العفو عن محسن السكري قاتل “سوزان تميم”.. رسالة ودلالة

- ‎فيتقارير

تداولت وسائل إعلام مختلفة خلال الأيام الأخيرة خبرا عن شمول قائمة العفو الرئاسية الأخيرة اسم ضابط أمن الدولة السابق محسن السكري الذي كان محكوما عليه بالمؤبد في قضية مقتل المطربة اللبنانية سوزان تميم، وكان السكري المتهم الأول في قضية مقتل سوزان تميم بشقتها في دبي عام 2008 بتحريض من رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى، والذي حكم عليه من محكمة الجنايات بالإعدام سنة 2010، ثم جرى نقض الحكم من جانب محكمة النقض وتم الحكم عليه نهائيا سنة 2012م، بتخفيف العقوبة من الإعدام إلى المؤبد للسكري و15 سنة  لهشام طلعت مصطفى، وفي عام 2017 أصدر السيسي قرارا بالإفراج عن مئات المحكومين، من بينهم رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى المحرض على قتل سوزان تميم بسبب رفضها العلاقة معه، بعد فترة طويلة من ملاحقتها.

الغريب في الأمر أن السيسي كان قد أصدر قرارا  جمهوريا رقم 232 لسنة 2020، نشرته الجريدة الرسمية، بالعفو عن العقوبة الأصلية أو ما تبقى منها وعن العقوبة التبعية المحكوم بها على 3157 سجينا، من بينهم محسن السكري، وتحول قرار العفو إلى محط جدل في مصر، بعدما رأت التعليقات أن الإفراج يكون سهلا عن مدان بجريمة قتل مروعة، في مقابل تضييق الحريات ومن إطلاق سراح النشطاء السياسيين ومعتقلي الرأي، تفسير ذلك أن الخبر قد يكون غير دقيق؛ لأن السكري تم العفو عنه فعليا قبل سنتين بقرار جمهوري وقد تكون الانتقادات الحادة  وقتها لقرار العفو عن السكري قد تسببت في إرجاء تنفيذ القرار خلال السنتين الماضيتين، حتى تم الإفراج عنه حاليا.

وفي كل الأحوال، يتعين التنويه إلى أن قوائم العفو عن محبوسين (جنائيين على وجه التحديد) هي سنة يجري العمل بها في مصر منذ عقود، وتشرف عليها الأجهزة الأمنية من الألف إلى الياء، والهدف منها تعزيز نفوذ قيادات الأجهزة الأمنية والمخابراتية بما تتضمنه من مجاملات ومحسوبيات وتوزيع نفوذ على مختلف الأجهزة، وفي أعقاب انقلاب 03 يوليو 2013م  واعتقال عشرات الآلاف من الرافضين للانقلاب،  ثم اعتقال آلاف المعارضين لحظر التظاهر،  شرع السيسي في إصدار قوائم عفو بالتزامن مع الاحتفالات  والمناسبات القومية والدينية مثل (ذكرى انتصار أكتوبر ـ عيد الشرطة ــ 23 يوليو ــ 30 يونيو ــ عيد الفطر ــ عيد الأضحى وغيرها) وقد عفا السيسي عن آلاف السجناء الجنائيين في سنوات الانقلاب الأولى من أجل إخلاء أماكن للمعتقلين السياسيين ومع تزايد أعداد المعتقلين من كل القوى السياسية الإسلامية والعلمانية في أعقاب التنازل عن تيران وصنافير في إبريل 2016م، احتاج السيسي إلى تخفيف الاحتقان مع القوى العلمانية بابتداع لجنة العفو عن  السجناء كتوصية لأحد مؤتمرات الشباب لمنحه أهمية في ظل الانتقادات الموجهة لهذه المؤتمرات باعتبارها شكلية بلا جدوى حقيقية.

ومن أبرز الشخصيات المثيرة للجدل والتي تم العفو عنها ضمن هذه القوائم، سواء تلك التي تعدها أجهزة النظام أو لجنة العفو ، صبري نخنوخ وهو أكبر بلطجي في مصر، يقود تشكيلات عصابية منظمة تمارس جميع أشكال البلطجة، تم القبض عليه في أغسطس 2012م داخل فيلته بمنطقة كينج مريوط بالإسكندرية، وكان بصحبته عدد كبير من الخارجين عن القانون، وبحوزتهم كمية من الأسلحة وتمكنت القوات من السيطرة عليهم والقبض عليهم جميعا ، وقضت محكمة الجنايات في 9 مايو 2013 بمعاقبة نخنوخ  بالسجن المؤبد وتغريمه 10 آلاف جنيه عن تهم إحراز السلاح الآلي والأسلحة النارية، والسجن المشدد 3 سنوات وتغريمه 10 آلاف جنيه عن حيازة وتعاطي المخدرات، وبرأته من حيازته طبنجة ماركة سميث، ورفضت محكمة النقض في 3 نوفمبر 2014، الطعن المقدم منه على حكم محكمة الجنايات الصادر بمعاقبته بالسجن 28 عاما في اتهامه بحيازة أسلحة نارية دون ترخيص والبلطجة وحيازة وتعاطي المخدرات، وبذلك بات حكم النقض نهائيا وباتا، لكن السيسي عفا عنه ضمن قائمة العفو التي ضمت نحو 330 سجينا في مايو 2018م، رغم أنه محكوم عليه حكما باتا بالمؤبد 28 سنة.

وفي 27 يناير 2019م، أصدر السيسي عفوا عن نحو 7 آلاف سجين بمناسبة ثورة يناير 2011 ومن بين من شملهم العفو السجينة البريطانية، لورا بلامر، البالغة من العمر 34 عاما والتي ألقي القبض عليها متلبسة بتهريب كميات كبيرة من أقراص ترامادول المخدرة،  وحُكم عليها بالسجن مدة ثلاث سنوات في 26 ديسمبر 2017م.

هذه القوائم التي تحظى بالعفو غالبا ما يكون  معظمها لسجناء جنائيين بعضم أرباب سوابق، ومثل العفو عن صبري نخنوخ برهانا على أنه كان جزءا من الطرف الثالث الذي كان خفيا في مرحلة ثورة يناير وما تلاها من مذابح وفلتان أمني وجرائم سرقة ونهب وقطع طرق، وبالتالي تمت مكافأته على هذا الدور المشبوه رغم أنه يستحق الإعدام هو وكل من يرتبط به وبعصاباته المنتشرة في البلاد، وكانت رسالة العفو عنه واضحة في رسالتها ودلالتها؛ فمن يقتل ويسرق ويرتكب أبشع الجرائم يمكن العفو عنه، أما من يعارض النظام ويرفض سياساته والاعتراف به بوصفه اغتصب السلطة بانقلاب عسكري فمصيره القتل أو الاعتقال حتى الموت.