فساد مالي وانحطاط تعليمي باسم “30 يونيو”.. ماذا فعلت وزارة التعليم بمدارس الإخوان المنهوبة؟

- ‎فيتقارير

تحولت مدارس جماعة الإخوان المسلمون التي تمت مصادرتها عقب الانقلاب، ويشرف على إدارتها وزير التعليم بحكومة الانقلاب طارق شوقي، إلى مغارة علي بابا للصوص، بعدما شهدت فسادا ماليا وتراجعا في المستوى وانحطاطا تعلميا.

أحدث حلقات فساد الوزارة في هذه المدارس ما كشف عنه المحامي عمرو عبد السلام بنشر عقد تعيين مدير لإحدى مدارس 30 يونيو (الإخوان سابقا) التي تديرها وزارة التربية والتعليم بمبلغ 50 ألف جنيه، صافية الضرائب.

https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=1120460972058479&id=100022837603592

وهو مبلغ ضخم للغاية مقارنة برواتب المعلمين في باقي المدارس الحكومة، التي لا تتجاوز أربعة آلاف جنيه لمن قضى في مهنة التدريس قرابة 20 سنة.

المحامي اتهم الوزير بالفساد، وقدم بلاغا للنائب العام لسؤال وزير التربية والتعليم بحكومة الانقلاب بصفته رئيس مجلس إدارة مجموعة مدارس 30 يونيو وأعوانه،  ماذا تفعلون بأموال الدولة؟

وهل أموال الدولة وممتلكاتها أصبحت غنيمة مستباحة لكل من هب ودب أن يعبث بها ويهدرها؟

وما الأعمال التي يقدمها المدير الجديد نظير حصوله على هذا المبلغ الذي يتجاوز راتب الوزراء ورئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس مجلسي النواب والشيوخ؟

وإذا كان هناك فائض في أموال الوزارة لتعيين مثل هؤلاء الأشخاص وبهذه الرواتب الهلامية، فلماذا تمتنعون عن سد العجز الموجود بالمدارس وتشغيل شباب الخريجين؟

وقد رد "شوقي" معترفا بما قاله المحامي؛ إلا أنه نفى الصرف من ميزانية الدولة، ولكن من ميزانية مدارس الإخوان ما يجعل الجريمة أكبر، لأنه يجري نهب أموال الإخوان علنا بحجة إدارتها.

وقال الوزير، عبر حسابه الرسمي على فيسبوك، محذرا المحامي الذي كشف الفضيحة بدعوى أن هذا يخالف القانون، لأن جميع مدارس الإخوان والمسماة حاليا (مدارس ٣٠ يونيو) يُحظر بها النشر بتاتا ويعاقب عليه القانون وسوف يعاقب عليه القانون عاجلا".

https://www.facebook.com/tshawki/posts/10228059678221914

وبرر الرواتب الضخمة لمسئولي هذه المدارس بأن مدارس ٣٠ يونية (الإخوان سابقا) هي مدارس خاصة ودولية بمصروفات، شأنها في ذلك شأن كافة المدارس الدولية المنافسة لها في مصر، وتخضع في إشرافها ماليا للجنة التحفظ بوزارة العدل، وفنيا لوزارة التربية والتعليم، والعاملون فيها يتقاضون ذات المرتبات التي يتقاضها العاملون بالمدارس الدولية المنافسة".

 

نهيبة 30 يونيو

عقب انقلاب 3 يولية 2013 وبدء سلطة الانقلاب نهب أموال الإخوان، شُكلت ما يسمى "لجنة حصر أموال الإخوان" لجنة أخرى لنهب الأموال أسمتها "لجنة 30 يونيو"، استندت في قراراتها بالتحفظ على ممتلكات الإخوان من المدارس وغيرها، على تحريات جهاز أمن الدولة ، وتجاهلت عمدا قرارات أصدرتها محاكم القضاء الإداري، ما جعل قرارات هذه اللجنة بشأن التحفظ على هذه المدارس غير دستوري.

عطلت سلطة الانقلاب أيضا تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة عن مجلس الدولة، (رغم دعاوى احترام أحكام القضاء) ومحاولة السلطة جعل قرارات اللجنة "دستورية" بإصدار السيسي قوانين جديدة لشرعنه نهب الأموال، إلى فوضى في المدارس التي كان يشرف عليها الإخوان المسلمون مع بدء العام الدراسي وتضارب في القرارات وشكاوى أولياء الأمور وتظاهرهم أمام المدارس ومنها "الطلائع الإسلامية" للغات بالقاهرة.

