تهديدات “آن باترسون”  التي رفضها مرسي وأعقبها الانقلاب العسكري

- ‎فيتقارير

في تحليله لموقف الدول الخليجية التي شاركت بقوة في مؤامرة الانقلاب على الرئيس الشهيد محمد مرسي والمسار الديمقراطي في مصر  في منتصف 2013م، كتب الأستاذ فهمي هويدي :«يثير انتباهنا أن الدول الخليجية المنخرطة فى معسكر الاعتدال، والتى كانت حليفة لمبارك ونظامه، سارعت إلى مد جسورها من النظام الجديد. بعد ساعات قليلة من إعلان عزل الدكتور محمد مرسى. فى حين أن تلك الدول عمدت إلى مقاطعة القاهرة بعد ثورة 25 يناير وتحولت تلك المقاطعة إلى موقف معلن بعد انتخاب الدكتور مرسى».

ويوضح هويدي أن السفيرة الأمريكية "آن باترسون" تقدمت بعريضة للرئيس مرسي وطالبته بتنفيذها حتى يضمن المساعدات الخليجية ملحمة إلى أن مفاتيح خزائن الخليج بيد الإدارة الأمريكية؛ يضيف هويدي: «أذكر أن أحد حكام تلك الدول (الخليج) بعث برسالة إليه (مرسي) بعد انتخابه طالبه فيها بوضع حد للمليونات التى تكرر احتشادها آنذاك فى ميدان التحرير، وقال إنها تشجع الناس فى بلاده على الخروج بدورهم إلى الشوارع ورفع أصوات الاحتجاج والغضب ضد نظامه». ويبدي هويدي اندهاشه من سلوك تلك العواصم الخليجية التي امتنعت عن مساندة مصر الثورة، متابعا: «لقد تقاطرت تلك الوفود على القاهرة بعد عزل الدكتور مرسى، معبرة عن تأييد النظام الجديد ودعمه. وخلال أيام قليلة قدمت إلى مصر نحو 12 مليار دولار، على الأقل فى التصريحات التى صدرت». ويروي قصة كان طرفا فيها: «تحضرنى فى هذا السياق قصة سمعتها قبل ثلاثة أشهر (إبريل 2013) من أحد المسئولين فى رئاسة الجمهورية، خلاصتها أن السيدة آن باترسون السفيرة الأمريكية نقلت ذات مرة إلى الرئيس المصرى رسالة تضمنت طلبات معينة موجهة من واشنطن، وهى تنقلها ذكرت أن من شأن الاستجابة لتلك الطلبات أن تشجع الدول الخليجية على توجيه بعض استثماراتها إلى مصر لحل أزمتها الاقتصادية، وكانت العبارة التى قيلت فى هذا الصدد إن «مفاتيح خزائن الدول الخليجية بيد واشنطن».

على كل حال، رفض الرئيس مرسي الاستجابة لهذه المطالب؛ ويبدو أن تقديره في ذلك يعود إلى أنه لو قبل بذلك فإنه سوف يقع في الفخ الأمريكي المنصوب بإحكام، وسيتحول إلى نسخة جديدة من مبارك والذي كانت تديره واشنطن بالريموت كنترول، ولم يكن يرفض لها طلبا على الإطلاق، وأن قبوله سيمثل سابقة في حكمه وتجعله خاضعا على الدوام للضغوط الأمريكية الخليجية، رغم أنه كان مقيدا بالفعل لاعتبارات عديدة أبرزها الحالة الاقتصادية المتردية التي ورثها عن حكام العسكر السابقين، وكذلك الاتفاقيات الدولية التي أبرمها السادات ومن بعده مبارك وأبرزها كامب ديفيد، وكذلك عدم خبرته بدهاليز السلطة لأن الحكم العسكري قام بتجريف  كل أشكال الحياة السياسية والمشاركة الشعبية في صناعة القرار، كما أنه  كان مقيدا بعمله في ظل حصار مشدد من الدولة العميقة والمافيا التي تحكم البلاد باسم مؤسسات الدولة دون أي تفويض شعبي حقيقي لها بممارسة الحكم والسلطة. ومع الانقلاب على الرئيس جاءت أمريكا بالسيسي وعادت مصر إلى أحضان واشنطن؛ تتلقى الأوامر والتوجيهات دون نقاش، من أجل حماية المصالح الأمريكية والأمن القومي الصهيوني؛ وهذا هو عين ما يقوم به الجيش المصري حاليا؛ ولعل خذلانه في الدفاع عن أمن مصر القومي في أزمة المياه مع إثيوبيا ثم مباركته للتفريط في جزيرتي "تيران وصنافير" خير برهان على ذلك.

ولا ننسى ملطقا أن المدة التي قضتها "باترسون" في القاهرة، هي أقصر مدة قضاها سفير أمريكي بمصر؛ حيث مكثت سنتين فقط، بدأت في أغسطس 2011 في أعقاب الإطاحة بالرئيس الأسبق حسني مبارك بشهور قليلة وحكم المجلس العسكري خلال الفترة الانتقالية،  وانتهت في أغسطس 2013م؛ حيث تم سحق الثورة وإجهاض التحول الديمقراطي؛  معنى ذلك أن  باترسون جاءت إلى القاهرة والثورة في حالة صعود وانتشار، وتركتها والثورة في حالة جمود وانكسار، وهذا هو جوهر المهمة التي كُلفت بها باترسون من البيت الأبيض (القضاء على الثورة المصرية تماما وإجهاض حلم المصريين في نظام حكم ديمقراطي رشيد، وسحق الإسلاميين الذين يمثلون مركز القوة والمناعة في المجتمع المصري ضد المصالح الأمريكية). جاءت باترسون إلى القاهرة والثورة في حالة قوة وانتشار؛ حيث الانتخابات البرلمانية في نوفمبر 2011، ثم مؤامرات الدولة العميقة وحل البرلمان والإعلان الدستوري المكمل وانتخابات الرئاسة في يونيو 2012م، والحرب التي خاضها معسكرة الثورة ضد الدولة العميقة التي كانت تعرقل كل خطوات التحول الديمقراطي، والحرب التي شنها العلمانيون على المؤسسات المنتخبة ثم أحداث الاتحادية وصولا إلى مشهد الانقلاب في 03 يوليو، ومذابح الحرس والمنصة ورابعة والنهضة وغيرها، كل هذه الأحداث الساخنة جرت أثناء وجود آن باترسون على رأس السفارة الأمريكية بالقاهرة. ولم تترك باترسون منصبها إلا والثورة في حالة هزيمة وانكسار بعدما تمكن الجيش والدولة العميقة من السيطرة المطلقة على البلاد من جديد. في وجود باترسون جرت كل هذه الفظائع والمذابح وتم نسف جميع المؤسسات المنتخبة بإرادة الشعب الحرة (البرلمان ـ الرئيس ـ الدستور)، وتم سحق الإسلاميين بوصفهم مصدر الخطر الأكبر على المشروع الأمريكي الإسرائيلي في مصر المنطقة.