حوار رئيس حكومة الانقلاب مع “بي بي سي”.. أكاذيب وإنكار للواقع على طريقة السيسي

- ‎فيتقارير

غضب شديد ساد الساحة الإعلامية المصرية المؤيدة للانقلاب العسكري، إثر تمنع رئيس وزراء المنقلب السفيه السيسي عن إجراء مقابلات صحفية مع القنوات المصرية، وإفراده الحوار المطول مع قناة بي بي سي، الأحد الماضي، لدرجة جعلت خيري رمضان يقول بصريح العبارة "احنا أهو، ليه رئيس الوزراء يذهب للإعلام الخارجي"؟

 وحاول "مدبولي" في إجابته عن أسئلة المحاورة، السير على نهج السيسي خطوة بخطوة، لاغيا شخصيته والمفترض أنها مستقلة، محاولا تقديم رسائل للغرب والأمريكان، لتيقنه بانصراف العالم عن إعلام العسكر الذي لا يملك إلا التسبيح بحمد السيسي فقط، وهو ما كشفته تقارير الشركة المتحدة التي تم إغلاق مقرها بمصر، بعدما كشفت في آخر استطلاع للرأي والمتابعة نسب المتابعة المتردية لقنوات الإعلام المصري، وتصدر قناة الشرق التي تبث من تركيا نسب المشاهدة لدى عموم المصريين.

ووفق متابعة دقيقة لما قاله مدبولي، فقد ظهر الكذب جليا وواضحا لدى رئيس وزراء أكبر بلد عربي ويجري تقزيمها.

وجاء حوار رئيس حكومة الانقلاب مدبولي لبرنامج بلا قيود على قناة "بي بي سي عربي"، مساء  الأحد  الماضي،  ضعف حجج النظام الذي يسير بمصر نحو المجهول لانكاره الواقع المعاش، حيث لا يكاد يرى رأس الحكومة أية معاناة للشعب المكلوم بسياسات العسكرة والتجبر والتوحش الرأسمالي.

 

الإعلام المتردي 

وزعم مدبولي أن الإعلام المصري في أفضل أحواله، مدعيا أن التلفزيون المملوك للدولة ينتقد أوضاعا كثيرة يومية، والتي لم تتدخل يوما في حجب أي من المنصات أو الآراء المعارضة.

فيما تحجب السلطات مئات المواقع الإخبارية والإلكترونية، لتناولها موضوعات عن حرية الرأي والتعبير وأوضاع حقوق الإنسان في مصر.

كما عملت السلطات على تقييد حرية الإعلام الرقمي، من خلال النص في قانون تنظيم الاتصالات على إمكانية حجب المواقع من دون أي قيد لاعتبارات الأمن القومي، وفي قانون مكافحة الإرهاب على منح النيابة أو سلطة التحقيق وقف المواقع أو حجبها أو حجب ما يتضمنه أي وجه من أوجه الاستخدام، والتحفظ على الأجهزة والمعدات المستخدمة في الجريمة.

 

إغلاق مقار الصحف 

ورغم إغلاق العديد من الصحف الدولية مقارها بمصر وإغلاق مكاتب مؤسسات حقوق الإنسان، آخرها الشبكة العربية إثر القمع الأمني، أشار مدبولي، في مقابلته، إلى أن الإعلام في مصر يتمتع بوجود آراء متعددة، ويعد منصة لإظهار اختلاف وتباين الرأي، فضلا عن نقده أوضاعا كثيرة بشكل يومي.

 

حقوق إنسان السيسي!

وعلى نهج السيسي، الذي أعلن من فرنسا مفهوما جديدا لحقوق الإنسان، يتعلق بالصحة والسكن والتعليم -المنهارين بالأساس في مصر- زعم مدبولي أنه  لا بد أن يعي الغرب أن ظروف الدول مختلفة، وعندما ننظر إلى قضية حقوق الإنسان لا بد أن نضع في اعتبارنا أيضاًالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والسياسية، مدعيا أنه لا يمكن تطبيق المعايير ذاتها في الدول المتقدمة على جميع الدول الأخرى، ومنها مصر، والتي تواجه مشكلة حقيقية تتمثل في أن الصورة الحقوقية غير مكتملة.