 

قصة "لجنة 30 يونيو"

ما بين أعوام 2013 و2014 و2015، أصدرت لجنة نهب أموال الإخوان قرارات بالتحفظ على عدد من المدارس تراوح بين 87 إلى 120 مدرسة، كان أغلبها في عهد المستشار عزت خميس أول رئيس للجنة حصر الأموال، حيث بلغ عدد المدارس المتحفظ عليها عشوائيا 112 مدرسة، بلغ رصيدها 283 مليون جنيه، كما تم التقييم المالي للمدارس بنحو 3 مليارات و505 مليون جنيه، بحسب تقارير منشورة.

و"لجنة 30 يونيو" هي جزء من لجنة حصر أموال الإخوان، التي استندت في أعمالها على حكم الأمور المستعجلة فاقد الدستورية، لمخالفته المادة 35 من الدستور المصري الصادر في 2014 التي تنص بوضوح على أن الملكية الخاصة مصونة ولا يجوز المساس بها إلا بإذن قضائي".

وقد أصدر وزير التربية والتعليم بحكومة الانقلاب وقتذاك محمود أبو النصر القرار رقم 33 لسنة 2014، بتشكيل مجلس إدارة لمجموعة المدارس المُتحَفظ عليها، عُرفت لاحقا باسم "لجنة 30 يونيو"، عقب حكم الأمور المستعجلة دعوى رقم 2315 وقرار رئيس الوزراء حينها حازم الببلاوي بتشكيل لجنة حصر أموال الإخوان رقم 1141.

وفي يونيو 2015 واستكمالا للإجراءات أصدر وزير التعليم في ذلك الوقت، محب الرافعي، قراره رقم 203، والذي نظم فيه طبيعة العمل داخل هذه اللجان، حيث تم إصدار لائحة تنفيذية للجنة تتكون من عشرة بنود.

وعقب تولي إدارة 30 يونيو شئون هذه المدارس قامت بعمليات تغيير عشوائية فاشلة مثل اختيار زي مدرسي جديد بالتعاقد مع مصنع لاختيار الزي الجديد (بيزنس وفساد) وهو ما رفضه أولياء الأمور ثم تم الاتفاق على مصنع آخر!

واشتكى أولياء الأمور من تدهور أحوال المدارس التي تديرها لجنة 30 يونيو ، وتظاهروا ضدها مؤكدين أنهم يجدون صعوبات في التعامل مع اللجان الحكومية التي مُنحت حق إدارة مدارس أبنائهم من قبل "لجنة 30 يونيو".

وأكدوا أن مستوى المدارس انحدر بعد التحفظ عليها، ورحل عنها عدد من الأساتذة الأكفاء، ونقل بعض أولياء الأمور أبناءهم من هذه المدارس لأخرى، كما أن المسئولين عنها الذين عينتهم الحكومة وأهملت الإدارة الأصلية للمدارس لا يفهمون شيئا في إدارتها وتسببوا في مشاكل عديدة.

 

مخالفة أحكام القضاء الإداري

جاء حكم محكمة عابدين الأمور المستعجلة بحظر جماعة الإخوان والتحفظ على أملاكها بحسب الدعوى رقم 2315 الصادرة في سبتمبر عام 2013 ليبرر نهب هذه المدارس والتحفظ عليها، بعدها تحفظت لجنة حصر أموال الإخوان على عدة مدارس بداعي أنها مملوكة لجماعة الإخوان المسلمين.

وقد تظلمت 22 مدرسة من قرار التحفظ المذكور سواء برفع دعاوى قضائية أمام مجلس الدولة المصري أو أمام مسؤولي وزارة التربية والتعليم؛ استطاعت أربع منها الحصول على أحكام من مجلس الدولة تقضي برفع التحفظ وإعادتها لأصحابها؛ لكن أيا من أصحاب من هذه المدارس لم يستطع تنفيذ الحكم القضائي.

وهذه المدارس التي حصلت على أحكام يرفض أمن الدولة تنفيذها عبر لجان 30 يونية، هي: الواحة للغات ومنارة القاهرة الخاصة ومدارس المنار الإسلامية الخاصة ومدرسة طلائع المستقبل.

وقد حاول أصحاب المدارس معرفة سبب التحفظ على مدارسهم دون جدوى، لأن القرارات كانت تصدر عن جهاز الأمن الوطني يجري تنفيذها دون أي دليل بدعوى وجود إخوان يعملون في هذه المدارس أو في إدارتها، رغم أن بعض المدارس تعود إلى هيئات وجمعيات عريقة.

