مخاطر رفع الفائدة على الدولار والاضطرابات المتوقعة

- ‎فيمقالات

بات في حكم المؤكد أن مجلس الاحتياط الفيدرالي "البنك المركزي الأميركي" سيرفع سعر الفائدة على الدولار في العام الجاري، وربما بدءا من شهر مارس المقبل.

صحيح أن هناك توقعات متباينة حول عدد مرات الرفع خلال العام، فهناك بنوك استثمار ومؤسسات مالية دولية توقعت زيادة سعر الفائدة مرتين أو ثلاثاً.

لكن مصرف "غولدمان ساكس" الاستثماري العملاق توقع أن ينفذ البنك الفيدرالي 4 عمليات رفع لسعر الفائدة في العام 2022، وحدد مواعيد الرفع في مارس ويونيو، وسبتمبر، وديسمبر، أي زيادة واحدة للفائدة كل ثلاثة أشهر.

ورغم الخلاف حول عدد مرات زيادة سعر الفائدة على الدولار والتوقيت، لكن المؤكد أن الرفع سيتم بشكل أسرع وأكثر قوة مما كان متوقعا في وقت سابق في محاولة من الفيدرالي لاحتواء تداعيات التضخم الخطيرة على الاقتصاد الأميركي، والغلاء المتسارع الذي يثقل كاهل الأسر ويؤثر سلبا على الاستهلاك، محرك النمو في البلاد.

يساعد البنك المركزي في ذلك التقدم السريع في سوق العمل، وتراجع معدل البطالة، والإشارات المتفائلة للنمو الاقتصادي رغم الانتشار الواسع لمتحور "أوميكرون" ومخاطر كورونا الشديدة سواء على الصحة العامة أو الاقتصاد.

يصاحب خطوة الفيدرالي تأهب الكثير من البنوك المركزية حول العالم لرفع أسعار الفائدة لمواجهة موجة التضخم المتفاقمة خاصة مع استمرار زيادة أسعار الأغذية والطاقة، سواء النفط أو الغاز، وأزمة سلاسل التوريد وتفشي وباء كورونا.

زيادة سعر الفائدة على الدولار ستكون لها تأثيرات واسعة على الأسواق الدولية، وستحدث انقلابا في أسواق المال والبورصات العالمية، وستثير الذعر في أسواق الدول النامية، بما فيها الدول العربية، التي تعتمد على القروض الخارجية بشكل كبير، سواء في سد الفجوة التمويلية وتغطية عجز الموازنة العامة وسداد الرواتب والأجور، أو في الدفاع عن العملة المحلية ودعم سوق الصرف المحلي، أو لسداد أعباء الديون الخارجية المستحقة.

ونظرة إلى النتائج المترتبة على رفع سعر الفائدة على الدولار نجدها كثيرة ومعظمها سلبي على الدول الناشئة، ومن أبرزها:
1- زيادة تكلفة الاقتراض من الخارج، ورفع عبء حصول الدول النامية على أموال دولارية، سواء عبر الاقتراض المباشر من المؤسسات المالية الدولية مصل صندوق النقد والبنك الدوليين، أو عبر طرح سندات دولية في أسواق المال واكتتاب المستثمرين والصناديق والبنوك بها.
2- زيادة سعر الفائدة على أدوات الدين الأميركية، خاصة سندات الخزانة، وبالتالي فإن الدول المقترضة مطالبة بسداد سعر فائدة أعلى في حال الاقتراض عبر طرح السندات الدولية ودعوة المقرضين للاكتتاب بها.
3- تسجيل الدولار مزيدا من القوة في أسواق الصرف العالمية خاصة مقابل عملات الدول النامية، بدعم من رفع سعر الفائدة عليه، وقد يترتب على هذه الخطوة زيادة تدافع المدخرين في هذه الدول نحو حيازة العملة الأميركية للاستفادة من العائد المرتفع وعدم التعرض لمخاطر تذبذب أو تعويم عملات البلدان الناشئة.
4- هروب الأموال من الأسواق والبورصات الناشئة إلى الأسواق الغربية وفي مقدمتها السوق الأميركي بحثاً أولاً عن العائد الدولاري الجيد. وثانيا عن بيئة اقتصادية واستثمارية جاذبة وأكثر استقرارا.
وهذا الهروب سيؤثر سلبا على البورصات وأسواق المال في البلدان النامية، خاصة أن من بين الهاربين بالأموال صناديق وبنوك الاستثمار والشركات الكبرى التي تلعب دورا مهما في تنشيط البورصات بهذه الدول وزيادة السيولة بها.
5- زيادة الضغوط على البنوك المركزية في الدول النامية لزيادة سعر الفائدة على العملات المحلية في محاولة للحد من ظاهرة "الدولرة" وتدافع المدخرين نحو التخلص من العملات المحلية خاصة مع ارتفاع معدل التضخم. وهذه الزيادة لها تأثيرات خطيرة على اقتصادات الدول النامية منها تفاقم الدين العام وعجز الموازنة.

وقد تتم زيادة الفائدة المحلية من قبل البنوك المركزية بهدف الحفاظ على الأموال الساخنة داخل الدولة، وعدم هروب رؤوس الأموال المستثمرة في أدوات الدين المحلية كالأذون والسندات، علما بأن هذه الأموال باتت مصدر تمويل مهم للعديد من حكومات الدول النامية.

وبسبب هذه الاعتبارات وغيرها أطلق صندوق النقد الدولي تحذيرات جديدة من أن الاقتصادات الناشئة قد تواجه العديد من الصدمات خلال العام الجاري، في ظل حالة عدم اليقين التي ترافق انتعاش نمو الناتج الإجمالي العالمي.

كما أن تحركات الفيدرالي الأسرع من المتوقع قد تزعج الأسواق المالية وتؤدي إلى تدفق رأس المال إلى الخارج.

بل إن خبراء الصندوق أكدوا يوم الاثنين أن الاقتصادات الناشئة يتعين عليها الاستعداد "لفترات من الاضطراب الاقتصادي"، ومواجهة موجة محتملة من الاضطرابات الاقتصادية مع قيام الفيدرالي برفع الفائدة، وتباطؤ النمو العالمي بسبب أوميكرون وعودة التفشي القوية للوباء.