تقنين المصانع والورش غير المرخصة ودمج ما يسمى بالاقتصاد غير الرسمي في الاقتصاد الرسمي سبوبة جديدة لنظام الانقلاب الدموي بقيادة عبدالفتاح السيسي ولعصابة العسكر ، لنهب المصريين واستنزاف ما في جيوبهم بزعم تقنين أوضاعهم ومنحهم مزايا شكلية في مقابل فرض ضرائب باهظة عليهم ، ما يهدد بغلق عشرات الآلاف من الورش والمصانع وقطع أرزاق ملايين المصريين .
كان السيسي قد أعلن عما أسماه مبادرة تقنين المصانع غير الرسمية بزعم رفع كفاءتها الإنتاجية والعمل في النور وتوفير الدعم والمواد الخام والبرامج التسويقية لها، بهدف الزيادة الإنتاجية ورفع الناتج المحلي، وإنعاش الخزانة المصرية رغم أن هذه المبادرة تأتي في إطار سياسة الخضوع لإملاءات صندوق النقد الدولي ، من أجل حصول العسكر على قروض جديدة وتوريط مصر في مزيد من الديون وتضييع مستقبل الأجيال القادمة.
أرقام رسمية
يشار إلى أنه لا توجد أرقام رسمية للورش والمصانع غير المقننة ومساهمتها في الناتج الإجمالي المحلي وعدد الأيدي العاملة بها ، إلا أن تقارير منظمة العفو الدولية والبنك الدولي تشير إلى أنه يعمل بالاقتصاد غير الرسمي قرابة ٦٠.٤٪ من حجم العمالة مقابل ٣٩.٦ بالقطاع الرسمي ويساهم الاقتصاد غير الرسمي بما يتراوح من ٣٠إلى ٤٠٪ من إجمالي الناتج المحلي.
وأكدت التقارير أن القطاع غير الرسمي يعمل به نحو ٤٤.٨٪ بقطاع الزراعة مقابل ٢٤.٦٪ يتركزون في الورش الصغيرة كالحدادة والنجارة ومصانع الأغذية الصغيرة ومصانع إعادة تدوير البلاستيك ونحو ٣٠٪ يتركزون في قطاع التشييد والبناء وتجارة التجزئة .
وكشفت عن تمتع القطاع غير الرسمي بالديناميكية والمرونة والقدرة على الاستجابة لمتطلبات السوق والقدرة على إعادة التشغيل بسرعة أكبر من القطاع الرسمي، نظرا لأنه غير مكبل بأي قيود بيروقراطية.
إجراءات روتينية
في هذا السياق كشف اتحاد جمعيات التنمية الاقتصادية وتنمية الدخل (FEDA) في دراسة أجراها عام ٢٠١٩ عن المشروعات المتعثرة وتأثير تطبيق قانون تيسير إجراءات منح تراخيص المنشآت الصناعية ولائحته التنفيذية على النشاط الصناعي أن ٣٦٪ من إجمالي العينة التي تم بحثها، لم يستخرجوا السجل الصناعي نظرا لوجود تعقيدات ومشكلات عديدة تواجههم في سبيل استخراجه ، ومنها رسوم مبالغ فيها حيث تقدر الرسوم تبعا لمساحة الأرض وإجراءات روتينية معقدة وبطء الإجراءات والربط بين رخصة التشغيل ومعيار الجدية .
وقالت الدراسة إن "من ضمن التعقيدات ضرورة الحصول على رخصة التشغيل قبل الحصول على السجل الصناعي بجانب التعقيدات في تجديد السجل أو السمة التجارية أو تغيير النشاط عند تخارج أو دخول شركاء وغياب مكاتب مفوضة وموظفين مؤهلين لتلبية احتياجات المستثمرين بالمحافظات والمناطق الصناعية ، وضعف تأهيل مسئولي البيئة والدفاع المدني وكل ذلك يعرقل استخراج التراخيص".
وأشارت إلى أن القانون ٩٥ لسنة ٢٠١٨ بشأن إعادة تنظيم هيئة التنمية الصناعية أعطاها صلاحيات واسعة في تطوير وتنظيم النشاط الصناعي وإنشاء المناطق الصناعية وتحديد الأنشطة الصناعية لكل منطقة ، إلا أنها لم تحقق أي نتائج في هذا المجال .
وشددت الدراسة على ضرورة العمل على تحفيز المنشآت القائمة قبل صدور قانون لتوفيق أوضاعها من خلال إنشاء إدارة متخصصة داخل هيئة التنمية الصناعية تقوم على تيسير إجراءات توفيق الأوضاع وإقناع المستثمرين بمميزات القانون الجديد.
