بعد فرض رسوم جديدة وزيادة الأعباء.. تداعيات كارثية في انتظار السيسي

- ‎فيتقارير

موافقة برلمان الأجهزة الأمنية يوم الأحد 28 نوفمبر 2021م بصفة نهائية على قرار قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي رقم 558لسنة 2021 بتعديل بعض فئات التعريفة الجمركية، والذي يفرض رسوماً جمركية بواقع 10% على واردات أجهزة الهواتف لشبكة المحمول أو أية شبكات لا سلكية أخرى، وذلك من قيمة التكاليف الإجمالية للاستيراد التي تشمل سعر المنتج مضافة إليه قيمة الشحن، يمثل ضربة لتجار المحمول ويبشر بمزيد من حالة ركود قائمة بالفعل منذ عدة شهور.

وتأتي تصريحات رئيس لجنة الخطة والموازنة في برلمان الانقلاب، فخري الفقي، بالغة الإسفاف والسخافة؛ حيث برر هذه الزيادة الجمركية بأنها تمثل دعامة رئيسية في بناء اقتصاديات الدول، ما يستلزم اتخاذ الإجراءات والقرارات التي من شأنها حماية الصناعة الوطنية من أي ممارسات ضارة، قد تؤثر على قدرتها التنافسية في مواجهة المنتجات المستوردة سواء في الأسواق المحلية أو الخارجية. والغريب أن مصر في الأساس لا تصنع مطلقا أي نوع من أنواع المحمول، وتستورد كل احتياجاتها من الخارج؛ وبالتالي فإن فرض الضريبة الجمركية ليس أي علاقة بحماية الصناعة المحلية بقدر ما هي شكل من أشكال الجباية واستنزاف جيوب المواطنين رغم أن عشرت الملايين من المصريين سقطوا خلال السنوات الماضية تحت خط الفقر بفعل السياسات المتوحشة التي يتبناها نظام السيسي.

وبحسب صحيفة “العربي الجديد”، فقد تراجعت قيمة واردات مصر من الهواتف المحمولة بنسبة 11% في الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي، لتصل إلى نحو 940 مليوناً و647 ألف دولار، مقارنة مع مليار و58 مليوناً و359 ألف دولار في الأشهر المقابلة لها من العام الماضي، بسبب بطء حركة الاستيراد، وارتفاع أسعار خدمات الشحن من جانب شركات الخطوط الملاحية.

 

نحو مزيد من الرسوم

وفي تأكيد على هيمنة سياسة الجباية وفرض الإتاوات، يتجه النظام نحو فرض المزيد من الرسوم على عدد من الخدمات الحكومية التي تقدم للمواطنين بهدف زيادة حصيلة الجباية وسد شيء من عجز الموازنة والمساهمة في بناء المشرعات العملاقة التي يتبناها النظام مثل العاصمة الإدارية الجديدة والعلمين الجديدة والقطار فائق السرعة وهي مشروعات لن يستفيد منها سوى طبقة الحكام والأثرياء والتي يتم بناؤها إما من أموال القروض التي سيدفعها الشعب لاحقا أو عبر الضرائب والرسوم من جيوب المواطنين بشكل مباشر.

وأحال وكيل مجلس نواب الانقلاب، أحمد سعد الدين مشروعاً مقدماً من الحكومة بتعديل قانون فرض رسم تنمية الموارد المالية للدولة رقم 147 لسنة 1984، إلى لجنة الخطة والموازنة في المجلس لدراسته، بديلاً عن مشروع القانون السابق إحالته بتاريخ 10 أغسطس الماضي، بشأن فرض ضريبة مقابل دخول المسارح وغيرها من محال الفرجة والملاهي رقم 24 لسنة 1999. ويفرض المشروع المزيد من الرسوم الجديدة على الخدمات التي تقدمها الدولة للمواطنين، علماً أن القانون شهد أكثر من تعديل خلال السنوات الأخيرة، كان آخرها العام الماضي بفرض رسوم جديدة أو إضافية على عقود شراء وإعارة الرياضيين، وتراخيص الشركات الرياضية، والحفلات الترفيهية، ومحررات الشهر العقاري، وخدمات الإنترنت للشركات، والوقود، والحديد، والتبغ، بدعوى تقليص العجز في الموازنة العامة للدولة.