وزعم أن أغلب المؤسسات التي تنتقد أوضاع حقوق الإنسان في مصر، تستقي تقاريرها من حالات فردية لا يمكن القياس عليها، وتعميمها على الوضع العام في مصر.

 وتناسى رئيس حكومة الانقلاب نحو 12 ألف معتقل سياسي داخل سجون السيسي، ومقتل الآلاف خارج إطار القانون، إما بالتعذيب بمقار الاحتجاز أو الإهمال الطبي أو التصفية الجسدية والحكم على المعارضين، بعد المكالمة التليفونية أو رسالة السامسونج، أو اعتقال النساء والشيوخ لإجبار المعارضين على تسليم أنفسهم والمنع من السفر، واغتصاب أموال المعارضين وتأميم الشركات والاستيلاء على الأموال بقوة السلاح.

 

كوارث الاقتصاد

وفي إنكار مستغرب لنسب الفقر والبطالة المتصاعدين، ناهيك عن التضخم والركود وإغلاق آلاف المصانع وهدم المساكن وتشريد المواطنين بالصحاري، زعم مدبولي أن اقتصاد مصر يعتمد بشكل كبير على القطاع الخاص، وسيظل يعتمد عليه، ويجري العمل على هيكلة الشركات التابعة للقوات المسلحة العاملة في قطاعات مدنية، مستطردا أن الحكومة تستهدف ضبط الدين الداخلي والخارجي خلال الأعوام الثلاثة المقبلة، إلى جانب العمل على تحسين مسار النمو الاقتصادي، بنسب لا تقل عن 5.5% وصولا إلى 7%".

 

اللقطة بالشباب

وعلى طريقة أفلام التسعينيات، في أخذ اللقطة فقط، وإعادة كل شيء إلى ما كان عليه، ادعى مدبولي اهتمام نظام السيسي بالشباب، مدللا على ذلك بتعيينات بعض الشباب التابع لتنسيقية الأحزاب ، التي تشكلها أجهزة المخابرات والأجهزة الأمنية، في بعض الوظائف، بينما الآلاف من الشباب ينتحرون سنويا لعدم قدرتهم عل توفير معيشتهم، أو تأسيس أسر أو بناء مستقبل واضح أو إيجاد وظيفة، بل تناسى مدبولي مئات الآلاف من الشباب الذين يلقون بانفسهم في مياه البحر المتوسط، طلبا للهجرة غير الشرعية لأوروبا فرارا من الجوع والبطالة في مصر.

ورغم ذلك ، زعم مدبولي أن هناك اهتماما كبيرا من القيادة السياسية بملف تمكين الشباب على مستوى أجهزة الدولة، من خلال تولي بعض صغار السن مناصب وزارية في الحكومة الحالية، مستشهدا بتوليه منصب وزير الإسكان، وهو في النصف الثاني من الأربعينيات، ومعه زملاء آخرون من الوزراء في الفئة العمرية ذاتها، وهو ما لم يكن معتادا في مصر على الإطلاق.

وضمن أكاذيبه المضحكة، نفى مدبولي عزوف الشباب عن المشاركة في التصويت في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، قائلا "تراجع المشاركة يعود إلى تداعيات أزمة جائحة كورونا، والإحصاءات الحكومية، تقول إن نسب مشاركة الشباب في الانتخابات لم تكن قليلة،  بدأت تزيد في الفترة الأخيرة مقارنة بحقب سابقة".

