم مستعدون للقتال عندما يحين الوقت".
الجنرال المنشق يزيد غموض الانتخابات
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دعا في 11 نوفمبر الماضي إلى إجراء الانتخابات في 24 ديسمبر، إلا أن التاريخ المحدد للانتخابات الرئاسية والبرلمانية وشكلها لا يزالان غير مؤكدين.
فضلا عن ذلك فإن الجدال بشأن العملية الانتخابية يهدد بتفكيك عملية السلام الأوسع نطاقا والتي تهدف إلى توحيد مؤسسات الدولة المنقسمة منذ فترة طويلة، وانسحاب الجماعات المسلحة الأجنبية التي تنتمي في الأساس إلى روسيا والإمارات العربية المتحدة ومصر وتركيا والتي ظلت في ليبيا على الرغم من وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الأمم المتحدة والذي وقعت عليه الفصائل المتحاربة في العام الماضي.
كما أن إعلان القائد العسكري المنشق خليفة حفتر يوم الثلاثاء عن ترشحه للانتخابات الرئاسية يثير مزيدا من الشكوك حول مستقبل ليبيا الديمقراطي.
فقد أتهم حفتر، وهو قائد ما يسمى الجيش الوطني الليبي وأحد أصول وكالة المخابرات المركزية الأمريكية سابقا، بارتكاب جرائم حرب وقاد هجوما فاشلا دام 14 شهرا للاستيلاء على طرابلس وهي مقر الحكومة المعترف بها من الأمم المتحدة في العام الماضي، ويعد حفتر المدعوم من روسيا ومصر والإمارات العربية المتحدة، شخصية مثيرة للجدل، وهو متهم بالسعي لإقامة ديكتاتورية عسكرية في البلاد.
ومن المتوقع أيضا أن يترشح رئيس الوزراء المؤقت عبد الحميد دبيبة في الانتخابات، على الرغم من عدم اليقين حول ما إذا كان موقفه يسمح له بذلك.
قد يحظى القذافي بدعم العديد من القبائل، لاسيما في جنوب ليبيا التي كانت موالية لوالده إلى أن قتله الثوار في مسقط رأسه سرت، ولكن من غير المرجح أن تدعم غالبية الليبيين في طرابلس ومحيطها وهي قاعدة الحكومة الانتقالية في البلاد التي يرأسها دبيبة والتي كانت فيما سبق حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من قبل الأمم المتحدة برئاسة فايز السراج .
نزل سكان عدة مدن غربية، منها مدينة الزاوية ومصراتة، إلى الشوارع احتجاجا على ترشيح القذافي وحفتر وقد نشر أعضاء في المجتمع المدني وناشطون بيانات عبروا فيها عن رفضهم الشديد لمشاركة القذافي وحفتر في الانتخابات، وحذروا من أن عودتهم إلى السلطة ستعيد البلاد إلى المربع الأول.
وقال بادي إن "القذافي يجسد الانتقام والعودة إلى عهد ونظام قديم".
لكنه قال إن "الموالين والليبيين الحريصين على النوع الوراثي من الانتقال، أي الجيل الأصغر المحبط من انتفاضة العام 2011، قد يدعمون أيضا ترشيح القذافي".
شواغل حقوق الإنسان
كان القذافي، المثقف في كلية لندن للاقتصاد، يُنظر إليه ذات يوم على أنه وجه ليبي صديق للغرب، وربما يكون مصلحا، توقع الكثيرون منه أن يضطلع بدور تصالحي عندما اندلعت الاحتجاجات ضد والده في عام 2011، وبدلا من ذلك وقف إلى جانب والده وهدد الليبيين بالقتل والفوضى.
ويرى جوماتي ، أن ترشح القذافي الذي اختار إخماد الربيع العربي مع والده و محاربة انتشار الديمقراطية في عام 2011، في الانتخابات الديمقراطية اليوم هو أمر ساخر.
وقد حُكم على القذافي غيابيا لدوره أثناء الانتفاضات، وهو مطلوب من قبل المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية ، وهي نقاط تثير مخاوف خطيرة بين نشطاء حقوق الإنسان بشأن صحة ترشيحه.