كما أحال سعد الدين مشروعاً آخر إلى اللجنة نفسها بتعديل بعض أحكام قانون الضريبة على القيمة المضافة رقم 67 لسنة 2016، والذي يقضي بإعفاء تأجير أو استئجار الطائرات المدنية من الضريبة بواقع 14%، تحت ذريعة دعم صناعة النقل الجوي، وتمكينها من القدرة على النمو والمنافسة. وأحال أيضاً إلى اللجنة مشروعاً بتعديل بعض أحكام قانون ضريبة الدمغة رقم 11 لسنة 1980، الذي ينص على إلغاء الضريبة على تعاملات سوق الأوراق المالية بالنسبة للمستثمر المقيم، في إطار دعم سوق الأوراق المالية بعدم دفع الضريبة في حالة الخسارة، وتحسين بيئة الاستثمار والأعمال في البلاد.

 

نتائج كارثية

وانتهى تحليل أعده مركز كارنيجي ونشر بموقع «open democracy»، في بداية أكتوبر الماضي إلى أن نظام السيسي يشن حربا بلا هوادة على الفقراء في المجتمع المصري، وأشار إلى أن التباطؤ الاقتصادي الحالي سبقه زيادات متواصلة بمعدلات الفقر؛ الأمر الذي يتسبب في تفاقم الهشاشة الاجتماعية للمصريين؛ مؤكدا أن السياسات المالية والاقتصادية التي يتبناها نظام السيسي تتسبب في تفاقم معدلات الفقر ، وتسرّع بنقل الثروات  من الطبقتين الدنيا والوسطى إلى الحكومة ونخب المال والأعمال،  متوقعا أن يفضي ذلك إلى نتائج كارثية. وبحسب تحليل مركز كارنيجي فإنه إلى جانب الطبيعة السلطوية للنظام، فإن الدعم الدولي الذي يحصل عليه في شكل تدفقات مالية وقروض يساهم في تعزيز جهوده الآيلة إلى إثراء طبقة النخبة في الأعمال والمؤسسات العسكرية على حساب المواطنين. ويضيف أن حكومة السيسي قد حصلت من حلفائها الإقليميين على دعمٍ مالي قدره 92 مليار دولار بين عامَي 2011 و2019، وتستمر في اقتراض مبالغ طائلة من المؤسسات الدولية. تتيح هذه الأموال للحكومة تنفيذ مشاريع ضخمة والإبقاء على منظومة الضريبة التنازلية التي تلقي العبء الأكبر على الفقراء دون الأغنياء.

وحول انعكاسات تبني نظام السيسي العسكري لهذه السياسات المالية والاقتصادية على الأوضاع الاجتماعية والسياسية، يتوقع ”  ماجد مندور” الباحث في مركز “كارنيجي” أن تفضي هذه المقاربة إلى آثار خطيرة في المدى الطويل تذهب أبعد من الفقر المتزايد والحرمان الاجتماعي الذي يعاني منه المواطن العادي، إذ إنه من المحتّم أن يصبح هذا النظام أكثر قمعاً وسلطوية فيما يستمر في فرض سياساته القاسية. وهذا بدوره سيغذّي صعود المقاومة العنيفة للدولة. وينتهي إلى أن هذه المقاومة حتى وإن لم تتبلور إلى إطار حركة سياسية متماسكة، فلا بد من أن يتفاقم مستوى العنف الاجتماعي، ما يفضي إلى تداعيات مزعزعة للاستقرار في المدى الطويل. فضلاً عن ذلك، يؤدّي توسّع الأعمال والشركات المملوكة من الجيش إلى زيادة الضغوط على القطاع الخاص الاقتصادي فيما يسعى جاهداً للتنافس مع العملاق العسكري. وسوف تكون لهذا الأمر تأثيرات بنيوية طويلة الأمد على الاقتصاد والمنظومة السياسية، وهي تأثيرات يصعب العودة عن مفاعيلها وسوف تستمر على الأرجح إلى ما بعد السيسي ونظامه.