وعن شكوى المواطنين من البطالة والغلاء والتضخم وارتفاع الأسعار، قال مدبولي "الأرقام تعكس حجم ما تحقق في الدولة المصرية، ففي عامي 2011 و2012 كانت نسب البطالة تتجاوز 13%، والتضخم بلغ حينها 30%، وعندما بدأنا برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي كنا مجبرين عليه بسبب الظروف السياسية الاستثنائية، تراجع التضخم بنسب كبيرة، وما حدث في مصر كان تأثيره أقل بكثير مقارنة بما حدث في دول أخرى.

وبشأن عدم شعور المواطن بما يحققه الاقتصاد المصري من أرقام، تقول الحكومة إنها "جيدة والمواطن العادي كان يشكو من فقر الخدمات، واليوم تغير الأمر بتوصيل خدمات المياه والصرف الصحي والكهرباء والغاز إليه، فضلا عن الحجم الضخم من مشروعات الإسكان التي تستهدف فئة الشباب ومحدودي الدخل في الأساس، والتي بلغت أكثر من 300 ألف وحدة لتسكين فئات كانت مهمشة تماما".

وأثقلت فواتير الاستهلاك الشهرية الأعباء على المصريين، لا سيما الفقراء منهم ومحدودي الدخل، الذين باتوا يقتطعون ربع دخلهم على الأقل لسدادها، بعد أن ارتفعت أسعار الكهرباء بنسبة 860% منذ تولي السيسي الحكم، وأسعار الغاز بنسبة تصل إلى 2400%، فضلا عن ارتفاع أسعار البنزين 8 مرات منذ عام 2014، ومضاعفة أسعار مياه الشرب للمنازل للمتر المكعب من 36 قرشا إلى 225 قرشا،وهي أرقام يعلمها جيدا مدبولي، إلا أنه فضل الإنكار كسيسيه الذي يرى الدنيا وردا، وأن المواطنين معهم فلوس، فينزل عليهم جام غضبه بالضرائب والرسوم وزيادات الأسعار.

 

الدين الخارجي 

وعن ملف الدين الخارجي ونسبته إلى إجمالي الناتج المحلي، إثر تجاوز الدين الخارجي 137 مليار دولار، والداخلي 6 تريليونات جنيه ، قال مدبولي إن "نسبة الدين تصل حاليا إلى 91% من الناتج المحلي، مقارنة بـ108% قبل أربع سنوات".

 

الرعب من الجيش

وفي شأن علاقة الجيش بالاقتصاد وتغوله على حساب الشركات ، زعم مدبولي متوجسا  "مؤسسات كل دول العالم تنفذ استثمارات في قطاعات إستراتيجية هامة تمس الأمن القومي والاستقرار الاقتصادي، وحجم المؤسسات التابعة للقوات المسلحة لا يمثل شيئا بالنسبة للاقتصاد المصري، والذي يعتمد بشكل كبير على القطاع الخاص، وذلك رغم التقارير والدراسات الدولية التي  تؤكد سيطرة الجيش المصري على 60% ، من حجم الاقتصاد المصري، ويعمل الجيش بشركاته الاقتصادية في نحو 2400 مشروعا اقتصاديا ، وفق بيان سابق للجيش.

وإجمالا ، فإن حوار مدبولي يؤكد أن نظام السيسي ليس لديه جديد أو حجج مقنعة لتفسير سياساته وقرارته، التي تبدأ وتنتهي عند السيسي ، قائد الانقلاب العسكري، الذي يعمل وفق قواد الفهلوة بطريقة غاشمة ومتوحشة ، ويقود مصر نحو مجهول اقتصادي وسياسي واجتماعي، مؤكدا سيره وفق مزاجه الخاص خارج قواعد العقل والمنطق والسياسة الرشيدة، جاعلا وزرائه ومعاونيه كلهم أصفار بجانبه، لا رأي لأحد منهم أو منطق أو شخصية، فكل الإجابات تبدأ وتنتهي عند ما قاله فرعونهم، مؤكدين نفس مسار فرعونهم الأول ، ما أُريكم إلا ما أرى.