خسائر كبيرة
وقال الدكتور وائل النحاس، خبير اقتصادي إن "المصانع غير المرخصة تسجل نجاحات من حيث الإنتاج والتسويق وتحقيق هامش ربح من خلال تسعير المادة الخام واستهداف المستهلك ، بالإضافة إلى امتلاك خبرة الصناعة لكن بعضها يفتقد عنصر الجودة".
وطالب النحاس في تصريحات صحفية بتوفير التدريب والتمويل وعمل حوافز تشجيعية مثل الإعفاء الضريبي لفترة معينة والبحث في الإنتاج وعمل تعاقدات معهم بدلا من الاستيراد من الخارج قبل الدمج والتقنين .
وأشار إلى أن القاهرة الكبرى تنتشر فيها صناعات مختلفة مثل البلاستيك والحصر في شبرا الخيمة وورش الأحذية والشنط الجلدية والمواد الكيمائية في منطقة باب الشعرية وصناعات المواد الغذائية بأنواعها في منطقة بسوس ، علاوة على صناعة الدباغة والجلود في عين الصيرة بمصر القديمة التي تم نقلها إلى الروبيكي ، مطالبا بضوابط ومعايير دقيقة حتى لا يتسبب التقنين في إغلاق هذه الورش والمصانع وبالتالي تحقيق خسائر كبيرة للاقتصاد المصري .
وأضاف النحاس أن الصناعات القديمة داخل القاهرة الكبرى اندثرت واختفت من ذلك منطقة شبرامنت وشبراخيت التي كانتا تتخصص في صناعة الزجاج ، لافتا إلى أن هناك صناعات تحتاج لرفع الكفاءة لأن صناعات الاقتصاد غير الرسمي قد تسبب كوارث مثل تيل الفرامل أو الكاوتيشات المستعملة بمنشأة ناصر ، ما يسبب زيادة في حوادث الطرق علاوة على مصانع إعادة تدوير الزيوت وبيعها للمطاعم بمنطقة عين شمس.
المصروفات الإدارية
وأكد الدكتور عبدالرحمن عليان أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس، أن المشكلة تتمثل في كيفية دعم المصنع الصغير وتغيير أسلوب طرحه ليتمكن من اقتحام الأسواق في المدن القريبة وتوفير المادة الخام وتسهيلات الإقامة لإنجاح المشروعات حتى لا تخدم المشروعات كبار التجار والمصنعين.
وشدد عليان في تصريحات صحفية على ضرورة ايجاد جيل جديد من المصنعين من خلال توفير البيئة الحاضة سواء العمالة – التدريب- رءوس الأموال- المادة الخام- التسويق الجيد – مدن سكنية مع تركيز احتياجات الدولة من الممارسات والمناقصات من إنتاج هذه المصانع كعامل تحفيزي.
وقال إن "غلاء المصروفات الإدارية سيبقى عائقا أمام محاولات الدمج والتقنين على عكس العالم كله الذي يمنح حوافز تشجعية، مشددا على ضرورة إيجاد نظام بقواعد أساسية تسهل أدوات الترخيص وجهاتها.
البيروقراطية
ودعا الدكتور رشاد عبده، خبير اقتصادي إلى ضرورة القضاء أولا على البيروقراطية قبل التفكير في دمج الاقتصاد غير الرسمي ، مؤكدا أن كثرة العوائق والعراقيل التي تواجه المشروعات دفعت الشباب أو الصناع ذوي الخبرة إلى العمل بدون تراخيص بعيدا عن أعين حكومة الانقلاب.
وكشف عبده في تصريحات صحفية أن أعداد الشركات تتكاثر دون تسجيل، وهي لا تعمل في النور بسبب إجراءات التراخيص المعقدة وهذا قد يقلل من العمل بطاقة أكبر وجودة عالية .
وقال يجب أن يكون الهدف الأساسي هو زيادة الناتج المحلي وليس الرسوم والضرائب ، مؤكدا أن زيادة الإنتاج تقلل من الديون بشرط التسويق والمساهمة في إيصال الإنتاج للمستهلكين، من خلال تنظيم معارض دائمة أو متنقلة أو خارجية ، بجانب توفير قروض للشباب.
وطالب «عبده» بتنظيم دورات لتأهيل الشباب على كيفية كتابة دراسة الجدوى الاقتصادية للمشروعات والدراسات التسويقية والدراسات الفنية والبحث عن الدعم الفني ودراسة السوق والمنافس والأقاليم الاقتصادية.