قراءة في حكم النقض الأخير بحق “بديع” و”البلتاجي” و”حجازي”

- ‎فيتقارير
A picture taken during a guided tour organised by Egypt's State Information Service on February 11, 2020,shows a partial view of the Tora prison in the Egyptian capital Cairo. (Photo by Khaled DESOUKI / AFP) (Photo by KHALED DESOUKI/AFP via Getty Images)

قضت محكمة النقض يوم الأربعاء 20 إبريل 2022م، على كل من فضيلة المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين الأستاذ الدكتور محمد بديع، والدكتور محمد البلتاجي، والداعية الإسلامي الدكتور صفوت حجازي، بالمؤبد (20 سنة)، في القضية المعروفة إعلاميا بأحداث قسم شرطة العرب بمحافظة بورسعيد في أعقاب فض اعتصامي رابعة نهضة مصر يوم 14 أغسطس 2013م، والتي استشهد فيها 5 موطنين من أنصار الرئيس محمد مرسي وإصابة نحو 70 آخرين.  وتضمن الحكم الجائر معاقبة 6 معتقلين آخرين بالسجن المشدد لمدة 15 سنة، والحبس لمدة 3 سنوات بحق متهم آخر، والقضاء ببراءة 59 متهماً آخرين.

بهذا الحكم الظالم يكون بديع هو أكثر المحكوم عليهم ظلما في سجون العسكر في عشرات القضايا الكيدية الملفقة  التي افتقدت إلى أدنى معايير النزاهة والشفافية والعدالة، بـ(230) سنة سجنا، وبعده يأتي البلتاجي بـ(229) سنة سجنا لكن البلتاجي تم الحكم عليه بالإعدام في حكم بات ونهائي وسط مخاوف من أن يكون  التشويه والشيطنة بحقه وحق الدكتور اسامة ياسين وآخرين في "الاختيار3" جزء من خطة التمهيد لتنفيذ هذه الأحكام الجائرة.  وحتى يوليو 2021م، كان بديع قد تم الحكم عليه بنحو 210 سنة سجنا وينتظر أحكاما بـ85 سنة آخرى في قضايا محل نظر.

وكانت جنايات بورسعيد قد أصدرت حكما بإدانة المعتقلين في القضية في أغسطس 2015م، لكن محكمة النقض نقضت الحكم في مايو 2017م لأنه استند إلى التحريات الأمنية التي لا تصلح وحدها دليلا بالإدانة دون وجود أدلة قطعية تدين المتهمين  كلا على حده. وأمرت بمحاكمتهم أمام دائرة أخرى، والتي انتهت إلى إدانتهم مجدداً في سبتمبر2020، فطعنوا أمام محكمة النقض للمرة الثانية والأخيرة. ورغم أن أوراق القضية لا تتضمن أي دليل إدانة بحق المعتقلين سوى التحريات الأمنية المبنية على ظنون الضابط المسئول عن القضية إلا أن محكمة النقض قضت هذه المرة بإدانتهم في تحول خطير يعكس كيف أحكم السيسي قبضته على السلطة القضائية من الألف إلى الياء.

من جهة أخرى، وقبل أيام قليلة، أُلقي القبض على المستشار سامي عبد الرحيم، رئيس محكمة جنايات بورسعيد التي أصدرت الحكم على بديع والبلتاجي وحجازي وباقي المعتقلين في القضية سنة 2015، على خلفية اتهامه، و16 آخرين، بتلقي رشى مالية وحيازة ذخائر ومخدرات. وسرعان ما أصدرت محكمة استئناف القاهرة قراراً بحظر النشر في القضية المتهم فيها القاضي، والتي حملت رقم 120 لسنة 2022 (حصر أمن دولة)؛ الأمر الذي يبرهن على أن مصر سقطت إلى مرحلة غير مسبوقة من الانحطاط؛ إذا يصل إلى منصة القضاء شراذم المجرمين والبلطجية وتجار السلاح والمخدرات متسلحين بالمحسوبية والواسطة وذوي النفوذ الواسع.

