خلال الأيام القليلة الماضية، أجرى رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي عدة اتصالات مع زعماء ورؤساء دول وحكومات بهدف شرعنة التحولات الأخيرة في الساحة الليبية بعد اختيار مجلس النواب وزير الداخلية الليبي السابق فتحي باشاغا ليشغل منصب رئيس الحكومة عوضا عن عبد الحميد الدبيبة الذي كان يقود حكومة الوفاق ولا يزال يتمسك بمنصبه وحكومته لحين تسليم السلطة لحكومة منتخبة بحسب تصريحاته.
وفي الأربعاء 9 فبراير أجرى السيسي اتصالا هاتفيا بالرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الذي زار القاهرة في 24 يناير 22، وهي الزيارة الأولى لرئيس جزائري للقاهرة منذ 14 سنة. وتطرق الاتصال إلى "مناقشة تطورات عدد من القضايا الإقليمية، خاصة الأوضاع في ليبيا، حيث توافقت الرؤى حول أهمية تعزيز أطر التنسيق المصرية الجزائرية في هذا الشأن". وفي الجمعة 11 فبراير 22، أجرى السيسي مناقشات مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على هامش مشاركتهما في قمة "محيط واحد" المعنية بالموضوعات الليبية في مدينة "بريست" الفرنسية.
ويأتي ذلك عقب يوم من اختيار مجلس النواب في طبرق (شرق) وزير الداخلية الليبي السابق فتحي باشاغا ليشغل منصب رئيس الحكومة عوضا عن عبد الحميد الدبيبة. وناقش الجانبان خلال اللقاء "التطورات المتعلقة بعدد من القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وخاصةً مستجدات الأوضاع في ليبيا" بحسب ذات البيان.
وكانت وزارة الخارجية بحكومة الانقلاب قد رحبت في بيان لها الخميس باختيار باشاغا لرئاسة الحكومة الليبية. الأمر الذي يبرهن على أن نظام الدكتاتور عبدالفتاح السيسي يقف خلف هذه التطورات الأخيرة على الساحة الليبية. باختبار باشاغا رئيسا للحكومة من جانب برلمان طبرق خطوة تنذر بأزمة جديدة في ظل تمسك الدبيبة، باستمرار حكومته استنادًا إلى مخرجات ملتقى الحوار السياسي، الذي حدد مدة عمل السلطة التنفيذية الانتقالية بـ 18 شهراً تمتد حتى يونيو 2022، وفق البعثة الأممية في ليبيا.
وقد تلقى الدبيبة دعما كبيرا من جانب الأمم المتحدة التي أكدت أن موقفها لم يتغير إزاء اعتبار الدبيبة هو الرئيس الحالي للحكومة الليبية، وأنها تجري مشاورات متواصلة مع الليبيين حول تعيين حكومة جديدة، فيما لاقت تلك الخطوة ترحيبا من قائد القوات المسلحة شرقي ليبيا خليفة حفتر.
وجراء خلافات بين مؤسسات ليبية رسمية بشأن قانوني الانتخاب، ودور القضاء في العملية الانتخابية، تعذر إجراء انتخابات رئاسية في 24 ديسمبر202، وفق خريطة طريق برعاية الأمم المتحدة.
ولم تعلن الجزائر حتى كتابة هذه السطور عن أي موقف رسمي تجاه تعيين باشاغا رئيسا للحكومة. لكن هناك مؤشرات رسمية في الجزائر قد ترجح عدم الاعتراض على باشاغا، استنادا إلى التنسيق المسبق مع القاهرة. وتُفسر الجملة التي وردت في البيان الرئاسي حول دعم الجهود الليبية الليبية عدم اعتراض الجزائر من الناحية المبدئية على المسار الجديد، خاصة إذا كان نتاج تفاهمات ليبية ليبية، لكن هذا الموقف يشترط في الوقت نفسه "الحفاظ على وحدة ليبيا واستقرارها".
ويُعتقد أن يكون رئيس مجلس النواب عقيلة صالح قد أطلع الجانب الجزائري، خلال لقائه سفير الجزائر في ليبيا سليمان شنين الاثنين الماضي في طبرق، على التوجه نحو المسار السياسي الجديد وانتخاب حكومة جديدة، حيث نقل السفير ذلك إلى السلطات في العاصمة الجزائرية.
وتنقل صحيفة "العربي الجديد" عن مصادر جزائرية أن بلادهما قد لا تبدي اعتراضا على المسار الجديد لسببين، الأول كونه خلاصة تفاهمات ليبية طالما أن الجزائر تركز في مقارباتها على دعم الحل الليبي الليبي من دون تدخل خارجي، والثاني لكون الجزائر ليس لها اعتراض على شخص باشاغا، الذي يرتبط بعلاقات جيدة مع الجزائر، وأجرى عددا من الزيارات إليها عندما كان وزيرا للداخلية، كما ساعدته الجزائر بتكوين فرق من الشرطة والشرطة الجنائية الليبية في مدارس الشرطة فيها. لكن ذلك لا يمنع من وجود بعض القلق السياسي في الجزائر ومخاوف جدية من أن يكون المسار الجديد في تعارض مع المسار الأممي للحل في ليبيا، والذي ينص على اجراء الانتخابات وتسليم حكومة الدبيبة السلطة لحكومة منتخبة، كما ترتبط المخاوف من إمكانية نسف التطورات الجديدة الاستقرار النسبي الذي تحقق خلال العام الماضي، ما يرشح المشهد الليبي للعودة إلى مربع الصراعات السياسية والمظاهر المسلحة، خاصة أن رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة أعلن رفضه تسليم السلطة لرئيس الحكومة الجديد في ظل اعتراف أممي بحكومته.