الشفافية تحت حكم العسكر.. الجيش يتخفى تحت لافتة جهة سيادية ويبتلع “شحن السيارات الكهربائية”

- ‎فيتقارير

"جهة سيادية تمتلك 90% من شركة جديدة لإنشاء 3000 محطة شحن سيارات كهربائية"، هكذا وبكل بساطة لم يفصح وزير قطاع الأعمال في حكومة الانقلاب عن شخصية تلك الجهة السيادية التي لها الحق في إرساء مناقصات المشروعات لنفسها بالأمر المباشر، إلا أن المُطلع على ظواهر الأمور في مصر لن يستغرب ولن يطيل التفكير في أن تلك الجهات السيادية لا تخرج عن عصابة العسكر.

وقال هشام توفيق وزير قطاع الأعمال العام في حكومة الانقلاب إنه "تقرر إنشاء شركة مع جهة سيادية، لتنفيذ 3 آلاف محطة شحن سيارات كهربائية، على الطرق الرئيسية بـ 3 محافظات كبداية، وأضاف خلال مؤتمر اقتصادي، أن الجهة السيادية ستكون نسبتها 90%، و10% لصالح شركة النصر، والتي ستكون مسئولة عن المتابعة".

 

إثراء بلا سبب

وقال توفيق إن "هناك توجهات بإنشاء 42 ألف محطة شحن سيارات، في إطار توجهات القيادة السياسية بالتوسع في استخدام السيارات الكهربائية، خلال الفترة المقبلة، وأكد أن وزارة الكهرباء في حكومة الانقلاب، انتهت من وضع أسعار الشحن لتلك المحطات، والتي قدرت بـ 181.5 قرشا للكيلو وات".

وفي يناير الماضي كشفت مصادر مطلعة، أحدها في القضاء العسكري، عن شن المخابرات العامة والأمانة العامة لوزارة الدفاع، حملة مراجعة دقيقة لجميع حسابات المشاريع الاستثمارية التي أقيمت بأموال المخابرات والجيش خلال العامين الماضيين، خلف واجهات مدنية، كان قوامها ضباطا سابقين في الجيش والمخابرات والشرطة، أو أفراد أسرهم.

وجاءت الحملة بعد تعليمات صدرت في نوفمبر الماضي من السفاح السيسي، بعد أن شعر بالاستغفال من ضباط عصابة العسكر، بعد تلقيه تقريرا باكتشاف مخالفات بالجملة في عدد كبير من المشروعات التي أقيمت أخيرا على هامش مشروعات كبرى ينفذها الجيش، ممثلا في الهيئة الهندسية وجهاز مشروعات الخدمة الوطنية.

وقالت المصادر، إن "الرقابة الإدارية التي يرأسها اللواء حسن عبد الشافي، اكتشفت أكثر من ستين حالة إثراء غير مبرر في صفوف الشخصيات التي اعتمد عليها السفاح السيسي كواجهة لمشاريع عديدة في مجالات اقتصادية مختلفة، وهو ما يعني أن العصابة يسرق بعضها بعضا".

كما رصدت تضخما في ثروة أسر أكثر من ثلاثين ضابطا كبيرا ما زال بعضهم في الخدمة، من الجيش والمخابرات العامة، نتيجة تلك المشروعات التي تستثمر فيها الجهتان أموالهما بصورة غير مباشرة.

وهي الطريقة المتبعة منذ بدء التوسع الكبير في اقتصاد عصابة الانقلاب والأجهزة السيادية مع بداية انقلاب السفاح السيسي، وإطلاق أذرع الأجهزة في نهب وسرقة الاقتصاد الوطني، عبر تنفيذ المشروعات مقابل الاستفادة منها ماليا واستثماريا بعيدا عن الموازنة العامة للدولة، وبمعزل عن أي رقابة على طبيعة الأعمال من جهات مستقلة.

وكشفت مصادر مطلعة عن معلومات خاصة وتفاصيل حصرية بشأن أموال سرية طائلة تسيطر عليها عصابة الانقلاب العسكري ضمن أصولها المالية، دون أن تخضع لأي رقابة من أي جهة، وبالطبع لا تندرج ضمن الموازنة العامة للدولة، بل إنها لا تندرج ضمن ميزانية الجيش العامة، خاصة أن بعض هذه الأموال توجد خارج مصر.

