ذكرى 03 يوليو.. كيف دعم العلمانيون الدولة العميقة للإنقلاب على الديمقراطية؟

- ‎فيتقارير

من التقارير المهمة التي كشفت الدور القذر  الذي قامت به الدولة العميقة في مصر بدعم سافر من القوى العلمانية، ما نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" يوم السبت 13 يوليو 2013م، في أعقاب الانقلاب بنحو عشرة أيام فقط؛ كان عنوانه:«الدولة العميقة تعود إلى مصر مرة أخرى». تضمن التقرير تفاصيل كثيرة حول اجتماعات عقدها ممثلون عن جبهة الإنقاذ وشخصيات أخرى معارضة مع بعض العسكريين، وحول دور رجال النظام السابق فى دعم حركة «تمرد» ومساندة الدعوة إلى الخروج إلى الشوارع فى مظاهرة 30 يونيو. وأعطى التقرير انطباعا مفاده أن حملة الانقلاب على الرئيس مرسى جمعت بين رموز المعارضة وبعض الجنرالات وممثلين عن حركة تمرد إضافة إلى عناصر مثلت الحزب الوطنى. من المعلومات التى أوردها التقرير أن اجتماعات رموز المعارضة العلمانية مع الجنرالات ظلت منتظمة قبل عدة أشهر من الانقلاب، وكانت تتم فى نادى ضباط البحرية بالقاهرة.. وأن الجنرالات أبلغوهم بأن المعارضة إذا استطاعت تأمين عدد كاف من المتظاهرين فى الشوارع فإن الجيش سيتدخل للإطاحة بالرئيس بشكل قسرى. من تلك المعلومات أيضا أن أحد محامى أحمد عز رجل جمال مبارك السابق والقيادى فى الحزب الوطنى حضر بعض تلك الاجتماعات. منها كذلك أن نائبا سابقا عن الحزب الوطنى فى محافظة الشرقية هو الذى كان أهم الداعمين لحملة تمرد فى مدينة الزقازيق».

وتعليقا على هذا التقرير يقول الكاتب الكبير فهمي هويدي: «أحذر من استسهال التعميم، لأن فى مقدمة الذين خرجوا معارضين للدكتور مرسى يوم 30 يونيو أناس وطنيون كانوا خائفين على الثورة أو خائفين من الإخوان، لكن الذى لا شك فيه أيضا أن المشهد كله لم يكن بريئا لأن الأطراف التى تحدثت عنها الصحيفة الأمريكية، خصوصا أركان النظام القديم وأعوانه وجدتها فرصة لتصفية حسابها مع الثورة ومع الإخوان».

والحق أن القوى العلمانية لم تكن شيئا واحدا، وإن كانت الكتلة الأكبر من هذا التيار أظهرت عداء متأصلا وجذريا مع الإخوان وكل ما هو إسلامي في وقت مبكر من الثورة، وقد رصد الكاتب الكبير فهمي  هويدي هذه النزعة الاستئصالية من جانب غلاة العلمانيين مبكرا جدا في أعقاب الإطاحة بمبارك مباشرة؛ يقول هويدي في مقاله "لسنا جاهزين للوفاق" والمنشور بجريدة الشروق بتاريخ 18 أكتوبر 2012م: «لا أبالغ إذا قلت إن جذور الموقف الإقصائى ظهرت فى الأفق إبان الفترة التى شكلت فيها لجنة تعديل الدستور فى شهر فبراير 2011، ذلك أن اللجنة هوجمت بشدة واتهمت بتحيزها للإخوان لمجرد أن فردا واحدا من الجماعة ضم إليها باقتراح من وزير العدل، فى حين أن بقية أعضاء اللجنة السبعة وهم من كبار رجال القانون وفقهائه ليسوا من أعضاء الجماعة. لكن الواحد المذكور ــ الأستاذ صبحى صالح ــ اعتبر دليلا على «أخونة» اللجنة. وليس ذلك أغرب ما فى الأمر، لان الأغرب أن الوزارة التى كانت مشكلة آنذاك ضمت ثلاثة من الوفديين وواحدا من حزب التجمع، كما أن نائب رئيس الوزراء كان عضوا بارزا فى الحزب الديمقراطى الاجتماعى، ومع ذلك فان أحدا لم يتحدث عن تسييس تشكيل الحكومة. وبدا الأمر مسكونا بمفارقة غير بريئة. فالعضو الواحد فى اللجنة لوثها وأثار حولها الشكوك. لكن وجود الحزبيين الخمسة فى الوزارة لم يضفوا أى لون لها. ولا  تفسير لذلك سوى ان النخبة عالية الصوت فى مصر اعتبرت ان وجود العضو الإخوانى خطأ جسيما وشذوذا ما كان للنظام الجديد أن يتورط فيه.

خلاصة التجربة تؤكد أن القوى العلمانية في معظمها، مارست التحريض السافر ضد كل المؤسسات المنتخبة من الشعب في أعقاب الثورة وإبداء الفرحة العارمة والشماتة في حلها من جانب الدولة العميقة في القضاء؛ حدث ذلك مع حل اللجنة التأسيسية الأولى في 10 إبريل، بدعوى غلبة الإسلاميين على تشكيلها، ثم في حكم الدستورية بحل البرلمان في 14 يونيو 2012، رغم أنه البرلمان الوحيد المنتخب بنزاهة منذ سنة 1950م، ثم الانسحاب من التأسيسية الثانية في نوفمبر ، ثم تشويه الدستور المستفتى عليه من الشعب، ثم المشاركة بكل قوة في انقلاب 03 يوليو،  وتجميد العمل بالدستور وحل مجلس الشوري. في المقابل، لم يعرف للعلمانيين موقف شريف يدافع عن المؤسسات المنتخبة. فقد  حرضوا على الانقلاب على المسار الديمقراطي وشاركوا فيه،  وباركوا تكوين تأسيسية بالتعيين بعد 3 يوليو، وباركوا دستور 2014 رغم عدم مشاركة الإسلاميين فيه لا في إعداده ولا التصويت عليه باستثناء عدد محدود من حزب النور الذي أيد الانقلاب. ثم قبلوا أن يقوموا بدور "الكومبارس" من أجل تثبيت أركان الانقلاب العسكري؛ وحتى اليوم ورغم الآيات البينات التي تؤكد خطأ مسار الانقلاب إلا أنهم لم يراجعوا أنفسهم ولم يعتذوا عن التسبب في ضياغ فرصة الديمقراطية على مصر وشعبها.