عندما ننظر إلى أوراق القضية من ناحية قانونية بحتة، فإن النيابة وجهت للمعتقلين  تهمة تحريض أعضاء الجماعة على اقتحام قسم شرطة العرب ببورسعيد في 16 أغسطس 2013م، وقتل ضباطه وجنود، وسرقة الأسلحة الخاصة بالقسم وتهريب المحتجزين به، لكن الأوراق خلت من أي دليل قطعي بحق أي متهم، فلا دليل واحد على أن هؤلاء المتهمين اقتحموا القسم، ولا يوجد أي صورة أو مقطع فيديو يبرهن على ذلك سوى تحريات الشرطة المفبركة. كما لا يوجد مقطع واحد يبرهن على صحة الاتهامات الموجهة لبديع والبلتاجي وحجازي؛ فكلهم كانوا في القاهرة بينما الأحداث المزعومة في بورسعيد؛ والاستناد إلى بعض العبارات الفضاضة لا يصلح دليلا بالإدانة في حكم القضاء.

وفي فبراير 2022م، ظهر فضيلة المرشد العام (79 سنة) في حالة صحية سيئة، دفعت أسرته إلى إصدار بيان بذلك متهمة سلطات الانقلاب بالمسئولية عن حياته حيث يتعرض لأبشع أصناف الإرهاب والتعذيب والحرمان من كافة حقوقة القانونية. فقد ظهر فضيلة المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين وعليه مظاهر إعياء شديدة حيث تم نقله لحضور إحدى الجلسات ملفوفا ببطانية، وعليه مظاهر المرض الشديد من ارتجاف وترجيع وسخونة وكحة"، بينما حملت الجماعة في بيان لها نظام السيسي المسئولية كاملة عن حياة بديع الذي تم اعتقاله قبل 8 سنوات في أعقاب الانقلاب العسكري على الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي، الذي لقي ربه شهيدا في سجون العسكر في يونيو 2019م.

ويتعرض فضيلة المرشد العام لعمليات تنكيل مستمرة في محبسه الانفرادي بسجن مزرعة طرة المجرد من شتى وسائل الحياة، فضلاً عن منع الزيارة عنه لمدة أربع سنوات متواصلة، إضافة إلى منعه من مقابلة محاميه. كما يعاني من تآكل في الغضاريف وكسر قديم في العمود الفقري، ولا يستطيع الجلوس على الأرض ولا النهوض منها إلا بالاستناد على كرسي، ولا يستطيع السجود أو حتى الركوع، فكان يصلى على الكرسي قبل أن يسحبه السجانون، حسبما أفادت ابنته.  كما يعاني المعتقلون في سجون العقرب سيئ السمعة من عصف كامل لكل حقوقهم القانونية بالحرمان من الزيارة ومقابلة المحامين ودخول الطعام والدواء، وهي الممارسات التي تواجه انتقادات حقوقية حادة محليا ودوليا.

والدكتور محمد بديع أحد علماء مصر الأفذاذ، فهو أستاذ علم الأمراض بكلية الطب البيطري بجامعة بني سويف، سبق أن صنفته الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، مؤسسة حكومية، عام 1999، واحدا من أعظم مئة عالم عربي. وانتخب بديع لعضوية مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين عام 1993، وبعد الانقلاب على الرئيس الشهيد محمد مرسي، جرى اعتقاله في 11 يوليو 2013، بتهم كيدية ملفقة.

وكان الرئيس الشهيد محمد مرسي قد قضى أعوامه الستة في سجن ملحق مزرعة طرة، منذ الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو 2013، قبل أن يودّعه نهائيًا بوفاته أثناء جلسة نظر القضية التي كان متهمًا فيها، المعروفة إعلاميا بـ"قضية التخابر مع حماس"، في 17 يونيو2019، وكان سبقه مرشد جماعة الإخوان المسلمين السابق، مهدي عاكف، الذي قضى نحبه في سبتمبر2017، إثر تعرّضه لهبوط حاد في الدورة الدموية في نفس السجن، عن عمر يناهز 89 عاماً. واستشهد بسجون العسكر عدد من قيادات جماعة الإخوان على رأسهم أيضا الدكتور عصام العريان والدكتور فريد إسماعيل وغيرهم.  ومعظم المعتقلين في سجن ملحق المزرعة ممنوعون من الزيارة، ورهن الحبس الانفرادي منذ أعوام، وأبرزهم المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، محمد بديع، والقيادي السلفي حازم صلاح أبو إسماعيل، والقياديون بجماعة الإخوان المسلمين، محسن راضي، ومحمد حامد، والحسيني عنتر، وأصغرهم سناً، الدكتور باسم عودة، وزير التموين بحكومة الدكتور هشام قنديل.