رغم الفقر والبطش الأمني.. متى تندلع شرارة الثورة على السيسي؟

- ‎فيتقارير

لا يفتأ الطاغية عبدالفتاح السيسي من التحذير باستمرار من خطوة الثورة، ولا يترك مناسبة إلا ويوجه سهام التشويه والشيطنة لثورة 25 يناير 2011م، مدعيا أنها سبب انهيار البلاد. وخلال السنوات الماضية التي تلت الانقلاب في يوليو 2013م، يلعب السيسي وإعلام العسكر على  الوتر الحساس المتعلق بـ "الاستقرار" رغم أن الأوضاع شديدة السوء وتزداد سوءا كل يوم، كما يفسر ذلك عمليات التخويف المستمرة من جانب الجنرال للشعب فهم يعمل جاهدا على أن يبقى الشعب خائفا من المجهول أملا في إطالة حكمه وتكريس استبداده؛ لذلك يرفع النظام لافتة "الاستقرار الوهمي" مخوفا الشعب باستمرار من الثورة ضد ظلمه وفشله وسوء إدارته رغم بشاعة الحياة في ظل حكم السيسي وتحولها إلى جحيم لا يطاق بسبب القمع والغلاء حتى بات حوالي 60 مليون مصر إما فقراء أو تحت خط الفقر وفقا لتقديرات البنك الدولي. كما يخوف الناس دائما من التغيير ويضرب لهم المثل  بسوريا والعراق دون النظر إلى النماذج الناجحة كتركيا أو حتى المغرب والأردن فضلا عن اليابان والمانيا والدول الأوروبية المتقدمة فلماذا دائما ما ينظرون إلى الأدنى ولا يتطلعون إلى الأفضل؟!

فإذا استمرت السياسة الحالية متجاهلة مطالب المصريين وحاجاتهم الأساسية فإن الوصول إلى لحظة التمرد الجماهيري قريبة جدا، وأن نارا تحت الرماد،  وأن ما يتم ترويجه عن تحمل المصريين لفاتورة الإصلاح المزعوم مجرد ادعاءات غير حقيقية وأمنيات القائمين على الحكم، فلا صبر ولا تضحية وإنما صمت مفروض بالإكراه بأدوات التخويف والترهيب لتمرير إجراءات الإفقار بالقوة المسلحة. وأثبتت حركات الاحتجاج العفوي (الخبز في مارس 2017م، والمترو  في مايو 2017م) وحركات الاحتجاج السياسي (مايو 2016 ضد التنازل عن تيران وصنافير"، ثم سبتمبر 2019م و2020) أن تأثير الجوع والمعاناة يقترب من تأثير التخويف، وكلما ضاقت الفجوة بين التأثيرين والوصول إلى درجة التعادل كلما اقترب المصريون من لحظة الانفجار الكبير وتصفية الحساب مع مجمل السياسات التي أوصلت مصر إلى حالة الانهيار التي يعيشها المجتمع المصري ويلمسها كل مواطن بنفسه. والذين يراهنون على أن البندقية ستظل دائما صاحبة القرار وأن القمع سيمنع الناس من التظاهر يخطئون في الحسابات؛ فالقوة الباطشة التي استخدمت ضد التيار الإسلامي ليكون أمثولة وعبرة لباقي الشعب يصعب استخدامها مع جمهور جائع يبحث عن قوت يومه وليس لديه ما يخسره.

لحظة الانفجار قد نراها بعيدة استنادا إلى السيطرة المطلقة للنظام على جميع مفاصل الحكم والمشهد السياسي برمته، فقد اعتقل قادة الثورة، وزج بهم في السجون بتهم سياسية ملفقة، ومحاكمات استثنائية افتقدت لأدنى معايير النزاهة والعدالة، وقمع أصوات المعارضين جميعا، وتقارب مع حكومات كانت متعاطفة مع الثورة من أجل ملاحقة المهاجرين بالخارج. ورغم قتامة الواقع وسوء الوضع، إلا أن الأمل قد يكون أقرب مما نتصور. ليس بالضرورة بالطريقة التي نتخيلها ولكن قد يأتي الفرج من جهة لا نضع لها حسبانا.