فمدرسة "الطلائع الإسلامية" تعود ملكيتها لجمعية أنصار مرضى الروماتيزم المُشهرة تحت رقم 1533 بوزارة التضامن الاجتماعي، أقدم الجمعيات الخيرية في مصر والتي يعود تأسيسها إلى عام 1957 بأمر مباشر من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وضمن فوضى التحفظ، لم تتحفظ اللجنة على جمعية أنصار مرضى الروماتيزم، باعتبارها الجهة المالكة وفاعل أصلي في القضية، ولا على المدرسة الأخرى التي تحمل نفس الاسم "الطلائع الإسلامية" الموجودة في حي مصر الجديدة، "رغم أننا الجهة المالكة والإدارة معا" بحسب تصريح مديرها لموقع "المنصة".

وحصلت مدرسة الواحة للغات على حكم في 25 نوفمبر 2014، برفع التحفظ وإعادتها لأصحابها، وكذا مدرسة منارة القاهرة الخاصة في 20 يناير 2015، ومدرسة طلائع المستقبل الخاصة في 24 يونيو 2014، وأيضا مدارس المنار الإسلامية الخاصة في 16 ديسمبر 2014.

وقد أصدرت المحكمة في الدعاوى الأربع "حكما واحدا" قالت فيه إن "القرار المطعون فيه الصادر بالتحفظ على أموال هذه المدارس المنقولة والسائلة ومنعها من التصرف فيها صدر مخالفا للقانون، وانطوى على اغتصاب سلطة القضاء، ويتعين الحكم بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار، وأخصها: رفع التحفظ على أموال المدارس المشار إليها العقارية والمنقولة والسائلة، وإنهاء المنع من التصرف فيها، وتسليمها إلى المدعي كاملة غير منقوصة".

ولكن سلطة الانقلاب ضربت بأحكام القضاء الإداري عرض الحائط ما يمثل مخالفة حتى لدستور الانقلاب نفسه لعام 2014، واعتمدت فقط على "تحريات أمن الدولة" رغم أن محكمة النقض المصرية، أعلى سلطة قضائية بالبلاد، لا تعتد بتحريات الأجهزة الأمنية (كدليل ثبوت) في أحكامها"، ولكن عقب تعيين السيسي أعضاءها أصبحوا يعتدون بهذه التحريات المفبركة ويصدرون أحكام إعدام أيضا بناء على هذه التحريات التي كان يرفضها قضاة سابقون تم إبعادهم.

وخلال عامي 2014 و2015، تلقت لجنة نهب أموال الإخوان 274 حكما من محكمة القضاء الإداري يقضي ببطلان قرارات التحفظ الصادرة عنها، ضربت بها عرض الحائط.

وللتحايل علي حكم محكمة النقض، لصالح 1538 من المُتحفَظ على أموالهم، الصادر في 4 يوليو 2018، بشأن "قبول الطعون وإعادة القضايا لمحكمة الجنايات في القضية رقم 653 لعام 2014 "حصر أمن دولة عليا"، أصدر قائد الانقلاب ومجلس نوابه قانونا مبكرا عُرف باسم "تنظيم إجراءات التحفظ على والحصر والإدارة والتَصرف في أموال الجماعات الإرهابية والإرهابيين"، ليؤسس لوضع قانوني جديد، ويعيد تشكيل لجان التحفظ والإدارة مرة أخرى، ويبقي على قراراتها الباطلة، ويضفي الشرعية القانونية على لجنة التحفظ.

بل وتم تحصين قرارات اللجنة من أحكام مجلس الدولة، رغم أن هذا مخالف للمادة 97 من الدستور التي تنص على "أن حق التقاضي مصون ومكفول للكافة وتلتزم الدولة بتقريب جهات التقاضي، وتعمل على سرعة الفصل في القضايا ويُحظر تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء، ولا يُحاكم شخص إلا أمام قاضيه الطبيعي، والمحاكم الاستثنائية محظورة".

فالقوانين لا تسري بأثر رجعي بحسب المادة 255 من الدستور، وتسري بدءا من اليوم التالي لتاريخ نشرها بالجريدة الرسمية، ومن ثم فكل قوانين وقرارات السيسي ونوابه المزيفين لشرعنه عمل لجان نهب أموال الإخوان غير قانونية، ولكن متى احترم هؤلاء قانونا؟!