ولفتت المصادر، إلى أن هذه الأموال السرية توضح جانبا من الغموض والتساؤلات الكثيرة التي تُثار بشأن مصادر إنفاق عصابة الانقلاب على تنفيذ المشروعات القومية المختلفة.

 

عسكر وحرامي

وبلغت معلومات مكتب السفاح السيسي في الصيف الماضي عن تحقيق بـ"السرقة" كشف أن ضابطين اثنين كانا منتدبين لفترة من القوات المسلحة للمخابرات العامة، وأُوكلت لهما مهمة إدارة ثلاثة مشروعات في مجال الوقود والمحاجر، ثروات كبيرة، جعلت السفاح السيسي يكلف الرقابة الإدارية، التي يعمل بها نجله الأكبر مصطفى كعضو بالمكتب الفني لرئيس الهيئة، بإجراء تفتيش موسع على ثروات الضباط الذين تستعين بهم الأجهزة كواجهات أو مديرين للمشروعات، وليس على المشروعات والأموال ذاتها، مما كشف حالات إثراء غير مشروع عديدة لا تتناسب مع مداخيلهم القانونية.

وباشر القضاء العسكري على مدار شهرين التحقيق في نحو أربعين واقعة مما تم اكتشافه، وتبين أن معظم المخالفات تتركز في ثلاثة أنماط من الأعمال انتشرت أخيرا وسط موجة المشروعات الكبيرة التي تنفذها ما تسمى بـالجهات السيادية.

النمط الأول ، هو استغلال الضباط المتهمين ومعاونين لهم من المدنيين، وجودهم كواجهة أو مديرين للمشروعات، للاستيلاء على أموالها والتلاعب بدفاترها وتحقيق مصالح للغير مقابل رشوة واستفادات مالية وعينية تعود لهم أو لذويهم، وذلك في قطاعات مختلفة، منها عقود استغلال محطات الوقود والمحال التجارية المقامة بها والتي زادت بشكل هائل خلال العام الماضي، وشركات التعدين والمحاجر، والمزارع السمكية.

وهي أنشطة أصبحت عصابة الانقلاب تديرها في الآونة الأخيرة بصورة شبه مطلقة، ويستثمر أموالها هو والجهات السيادية الأخرى، التي تستعين بالضباط السابقين وأفراد من أسر الضباط الحاليين كواجهات إدارية ، وأصحاب أسهم عند قيد تلك المشروعات، صغيرة كانت أو كبيرة، في السجلات الرسمية.

ومنذ انقلاب السفاح السيسي أحكمت العصابة العسكرية قبضتها على الحياة السياسية وضاعفت دورها الاقتصادي السابق من خلال تعديل قانون العطاءات العامة عام 2018 ،ما ساعد الشركات التابعة للقوات المسلحة على الفوز بنصيب الأسد في المناقصات الحكومية المباشرة.

هذه التعديلات ساهمت في استحواذ الشركات التي توصف بـ “السيادية” على مشروعات الدولة الكبيرة، مثل بناء العاصمة الإدارية الجديدة، ومشروعات بناء 21 طريقا سريعا، وتطوير البني التحتية والاستثمار في القطاع العقاري.

أججت تلك المشروعات جدلا حول تنامي شبهات الفساد، وزادت من تحدي القطاع الخاص، الأبرز كان نشوء طبقة جديدة من رجال الأعمال غالبيتهم متقاعدين عسكريين أو لديهم علاقات قوية مع المؤسسات “السيادية” أو بالمحافظين المحليين.

ما فتئت عصابة العسكر وضباطها الفاسدون يؤمنون بأن مهاراتهم الإدارية وتفوقهم الظاهر على المدنيين، يُفرِد لهم تولي قيادة النمو الاقتصادي والتحديث، إلا أنه وخلافا لما تقدم، فإن سجل السنوات الست الماضية يشير إلى أن النتيجة المرجحة ستكون تزايد اختلال الأسواق، وتأثيرات معاكسة على القطاع الخاص، وتنامي تكاليف الفرص الضائعة في الاقتصاد عموما ، وإن ما تزال هذه مستترة إلى حد كبير ، وتفتح متزايد لشهية العسكر لتحقيق الأرباح ووضع السياسات.