ويرى الباحث «تيموثي كالداس» في ورقة بحثية نشرها معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط في ديسمبر 2019 أن تصلب نظام السيسي يخفي في جوهره هشاشة ستكون سببا في سقوط النظام في مصر بصورة فوضوية للغاية. وتحت عنوان «استبداد السيسي الهش.. لماذا سيكون انهيار النظام في مصر فوضويا للغاية؟» يحذر "كالداس"  من رهان الدول الغربية على الاستقرار الظاهر لنظام السيسي الذي كرسه بوسائل وحشية.  ويقر أن قبضة السيسي على السلطة في هذا الوقت قوية للغاية، لكن الطريقة التي عزز بها هذه السلطة تجعلها أيضا هشة للغاية وحساسة للصدمات غير المتوقعة. وبعد استعراض تركيز السلطات في يد السيسي بعد العصف باستقلال القضاء وتشكيل مجلس تشريعي صوري وتأميم الفضاء الإعلامي وخنق منظمات المجتمع المدني، واحتكار الجيش للنشاط الاقتصادي وسحق أي أمل في التداول السلمي للسلطة بعد إقرار التعديلات الدستورية التي جرت في إبريل 2019م، فإن السيسي ساهم بنشاط بالغ في تفكيك مؤسسات الدولة وتقويض استقلاليتها  ما أسهم في زيادة هشاشة الدولة بشكل عام.

ويرى "كالداس" أن النظام رغم تمكنه من إخماد الاحتجاجات التي خرجت  ضده حتى الآن، فإن الأمر مسألة وقت حتى تندلع شرارة أخرى و جولة أكبر من الاحتجاجات التي لن يتمكن النظام من إخمادها بسهولة. لكن الأكثر خطورة على مستقبل مصر هو عدم وجود آلية للانتقال السلمي للسلطة، إضافة إلى عدم وجود مساحة لإعداد قيادات بديلة موثوقة؛ وبذلك فإن الخوف من انتقال السلطة رغم حتميته أجبر السيسي على اتخاذ إجراءات من شأنها أن تجعل أي عملية انتقال للسلطة في مصر فوضوية للغاية، وينتهى "كالداس" إلى أن نصل السيسي الحاد الصلب ربما يكون قد أطاح بخصومه وركز السلطة في يديه، لكنه عندما يواجه تحديا أكثر صعوبة فقد لا يتراجع ولكنه ربما ينهار تماما؛ فالمخاطر المرتبطة بهشاشة النظام المصري كبيرة للغاية ولا يمكن التنبؤ بها على حد سواء.

وترى الأكاديمية الأمريكية «إيمي أستون هولمز» التي عملت سابقا كأستاذ مشارك بالجامعة الأمريكية بالقاهرة خلال فترة ثورة يناير، أن غياب المظاهرات والاحتجاجات الشعبية ضد نظام الطاغية عبدالفتاح السيسي لا يعني الاستقرار كما يردد السيسي وآلته الإعلامية والحكومية؛ ذلك أن النظام يمارس قمعا غير مسبوق لجميع أشكال التظاهر السلمي أو الدعوة إليه. وفي كتابها «ثورات مصر وانقلاباتها .. التحركات الجماهيرية والعسكر وأمريكا منذ مبارك حتى السيسي»، تتوقع «هولمز» أن تكون الثورة أو الانتفاضة القادمة في مصر اقتصادية الدوافع بامتياز.

وتفسر ذلك بأنه على الرغم من قمع نظام مبارك وتفرد نخبة من رجال الأعمال بالنفوذ في عهده، فإن إحصائية نشرت عام 2000 أثبتت أن طبقة الـ 1% الأكثر ثراء في مصر تمتلك حوالي ثلث مقدرات البلاد الاقتصادية بنسبة 32%. وتبدي الباحثة الأمريكية دهشتها مضيفة أنه رغم شعارات العدالة الاجتماعية التي رفعها ثوار يناير فإن هذه النسبة قد ارتفعت بشكل كبير، لدرجة أشارت فيها آخر الأرقام المنشورة أن الطبقة ذاتها (1%) باتت تمتلك بحلول 2014 حوالي نصف مقدرات البلاد بنسبة  49%، مما يعني أن مليون مواطن مصري يستحوذون على نصف ثروة البلاد فيما يتصارع 99 مليون مصري على النصف الباقي. وأن الغياب المهول للعدالة الاجتماعية، برأي هولمز: هو وصفة لتحركات قادمة لا يرى المشاركون فيها أي مستقبل لهم في بلد تعوزه الحرية والرفاه على السواء.