وفي هذا السياق، قالت حنان صلاح مديرة مكتب هيومن رايتس ووتش في ليبيا، في حديث لقناة الجزيرة "على الرغم من وجود بعض الغموض حول قوانين الانتخابات والوضع القانوني، فلا يوجد غموض عندما يتعلق الأمر بالالتزام القانوني للسلطات في ليبيا باعتقال سيف الإسلام القذافي وتسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، حيث مطلوب بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية".
وأضافت "ينبغي أن يُحاسب القذافي على الجرائم الخطيرة التي زعم أنه ارتكبها خلال انتفاضة عام 2011 في محاكمة عادلة وشفافة في المحكمة الجنائية الدولية".
يوم الاثنين، ذكرت وسائل إعلام ليبية أن المدعي العام العسكري في البلاد، محمد الغرودة، دعا المفوضية الوطنية العليا للانتخابات إلى وقف التسجيلات الانتخابية للقذافي وحفتر إلى أن يتم استجواب الرجلين بتهمة ارتكاب جرائم مزعومة ضد الإنسانية.
انتخابات هزلية
لقد دفع المجتمع الدولي باتجاه إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية باعتبارها عناصر رئيسية في العملية التي تدعمها الأمم المتحدة لجلب السلام والاستقرار إلى بلد غارق في الفوضى منذ الإطاحة بمعمر القذافي.
بيد أن العديد من المحللين، الذين ينتقدون هذه العملية ويطمحون إلى إجراء الانتخابات المقبلة، لا يزالون يشكون في أن التصويت في شكله الحالي يمكن أن يدفع ليبيا في الاتجاه الصحيح.
وقالت بادي إن "مجرد كون خيار القذافي الذي يقحم الليبيين ويعيدهم إلى السلطوية من خلال هذه الانتخابات أمر مُسلي، إنما يجسد مدى سوء التخطيط للعملية".
وبحسب جوماتي، حاول أعضاء المجتمع المدني والنشطاء والمحامين تحديد شروط عملية تسجيل المرشحين ولكن رئيس البرلمان في الشرق عقيلة صالح منعهم من ذلك وأصدر قانونا انتخابيا بمرسوم.
وتابع "لم يتم تمرير القانون من خلال تصويت برلماني، فقد صُمم بشكل أساسي للسماح بترشيح حفتر، والآن سيف القذافي أيضا، موضحا أن الليبيين الذين شاركوا في انتفاضة عام 2011 لم يكونوا ليتخيلوا أبدا أي رجل يترشح للانتخابات بعد 10 سنوات".
وأردف "أن المرشحين الثلاثة سيف الإسلام، وحفتر، ودبيبة ليسوا شخصيات ثورية ولا ديمقراطية، فهم شعبويون في أفضل الأحوال، ومنافسون في أسوأ الأحوال".
وحذر كل من جوماتي وبادي من أنه بدون مصالحة حقيقية بين جميع الأحزاب وبناء الدولة قبل الانتخابات، تواجه ليبيا مزيدا من الصراع والفوضى.
وقالت حنان صلاح، من منظمة هيومان رايتس ووتش إن "النظام القضائي الفعال هو حجر الزاوية في إجراء انتخابات حرة ونزيهة، ولكن النظام القانوني في ليبيا كان في معظمه مجهدا ومختلا، مما يجعله غير قادر على التعامل مع النزاعات المتعلقة بالانتخابات حول الأصوات والترشيح".
وتابعت "بدلا من التركيز على موعد الانتخابات في ديسمبر، ألا ينبغي أن يكون هناك اهتمام أكبر بكثير لضمان إمكانية إجراء الانتخابات بطريقة حرة ونزيهة تقوم على سيادة القانون والعدالة والمساءلة، بحيث تتاح لليبيين فرصة حقيقية لتجاوز هذه المرحلة العنيفة؟".
وقال أحمد السويحلي، وهو ناشط ليبي بريطاني إن "ترشيح القذافي قد يؤخر الانتخابات، ويبدو من غير المرجح أن تجري الانتخابات وفقا لهذه القواعد الهزلية".
https://www.aljazeera.com/news/2021/11/16/farcical-libyans-denounce-candidacy-of-gaddafis-son-in-vote